مقاهي القاهرة في ليالي رمضان
القاهرة / 14أكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:تتزين مقاهي القاهرة الفاطمية في شهر رمضان ، حيث جلسات السمر وعبق التراث يتجلى في أحضان منطقة الأزهر والحسين، وتمتد روائح رمضان الى مقاهي الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية ، ولكن تبقى القاهرة هي التي تحظى بنصيب وافر من المقاهي ذات التاريخ ، والتي تحمل أصداء وروائح الماضي ، ومنها مقهى الفيشاوي الذي يرجع تاريخه الى عام 1727 م ، وترجع شهرة هذا المقهى الكائن في منطقة الحسين الى أنه منتدى للشخصيات العامة من رجالات الفكر والأدب والفن والسياسة..وعادة ما تفتح المقاهي أبوابها بعد الإفطار ، ليشتد الزحام بها حتى مطلع الفجر ، ومن أبرز المقاهي في حي «الحسين » مقهى نجيب محفوظ في خان الخليلي ، والذي يقدم وجبة الإفطار للزبائن فضلا عن المشروبات والنرجيلة ، حيث تختلط رائحة الشاي بالنعناع الأخضر ، برائحة الدخان المتصاعد من ( النرجيلات ).وهكذا تتنافس المقاهي طوال ليالي رمضان ، لجذب عدد أكبر من الرواد سواء كانوا من المصريين أم الأجانب، حيث تقدم لهم (المشروبات ) الساخنة كالحلبة واليانسون والقرفة، والمشروبات الباردة كالعرقسوس والتمر الهندي.وفي السنوات الأخيرة اهتمت الفنادق الكبرى بتلبية طلبات زبائنها ، بنقل الجو الرمضاني في الأحياء الشعبية ، حيث تعلق الفوانيس على مداخلها ، ويتم الإعلان عن وجود “ مقهى “ يستقبل الرواد بعد الإفطار ، حيث تخصص إدارة الفندق قاعة من القاعات ، ترص بها المقاعد والطاولات وتطلي الجدران ، وتعلق إطارات الزينة من لوحات ذات طابع زخرفي ، وبذلك تجتذب هذه الأشكال المستحدثة نزلاء الفنادق ، لما فيها من خدمات تتطابق مع طبيعة المقهى الشعبي من مشروبات ونراجيل وألعاب التسلية كالنرد والدومونو.ونظراً لاتساع القاهرة ، فإن الكثير من الشباب يفضلون الجلوس في المقاهي القريبة من منازلهم ، تلافيا للزحام الذي يشتد في منطقة الأزهر والحسين طوال ليالي رمضان ، وبذلك تتميز المقاهي بطابع خاص ، حيث تزدان بالفوانيس المضيئة والمشروبات التي يزداد عليها الإقبال مثل ( حمص الشام ) ، وهو عبارة عن حبات من الحمص تغلي مع الماء وتوضع عليها كميات من الملح والشطة وتشرب ساخنة .[c1]في المساء فقط [/c]ويختلف العمل داخل المقهى في شهر رمضان عن سائر الشهور ، فغالبا ما يبدأ الاستعداد لفتح المقهى بعد صلاة العصر، حيث يذهب العاملون إليها، ويقومون بإعداد الطاولات والمناضد ، وتجهيز أدوات العمل من أكواب وصوان ونراجيل ، وغالبا ما يتناول هؤلاء وجبة الإفطار في المقهى ، لينهضوا بعدها لمباشرة عملهم ، فهناك من يقوم بتجهيز المشروبات ويسمى ( عامل النصبة ) ، وهناك الجرسون ( القهوجي ) الذي يقدم الطلبات الى الرواد، أما صاحب المقهى فعادة ما يجلس الى منضدة في الركن ، وخلفه المذياع أو التلفاز مثبت فوق رف خشبي ، بينما يدخن النرجيلة وقد علت وجهه الابتسامة وهو يحيي الرواد .ولايترك صاحب المقهى مكانه إلا عندما يتناقص عدد الرواد ، ويقترب يوم العمل من نهايته ، وقد بدأ الناس يهرعون الى منازلهم لتناول وجبة السحور ، بينما يقوم العاملون بتنظيف المكان وغسل الأكواب والنراجيل، بعدها يسارعون بالعودة الى منازلهم لتناول وجبة السحور مع ذويهم .وفي الإسكندرية تتألق الأحياء الشعبية في ليالي رمضان ، حيث تتعدد مظاهر الاحتفالات بقدوم الشهر الفضيل ، وتمتلئ الشوارع بالزينات وتعلق الفوانيس على مداخل المنازل والحوانيت.وتشتهر المدينة بالكثير من المقاهي المتناثرة في أرجائها ، والتي عادة ما تصطف مقاعدها على الأرصفة المقابلة للكورنيش ، حيث يتوافد عليها الزبائن ، ويجلسون الى الطاولات ، يتجاذبون أطراف الحديث والمسامرة ، ويحتسون المشروبات الساخنة والباردة ، ويدخن بعضهم ( النرجيلة ).وهناك عدد من المقاهي في وسط المدينة ، مثل مقهى “ السلطان حسن “ ومقهى “ على كيفك “ والمقاهي التجارية وغيرها التي تتنافس فيما بينها على اجتذاب الرواد خلال ليالي رمضان ، ولمقاهي الإسكندرية طابع خاص حيث رائحة اليود والطقس المعتدل، الذي يغري بالخروج من المنازل ، والنزول الى الشوارع ، وارتياد المقاهي. وبعيدا عن الإسكندرية ، سنجد أن سائر المدن المصرية تشتهر فيها بعض المقاهي ، التي يحلو فيها السهر خلال أيام وليالي رمضان ، أما الريف فيندر فيه وجود المقاهي ، حيث لا يميل أهالي القري الى هذا الشكل من أشكال الملتقيات ، ويفضلون الجلوس في (منادرهم) وهي غرف مخصصة لاستقبال الضيوف ، فنجد صاحب الدار يتوسط القاعة وحوله أصدقاؤه يفترشون ( الحصير)، ويتبادلون الحديث والضحكات، ومعهم طفل أو شاب صغير يقوم بتحضير أكواب الشاي الساخنة ، وهم يدخنون ( الجوزة ) وهي شكل من أشكال النرجيلة.[c1]منتديات ريفية [/c]ومع التقدم الذي طرأ على الحياة في الريف المصري صارت هناك “ منتديات “ يجلس فيها الشباب ،ومقاه تستقبل الزبائن من راغبي مشاهدة برامج التليفزيون أو الاستماع الى المذياع.. وغالبا ما يكون المقهى للوافدين من القرى الى المدينة ، مكانا للاستراحة من تعب السير والتجوال لشراء مستلزماتهم ، ولذلك تكتظ المقاهي بجوار محطات القطار والسيارات ، بالمئات من المسافرين والذين يفضلون الشاي بالنعناع وتدخين النرجيلة ، قبل أن تقلهم عرباتهم أو قطاراتهم للعودة الى قراهم البعيدة.وغالبا ما تهتم مقاهي (المحطات) باستقبال هؤلاء الوافدين ، وتدخل في المنافسة مع المقاهي الشهيرة في قلب المدينة ، التي عادة مايرتادها أهالي الحي ، والشارع ، ونادرا ما يفد إليها غرباء.. حيث يمتد السهر حتى مطلع الفجر طوال ليالي شهر رمضان.