لليمن ..لا لعلي عبدالله صالح (32)
أثناء لقائه بطلاب جامعة صنعاء من أبناء محافظة صعدة في الأول من مارس 2010م الجاري, تحدث الرئيس علي عبدالله صالح بصراحة ومسؤولية عن جانب من الخسائر والأضرار التي تلحق بالوطن والمجتمع والإنسان جراء توظيف الدين لأغراض سياسية ودنيوية من خلال واجهات دينية، مشيراً إلى أن شعبنا يرفض العنصرية والاستعلاء باسم الدين منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر حيث أكدت مبادئ الثورة اليمنية العظيمة أن الشعب اليمني بأسره هو أمة متساوية في الحقوق والواجبات, كما أن اليمنيين يؤمنون بالخالق عز وجل، ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.وأوضح فخامته القيمة الإنسانية لتعايش اليمنيين عبر التاريخ، مشيراً إلى أن الناس اليوم يتفقون على المناهج الدينية التي تدرس في المدارس ضمن إطار الإستراتيجية الوطنية لمناهج التعليم ويتوحدون في ظلالها، بينما تفرقهم التعبئة الفئوية غير الوطنية لمناهج التعليم الديني المذهبي بواسطة المراكز والملازم الدينية الخارجة على النظام التعليمي الوطني الموحد للدولة.ولعل أروع ما جاء في محاضرة فخامة الرئيس أمام الطلاب الجامعيين من ابناء محافظة صعدة قوله: إن الثورة اليمنية أسهمت في توحيد النضال الوطني لشعبنا كإمتداد لتلك الوحدة التي تجسدت في مجرى كفاح الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، وإشارته الصادقة إلى دور الهاشميين الوطنيين في نضال الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة في سبيل الحرية, ومقارعة نظام بيت حميد الدين الإمامي الاستبدادي، والمشاركة في تفجير وقيادة ثورة 26سبتمبر الخالدة، والدفاع عن النظام الجمهوري، والاسهام في تحقيق الوحدة اليمنية وبناء الدولة الوطنية الحديثة, وتعزيز الديمقراطية في المجتمع.واللافت للنظر أن فخامته هاجم الكتب والأفكار والملازم الدينية التي تنشر ثقافة الكراهية وتثير النعرات المذهبية بين أبناء الشعب اليمني والأمة العربية والاسلامية، وتحرض ضد أتباع المذاهب المخالفة، وأشار إلى أن هذه الكتب هي عبارة عن فكر مستورد يحاول أصحابه أن يفرضوه على بلادنا ومجتمعنا بالمال, مؤكداً أن الدولة في اليمن ليست ضد المذاهب المنتشرة في العالم العربي والإسلامي على اختلاف مسمياتها ومعتقداتها، كما أنه ليس لدى الدولة أي موقف ضد المذاهب الزيدية والشافعية والمالكية والحنبلية والحنفية والاثنى عشرية, لكن الدولة تقف فقط ضد كل فكر دخيل وقادم من خارج البلاد، وبواسطة أي فئة أو مذهب، بغرض فرضه على مجتمعنا بالقوة أو بالمال.والثابت أن المذاهب الدينية هي طريقة تفكير وسلوك لمن يؤمن بطقوسها ومعتقداتها, وهي بالاضافة الى ذلك مذاهب وضعية من صنع البشر على الارض ولم تنزل من السماء، ناهيك عن أنها تأثرت بموروث البيئات التاريخية والاجتماعية عبر مختلف عصور التاريخ البشري، بما فيه التاريخ الوثني واليهودي والمسيحي والإسلامي على نحو ما أسلفنا تناوله في الحلقات الماضية.وسبق لنا القول في الحلقة السابقة إن أصحاب المشاريع الطائفية الإقصائية الوافدة على بلادنا من الخارج حاولوا الدخول على خط حرب صعدة, لجهة المراهنة على إمكانية القضاء على النظام الجمهوري وتكفير الديمقراطية والانتخابات من خلال الدعوة لإعادة نظام الخلافة أو الإمامة، و شحن المجتمع بالنعرات المذهبية والطائفية, وتقسيم الناس إلى طوائف مذهبية متناحرة تعيد انتاج صراعات دامية على السلطة والثروة شهدها التاريخ الإسلامي قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام تحت واجهات مذهبية وإقصائية, وأدت في نهاية المطاف إلى بروز أفكار ومعتقدات مذهبية وضعية أفسحت الطريق لتمزيق الأمة العربية أو الإسلامية, وسقوطها تحت براثن التخلف والانقطاع الحضاري والاستعمار. وكان الاعتقاد بفكرة الوصية التي أوضحنا في الحلقة السابقة جذورها التلمودية الإسرائيلية، أحد أبرز العوامل المغذية للصراعات والحروب الدينية بين اتباع المذهب السني واتباع المذهب الشيعي في التاريخ الاسلامي، وقد بدأ هذا الاعتقاد في الظهور السياسي العلني من خلال فتاوى وروايات أطلقها المؤسسون الأوائل لمذهب أهل السنة والجماعة من الفقهاء والقصاص والوضاعين الذين نشرهم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان في المساجد، بهدف تدعيم نظام الحكم الملكي الوراثي الذي أقامه بعد مصرع الخليفة الراشد علي بن ابي طالب، وتبرير وتأصيل قراره الخاص بتعيين ابنه يزيد بن معاوية وليا ً للعهد، والتوصية له بوراثة الحكم من بعده وحصر توارث الحكم في قريش فقط, وهو ما أدى الى إدعاء الشيعة من جانبهم بالحق المقدس في توارث الوصية، ونزعها من بني أمية إلى آل البيت, وصولاً إلى بروز فكرة أخرى ذات طابع مذهبي وعنصري تجسدت فقهيا في فكرة الحفاظ على نقاء الدم عند فقهاء الشيعة, وهي فكرة تعود أيضاً إلى كتاب (التلمود) اليهودي، وتاريخ ملوك بني إسرائيل الذي دونه الأحبار الاسلاف في كتاب (سفر الملوك) ثم جعلوه جزءا لا يتجزأ من التوراة!!؟؟تعود جذور فكرة المحافظة على نقاء الدم إلى التراث العبراني السابق لظهور الديانة اليهودية، ورواسب التجربة التاريخية لبني اسرائيل في مصرالتي عرفها العبرانيون منذ أيام الدولة الوسطى، حيث كانوا يجيئون إليها لاجئين بهدف طلب الرزق في أرضها بعد كل جفاف يصيب الناس الذين استقروا وسكنوا في شبه الجزيرة العربية وجنوب العراق . وقد تميز بنو إسرائيل بحياة العزلة (الجيتو) بعيداً عن المصريين، وعندما كانت تنزل بالمصريين بعض الكوارث والشدائد والمحن والنوائب، كان بنو إسرائيل بالمقابل يتنكرون للمصريين، ويتعاونون مع الغزاة الذين كانوا يتربصون بهم، على نحو ما حدث في غزو الهكسوس لمصر بتواطؤ من العبرانيين المقيمين فيها.بيد أن أوضاع بني اسرائيل قي مصر شهدت تحولاً خطيراً بعد ان استقر الأمر للفراعنة على أثر طرد الهكسوس وتحرير مصر من سيطرتهم وبطشهم، حيث تأزمت العلاقة بين المصريين وبني إسرائيل, واستشار الملك الفرعون كهنته وقادة جيشه واتفقوا على أن عزلة بني إسرائيل داخل المجتمع المصري تشكل خطراً كبيراً، كما أن تكاثر عدد رجالهم يهدد امن وسيادة الدولة، فاستقر الرأي على ضرورة الإبادة العرقية للذكور من الأطفال والشباب والرجال، واستبقاء الإناث وتزويجهن من مصريين حتى يتم الاندماج وينتهي خطر العزلة.وبتأثير حملات الإبادة العرقية التي تعرض لها الذكور من بني إسرائيل نزح الآلاف منهم صوب الشام، وكان موسى عليه السلام من مواليد هذه الفترة، ولكن الله نجاه من الموت ((وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)) سورة القصص (87).وعندما رأته زوجة فرعون قالت بأنه يحتمل ألا يكون عبريا وطلبت من زوجها فرعون الا يقتله عسى أن ينفعهم ويتخذه ولداً، فاستجاب لها فرعون وتربى موسى في قصره وتحت رعايته، لكنه عندما شب أدرك انه من بني إسرئيل فقرر أن يكون ظهيراً لقومه.وحدث أن ثار المصريون على العبرانيين بعد ان لقي احدهم حتفه بوكزة من موسى حاول فيها إنقاذ أحد العبرانيين الذي استغاث به لإنقاذه من اعتداء كاد ان يكون قاتلا لولا تدخل موسى.. وبعد ذلك اعترف العبراني بأن موسى هو الذي قتل المصري الذي اعتدى عليه، فثار الفراعنة على موسى الذي لم يجد سوى الهروب إلى أرض مدين مقر النبي شعيب حيث تزوج ابنته . وعندما فكر موسى بالرجوع إلى مصر أبصر ناراً تشتعل ((فقال لأهله إمكثو أني آنست ناراً لعلي أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هُدى، فلما أتاها نودي يا موسى اني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري)) (طه 9 14).. وبذلك بدأت رسالة النبي موسى الذي كان الله قد أنقذه في طفولته منذ نعومة أظفاره، عندما أوحى لأمه أن ترضعه وتلقيه في اليم حتى لا تطاله حملة التصفية العرقية للذكور من بني إسرائيل على أيدي الفراعنة.ومما له دلالة تاريخية أن فقهاء الشيعة الأوائل في القرن الثاني الهجري وصفوا يزيد بن معاوية بفرعون بني أمية على أثر حملة الإبادة العرقية التي شنها ضد آل البيت في كربلاء والكوفة والنجف والبصرة بعد مصرع الحسين، وقد إنطوت تلك الحملة العرقية على مذابح جماعية رهيبة استهدفت تصفية الذكور من آل البيت بمن فيهم الأطفال الرضع، باستثناء النساء الهاشميات الذين سباهم يزيد بن معاوية بحسب ما ترويه كتب التاريخ (السنية والشيعية على حد سواء) وأخذهم إلى الشام، ثم قام بتزويجهن من قادة جيشه وفقهائه وأركان حكمه.وقد أحيت مذابح التصفية العرقية التي تعرض لها آل البيت في العقد الثاني من التاريخ الهجري الاسلامي ذكرى المذابح التي نفذها فرعون مصر ضد بني إسرائيل وأستبقى فيها النساء الاسرائيليات فقط، ثم قام بتزويجهن من المصريين، وما ترتب على ذلك من هجرة بني إسرائيل وبروز فكرة نقاء الدم التي تعود إليها فكرة النقاء السلالي عند مختلف فرق الشيعة بعد تشتت الناجين من آل البيت في جميع أطراف دولة الخلافة الإسلامية شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً.والثابت ان الدراسات الانثربولوجية التاريخية اجمعت على أن خروج بني إسرائيل من مصر كان حداً فاصلاً بين عهد النقاء وعهد اختلاط الدم، وقد حدث مثل هذا الاختلاط عندما هاجرت جماعات من بني إسرائيل أرض فلسطين حيث إستوطنت نهر الرافدين وبلاد فارس ووسط آسيا وشمال ووسط أفريقيا.. كما إختلطت وتزاوجت تلك الجماعات المهاجرة من بني إسرائيل في الطريق إلى أوروبا ووسط أسيا وأفريقيا مع نساء من أجناس سامية وآرية وافريقية، وسنوا فيما بينهم تشريعا يمنع زواج بناتهم بغير بني إسرائيل من اجل الحفاظ على نقاء الدم وصفاء النسل، وإلى ذلك تعود ظاهرة اليهود السمر والبيض والسود التي أفرزت لاحقاً جماعات وفرقاً ومذاهب دينية يهودية مختلفة، على نحو ماهو موجود عند مختلف الفرق الشيعية التي نشأت تحت تأثير مفاعيل إختلاط الدم بين نساء ورجال آل البيت -النازحين من جهة، وبين غيرهم من الشعوب الإسلامية في الأطراف التي هاجروا إليها مثل الهند وجنوب وشمال آسيا وشمال أفريقيا وشرق وجنوب شرق الجزيرة العربية واليمن من جهة اخرى..في الاتجاه نفسه تعود فكرة (الوصية) و(الغياب) إلى التراث اليهودي على نحو ماجاء في بعض الكتب التي وضعها الأحبار الاسلاف، وزعموا فيها أن النبي موسى أوصى قبل وفاته وبعد وفاة أخيه هارون بأن يقوم مقامه ابن أخيه وأقرب أصفيائه يوشع بن نون، بوحي من ربه بحسب مزاعم التلمود وسفر الملوك وسفر يوشع. وقد قام يوشع بن نون بعد وفاة موسى وهارون بقيادة بني إسرائيل في فترة التيه والشتات، وتوجه بهم عبر صحراء سيناء وصحراء النقب صوب الشام وفلسطين، حيث استولى على مدينة أريحا، مدشناً بذلك الغزو أول عهود بني إسرائيل في فلسطين، ثم إمتد سلطانه إلى سائر مناطق الشام بعد ذلك.أما الذين عاصروا النبي موسى عليه السلام من بني إسرائيل المؤمنين برسالته التي أوحاها الله إليه، فقد هلكوا جميعاً في الصحراء، ولم يدخل منهم فلسطين إلا إثنان فقط كان يوشع أحدهما، أما الثاني فقد اختفى في ظروف غامضة لكي يعود مجددا لتحقيق (الخلاص الكبير)، فيما كان باقي الجيش الذي اقتحم فلسطين من الأبناء الذين لم يعاصروا النبي موسى عليه السلام وأخاه هارون بحسب ما رواه المؤرخون وفي مقدمتهم الطبري وابن الاثير وابن كثير وابن خلدون ومكسيم رودنسون وآخرون.وعلى ايدي هؤلاء الأبناء بدأ تاريخ جديد للأمة العبرانية بانتظار ظهور المسيح الغائب الذي بشرت به التوراة، وتمحورت حوله أساطير ومعتقدات بعض الفرق الأصولية والمذاهب اليهودية التي تؤمن بأن المسيح الغائب هو أحد رفاق يوشع بن نون، وكان قد مات في ظروف غامضة أحيطت بالأساطير المشابهة لأسطورة الإمام الغائب عند الشيعة الاثنى عشرية الاسلامية، والتي سنأتي اليها في حلقة قادمة.وكان أبرز ما يميز هذه الحقبة الجديدة في التاريخ اليهودي انتشار المذاهب والفرق اليهودية، وتصاعد الاختلافات والتناحرات بينها في بيئة سياسية تميزت بالدمج العضوي بين الدين والملكية، وبإدعاء بعض ملوك بني إسرائيل النبوة، وظهور بعض الملوك الذين أضفوا على أنفسهم صفات الله بحسب ما جاء في كتاب (سفر الملوك)، على قاعدة التماهي المتخيل بين صفات الله وصورة الملك، وذلك بهدف تقريب وتجسيد الصورة المقدسة للملك بما هو (ظل الله على الأرض) وتبرير أفعاله وعدم مساءلته عليها.وإلى هذه الحقبة يعيد المؤرخون بروز عقيدة تجسيم صفات الله على صورة الإنسان ومثاله بحسب ما جاء في كتاب (التلمود) الذي رد عليه القرآن الكريم بأن الله (ليس كمثله شيء)(الشورى-11) فهو وحده فاطر السماوات والأرض، وهو وحده الذي جعل لنا من أنفسنا والأنعام أزواجاً يذرؤنا فيها ، وقد ترتب على ظهور عقيدة تجسيم صفات الله على أيدي ملوك وأحبار بني اسرائيل انقسام عميق بين المذاهب اليهودية المختلفة، وصل إلى ذروته في تحريف التوراة ووضع التلمود إلى جانب التوراة، والزعم بأنه مكمل لها وغالب عليها باعتباره السنة النبوية لموسى عليه السلام (!!), ثم لم يلبث هذا الانقسام ان امتد واتسع ليترك بصمات قاسية وثقيلة على التاريخ المسيحي والإسلامي، بعد تسلل الاسرائيليات إلى المذاهب الدينية المسيحية والإسلامية التي تختلف فيما بينها حول عقيدة تجسيم صفات الله بما هي جزء لا يتجزأ من عقيدة التثليث التي قال عنها القرآن الكريم (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) (المائدة 73), حيث يزعم كل من أتباع المذاهب التلمودية واتباع المذهب الملكي الكاثوليكي والمذهب الملكي السني بأن الله خلق الإنسان على مثاله و صورته، وكان الهدف من هذه المزاعم هو تجسيم التماهي بين الله والملك الذي يقوم بدور الرب وبوحي منه، وبين رجال الدين القديسين الذين يعمدون أفعاله في الدولة الدينية التي يحكمها الملك بصفته ظل الله على الأرض، فيما يحكم الخليفة او الإمام بصفته خليفة الله, وفي الحالين يتفق الكاثوليك وأهل السنة على أن الله هو الذي فوّض كلا من الملك والخليفة، وهو الذي أولاهما سلطانه على الارض، حيث لا يجوز لأحد الخروج شبراً واحداً عن هذا السلطان باعتباره خروجاً عن طاعة الله.. وهو ما لا يؤمن به أتباع كل من المذهب الملكي الارثوذكسي والمذهب الإمامي الشيعي على نحو ما سنأتي إليه في الحلقة القادمة.[c1]--------------------* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]