في ديوانه الأخير
داليا عدنان الصادقهو دائماً بعيد عن ثقته بقدرته على بناء وطن خيالي بالكلمات المجنحة بوساطة الشعر الذي دونه الحياة سراب.يبدأ ديوانه الجديد “لا تعتذر عما فعلت” بأسماء شامخة : أبو تمام.. لوركا.. السياب.. أمل دنقل .. نيرودا.. ريتسوس.. سليم بركات وآخرين.إنه يستدعي هذه الشخصيات جاعلاً منها لبنات في بناء قصائده.. لتلاقيه معهم في الرأي أو المصير أو طريقة الحياة. وهو في كل ذلك لا يتخلى عن طريقته الشعرية المعهودة، حيث يمزج التراث بالحداثة ليصنع قصيدته المختلفة السهلة الممتنعة من دون التخلي عن الأوزان العروضية وتفعيلات الفراهيدي مع تركيز شديد على الإيقاع الداخلي من خلال التقفية الداخلية وألوان البديع والتضاد والميل إلى الغموض الشفاف الذي لا يصل إلى حد الإيهام، كما يمزج الرومانسية بالواقعية فلا ينسى مفرداته المفضلة المستمدة من الكتب الدينية والأسطورية والهدهد وأمه ونظارته الطبية والديك والمريمية والحصان والوردة الحمراء والمرأة التي تدلك نهدها بالشمس.وهو لا ينسى فلسطينه. فها هو ريتسوس اليوناني يصرخ : “آه فلسطين يا اسم التراب ويا اسم السماء ستنتصرين”.ومن خلال قضيته الوطنية لا ينسى قضايا الآخرين. فهو يرثي حال الأكراد المعذبين في قصيدته “ليس للكردي إلا الريح” المهداة إلى الشاعر الكردي سليم بركات حيث توضح عادات سليم اليومية. فعلى دراجته يحمل الجهات ويسكن في الجهة الأخيرة. ومن المعروف أن سليماً خرج من قريته “موسيسانا” إلى بيروت إلى قبرص إلى الشمال السويدي يتدفأ بالكلمات ويشذب أطرافها ليدافع عن وجوده.. (كلماته عضلاته وعضلاته كلماته).. وقومه الكرد يقتربون من نار الحقيقة ثم يحترقون مثل فراشة الشعراء ثم يعبر درويش عن إعجابه بشاعرية سليم الخارقة قائلاً :يفض بكارة الكلمات ثم يعيدها بكراً إلى قاموسه، ويسوس خيل الأبجدية ويطلق عنانه للغة..”سليم هذا الذي آوى باللغة وشذبها وعطرها بأريج الشعر يعيش بلا مأوى.. بل مأواه الريح على حد قول درويش.ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها وتدمنه ويدمنها..إذاً طوبى للريح.. وهنيئاً لها بسليم وهنيئاً لسليم بها..يتجرأ درويش على الاقتراب من نار الكرد مثلما تجرأ في يفاعته الشعرية قبل ثلاثين عاماً عندما قال :هل خر مهرك يا صلاح الدين.. هل هوت البيارق؟هل صار سيفك صار مارق؟الموت للأكراد إن قالوا : لنا حق التنفس والحياة.محمود درويش الذي عده شعراء الفارس النبيل الذي امتطى صهوة القصيدة ومازال في مكانه ومكانته. وها هو ظله العالي يخيم علينا في ديوانه الجديد “لا تعتذر عما فعلت”.