رغم أن الإرهاب أصبح هو الحدث الأبرز خلال السنوات السبع الماضية، إلا أن المجتمع السعودي لم يوجه لنفسه أحد أكثر الأسئلة المحرجة المرتبطة بهذه القضية وهو: لماذا شارك عدد كبير من السعوديين بالعمليات الانتحارية في الداخل والخارج؟! صحيح أن السعوديين كانوا ضحايا الإرهاب، ولكننا كنا أسباباً أيضاً. نحن لسنا مثل الإنجليز الذين كانوا ضحايا فقط، ولكننا كنا مشاركين أيضاً. من المفهوم أن نحزن بالطريقة التي يحزن فيها الضحايا، ولكن الأهم هو أن نفكر بالطريقة التي يفكر بها أشخاص يواجهون مشكلة، وعليهم أن يحلوها. رغم كل محاولات التمويه والتضليل فإن عقولنا المهيئة لاستقبال الأفكار المتعصبة والمتشددة هي التي ورطتنا في الإرهاب.هناك دائماً مجموعات ثقافية ودينية هي من تساهم بتشكيل عقول المجتمعات. وعلينا ان نعرف أن المجموعات التي عملت لعقود طويلة على تشكيل عقولنا، أوصلتنا إلى نتائج كارثية ومخزية، ولابد أن تكون هذه الكلمات مناسبة ونحن نتحدث عن أمر بشع جداً مثل الإرهاب. لم تقم هذه المجموعات بأي شيء، على عكس كثير من الدول، لحمايتنا من الإرهاب، بل ساعدته ليتغلغل في عقولنا وكأنها مجموعات من الجواسيس. لعبت هذه المجموعات دوراً محذراً جداً، وربما لم تلعب دوراً غيره. ولكنها للأسف اختارت القضايا التافهة لتحذيرنا منها، ومع هذا فشلت بذلك. حذرونا كثيراً من قصات الشعر الغريبة التي يقصها الشباب. ورغم عقود طويلة على ترديدهم هذه النصائح الفارغة، لايزال الشباب يبتكر قصات أكثر غرابة. الشيء الذي لم يفهموه طوال تلك السنوات أن هناك قضايا لا يمكن مواجهتها ومع ذلك هي تموت من تلقاء نفسها. في بداية العشرينيات كنت أقص شعري بطرائق غريبة وها أنا ذا في نهاية العشرينيات لا أترك شعري يطول سنتيمرات إلا وأقصه، وأظن أن أغلبية الذين في عمري الآن يفعلون الشيء ذاته. يبدو المشهد واضحاً جداً: المسألة كانت متعلقة بالعمر، لذا فإن كل النصائح التي قدمت لنا كانت مضيعة للوقت، فنحن قصصنا شعورنا من دون ان يطلب منا أحد ذلك؛ ولكن لأننا شعرنا أننا نضجنا أكثر.. من الواضح أن تلك المجموعات الناصحة والمحذرة كانت في مواجهة شيء أقوى منهم وهو الطبيعة الإنسانية، ومع ذلك فإنهم حاولوا هزيمتها (هل يوجد عمل أكثر حمقاً من ذلك؟!). الأمر ذاته أيضاً ينطبق على بناطيل الجينز. شنت حملات شاسعة من أجل منعها ولكن ها هي ذي تزداد يوماً بعد آخر. لماذا لم تنجح كل تلك المحاولات؟! لأن فكرة بنطلون الجينز مرتبطة بفكرة عن تطور الزمن ولا يمكن مواجهتها. وهي ربما تنتهي من نفسها إذا ما حلت موضة جديدة بديلة لها، وهي ليست بحاجة إلى كل تلك الجهود الفاشلة لإلغائها. قليل من الذكاء سيقول لك إن مواجهة الجينز هو بمعنى آخر مواجهة الزمن والأشخاص الذين يعتقدون أن بإمكانهم هزيمة الزمن والتغيير هم ذات الاشخاص الذين يعتقدون ان باستطاعتهم إعادتنا إلى بيوت الطين. وعليكم أن تفكروا بالقضايا الكثيرة نفسها التي ركزوا جهودهم لمعالجتها وفشلوا بها من الراديو حتى العدسات اللاصقة. تتركز حرب الناصحين التقليدية والواهية هذه على مواجهة مشكلات بشرية شخصية صغيرة وغير مؤثرة. العنوان العريض لها هو الدفاع عن الأخلاق عن طريق أسلوب النصح الثقيل المنتقد للممارسات الفردية السرية، أو تلك الشكلية في الكلام أو اللبس أو قصة الشعر. النصح يبقى أكثر الأشياء بغضاً ويزداد سوءاً إذا كان يتعرض لأشياء شخصية جداً. الحديث عن الأخلاق متهافت جداً لأن الناس أصبحوا يعرفون أن الجميع يقومون بنزواتهم في غرف نومهم أو سرائرهم ويخرجون للشارع للتحدث عن الاخلاق. أفضل الطرائق للتعامل مع الأشياء الخاصة هي التسامح معها وركنها في خانة الحريات الشخصية التي لن تنفع أو تضر إلا صاحبها. ولكن ماذا قدمت مواجهة الأفكار المتطرفة والمتزمتة التي غزت مجتمعنا وهي جبهة الحرب الجدية؟! ما الأفكار التي غرسوها في عقولنا ليحصنوا أولادنا من الإرهاب؟! في الواقع أنهم يتحولون إلى أعداء في هذه القضايا. في الوقت الذي كان عليهم أن يبعدونا عن أي أفكار متشددة يمكن أن توصلنا إلى الإرهاب، قاموا بالعكس تماماً. غرسوا في عقولنا التصورات الخاطئة عن الآخرين ونزعوا عنهم إنسانيتهم وزودونا بنظرة خاطئة عن ماضينا ولم يعلمونا أي فكرة عن التسامح. ولا يوجد وصفة أفضل من هذه لصناعة عقل متشدد. ورغم ذلك وعندما جاء الإرهاب حاولوا أن يلعبوا دور الناصحين من جديد ولكنهم قاموا من جديد بتضليل الناس وقدموا لهم المعالجة والحلول الخاطئة. يبدو واضحاً للجميع أن هذه المجموعات الناصحة التي شكلت عقولنا فشلت وتأثيرها خطير جداً وقد يوصل للإرهاب. إذا أراد كل أم وأب أن يحول ابنه لشخص متشدد وسطحي وسلبي وعدائي ليس عليهم إلا أن يسلموا ابنهم لهم.[c1]عن / جريدة “الرياض” السعودية[/c]
الجينز والإرهاب
أخبار متعلقة