عائشة المري:بدأ العد التنازلي لشغل عشرين مقعداً في المجلس الوطني الاتحادي انتخابا في إمارات الاتحاد السبع، ومنذ بدء الحملات الانتخابية في 2 من ديسمبر وحتى الموعد الرسمي لانتهاء الحملات الانتخابية، تبلورت البرامج الانتخابية للمرشحين في الإمارات السبع فكانت البرامج متشابهة في عناوينها مختلفة في تفاصيلها، برامج احتلت فيها القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأولوية في حين جاءت القضايا السياسية في المرحلة الثانية. تنوعت وسائل الدعاية الانتخابية المستخدمة بين اللافتات في الشوارع والإعلانات في الوسائل الإعلامية وتنظيم اللقاءات التعريفية، وإنشاء المواقع الإلكترونية، وفي المقابل اكتفى آخرون بعلاقاتهم الاجتماعية ورصيد خبراتهم وسنوات عملهم في المجتمع. كانت الحملات الدعائية الانتخابية فرصة لممارسة الحق في الترشح والانتخاب كأول تجربة للمشاركة الشعبية تلقى زخماً شعبياً كبيراً، فكانت الأسابيع الماضية فرصة لحوارات عكست الهموم الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، فتصدر التعليم والخدمات الاجتماعية والخدمات الصحية والإسكان معظم الأجندات الانتخابية. توارت قضايا وبرزت قضايا في الحملات. ظهر اللامعقول والممكن إلى جنب، فكانت بعض العناوين المطروحة أكبر من صلاحيات المجلس بما يدخل في خانة ما يجب أن يكون أو خانة الحلم، لا ما هو كائن فعلاً، أو بعبارات أدق ما لا يدخل في صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي دستورياً، بما يتطلبه ذلك من تغيير للدستور. بالإجمال كانت الحملات فرصة لإخراج الهم الشعبي ولمشاركة القضايا، فرصة لنقاشات لمشاكل قائمة، فرصة لأصوات تبحث عن حلول. رغم أن العامل الحاسم في الانتخابات ليس في البرامج الانتخابية بالرغم من تناولها لقضايا المجتمع، فنتيجة لخصوصية تجربة الإمارات التي ارتأت حكومتها تشكيل هيئة انتخابية تتولى انتخاب الأعضاء العشرين المنتخبين في المجلس، فكان يفترض أن يكون الخطاب الانتخابي موجهاً للناخب من أعضاء الهيئة الانتخابية لا لعامة شعب الإمارات، حقيقة التبست الرؤية على الناخب والمرشح كما على بقية الشعب من خارج الهيئات الانتخابية، فاعتقد البعض إلى يومنا هذا بأنهم معنيون بالانتخاب والاختيار رغم عدم ورود أسمائهم في الهيئات الانتخابية. ونحن لا نتحدث هنا عن أناس من ذوي مستويات تعليمية متدنية بل فئة مثقفة متعلمة لكن ينقصها الوعي السياسي بالنظام السياسي في دولة الإمارات وبالعملية الانتخابية. جهل سياسي فاقمته الحملات الانتخابية خاصة تلك التي وجدت في شوارع الإمارة مكاناً لصور المرشحين، فأصبحت الحملات الإعلامية تخاطب جمهوراً متفرجاً على تجربة جديدة، فأعطت صورة ملتبسة وأرسلت أحياناً رسالة مغلوطة. توجهت الأنظار إلى إماراتي أبوظبي والفجيرة، فقد بدأ الاختبار الفعلي وتوجه الناخبون يوم السبت الماضي للإدلاء بأصواتهم لاختيار مرشحيهم لعضوية المجلس الوطني الاتحادي. ويتوجه اليوم الناخبون في إمارتي دبي ورأس الخيمة، ومن ثم الشارقة وعجمان وأم القيوين في العشرين من ديسمبر. نجح الناخبون في المرحلة الأولى في اختبار المسؤولية والحس الوطني سواء مشاركة أو حضوراً أو تصويتاً، وقد عكست معدلات الإقبال على التصويت في كلتا الإمارتين معدلات التفاعل الشعبي مع التجربة الوليدة. توجهت الأنظار وترقبت وسائل الإعلام العربية قبل المحلية نتائج المرحلة الأولى، كانت اختباراً مجتمعياً قبل أن تكون اختباراً للناخبين أو للتجربة ككل. تجربة تمايزت وتميزت بين التجارب العربية والخليجية . كانت انتخابات إمارة أبوظبي مفاجأة بكل المقاييس حتى لأكثر الأقلام تفاؤلاً، فوصلت المرأة في المرحلة الأولى من الانتخابات، مما قد يفتح المجال للمزيد من التفاؤل بدخول المرأة المجلس الوطني الاتحادي انتخاباً، لا تعييناً. مفاجأة تثبت خصوصية تجربة الإمارات العربية المتحدة بين التجارب الخليجية، وخصوصية تجربتها التنموية، فكانت مفاجأة مُفرحة عكست المكانة التي وصلت إليها المرأة في المجتمع، فكانت ثقة منحها أصوات الناخبين انعكاساً للثقة التي أولتها الحكومة للمرأة باختيارها في الهيئات الانتخابية. وصلت المرأة عبر صناديق الاقتراع فكانت مفاجأة لا لأن المرأة ليست مهيأة لدخول المجلس الوطني الاتحادي، وإنما لأن التجارب الخليجية والعربية السابقة كانت محبطة بكل المقاييس. انتخاب الدكتورة أمل القبيسي حدث يجب التوقف عنده، لأول امرأة تنضم للمجلس، مناسبة اجتماعية للاحتفال، ومناسبة لشكر الحكومة الرشيدة التي أرست للمرأة مكانة في المجتمع، مكانة برزت في أول اختبار فعلي لمكانة المرأة في المجتمع. لقد أنصف ناخبو أبوظبي المرأة فكانت نقطة مضيئة في بداية التجربة الانتخابية، وتتجه الأنظار اليوم إلى ناخبي إمارتي دبي ورأس الخيمة، فهل نشهد مفاجآت انتخابية على صعيد وصول المرأة للمجلس؟ الاحتمالات مفتوحة. البدايات مهمة لجهة تأسيسها للمراحل القادمة، إن ترسيخ الإقبال الشعبي على الانتخابات ووصول المرأة إلى المجلس انتخاباً كلها حقائق ستؤسس للعمل الوطني في هذه المرحلة وسترفع من وتيرة الحراك السياسي في المجتمع. المشاركة الشعبية في التفاعل مع برامج الناخبين رغم تشابهها والحملات الانتخابية رغم تكاليفها المالية الفادحة، كلها عوامل ستساهم تدريجياً في إحداث نقلة سياسية تدريجية للتجربة الاتحادية. التدرج في الخطوات السياسية خطوة ارتأتها الحكومة، خطوة تضاف لخطوات تنموية مجتمعية، فلم تلجأ الحكومات لسياسة القفز على المراحل وارتأت قطف المنجزات تدريجياً. خطوة ثمَّنها شعب الإمارات لحكومته فكانت المشاركة الواسعة في الترشح للانتخابات والمشاركة الشعبية في التصويت في يوم الانتخابات انعكاساً لوعي شعبي بدأ يتأسس . إن الاختيار في الهيئات الانتخابية كان تكليفاً لا تشريفاً، واختيارات الناخبين مسؤولية جسيمة، معايير الاختيار تتفاوت بين اختيار على أساس قبلي، اجتماعي، أو حتى على أساس البرامج الانتخابية. في هذه المرحلة لا نفترض المثالية في ناخبينا ونحن أدرى بأن كثرة المرشحين وتشابه البرامج الانتخابية لا يعطي مجالاً للاختيار الفعلي على أساس البرامج الانتخابية. في هذه المرحلة لا نفترض وعياً سياسياً متقدماً لدى الناخبين، لكن يفترض أن تكون الاختيارات على أساس برامج تراعي الهم الوطني تأسيساً لتجربة وليدة. أمام الناخبين اليوم بإمارتي دبي ورأس الخيمة فرصة تاريخية للمزيد من المفاجآت الانتخابية. نبارك لدولة الإمارات تجربة المشاركة السياسية على طريق الديمقراطية. نقف اليوم أمام مرحلة جديدة تؤسس لمراحل قادمة يجري فيها تشكيل للوعي المجتمعي السياسي، تأسيس لثقافة انتخابية ستأتي قطافها في السنوات القادمة. [c1]* نقلا عن/ صحيفة "الاتحاد" الإماراتية[/c]
مفاجآت انتخابية
أخبار متعلقة