بعد أن أدركوا دوره القيادي في الثورة
في ذروة الصراع بين حزب الوفد والقصر الملكي ومن خلفه السفارة البريطانية هتف الإخوان في مظاهرة معادية لحزب الوفد : " الله مع الملك " فأطل عليهم الملك من شرفة القصر ورد عليهم مجيباً : " نعم .. الله معنا "!!!كان جمال عبد الناصر يحتفظ بالصحف والمجلات والمطبوعات الحصرية التي كانت تصدر في مصر قبل الثورة على القصر الملكي لأنّها مرآة حية لأي باحث في مسار الحياة السياسية.. وكان عبد الناصر يعطي اهتماماً خاصاً لتوثيق المجلات والمطبوعات الصادرة عن الإخوان المسلمين، وخصوصاً الموضوعات المنشورة فيها والتي تسلط الضوء على عَلاقة الإخوان بالقصر الملكي الذي كان رمزاً للفساد والحكم العميل للاستعمار. والحقيقة أنّ الشيخ حسن البنا استمد كل قدراته على المناورة في هذه العَلاقة التي منحته دعماً غير محدود من القصر، ثم انتهت إلى أقسى محنة مرت بالجماعة، وانتهت به هو نفسه إلى الاغتيال. بمعنى انه حاول أن يتلاعب بهم فتلاعبوا به.تقتبس لنا الباحثة د . كاريمان إبراهيم المغربي في كتابها "الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب" ما يثير الدهشة من كتابات للشيخ حسن البنا اكتست بالتملق والرياء وما هو أكثر من ذلك، ففي جريدة " الأخوان المسلمون" نقرأ : "يقولون إنّ الناس على دين ملوكهم ونحمد الله ونشكر فضله على أنّ رب البيت يضرب المثل الأعلى في سمو النفس وعلو الهمة" ثم نقرأ أيضاً "يا أيّها الوزراء والعظماء هلموا إلى المثل الأعلى صاحب الجلالة فاروق الأول، وما دام الناس على دين ملوكهم فإنّ الوطن يرجو أن يتم له على أيدي الوزراء والعظماء كل خير" "ص 28".وتعلق الباحثة كاريمان المغربي : "كان تأييد الإخوان للقصر كسباً كبيراً له، حيث أنّ البنا هاجم الحزبية لحساب القصر واعتبرها منافسة غير شرعية لولاية ولي الأمر، ودعا إلى الغاء الأحزاب لآن الإسلام لا يعرف غير حزبين احدهما حزب الله ممثلاً بولي الأمر وطاعته واجبه، والثاني حزب الشيطان والجهاد ضده وضد من والاه واجب وأصل معلوم من أصول الدين، وأخذ حسن البنا يعمل في تعزيز سلطان الملك، محاولاً أن يمنحه ما ظل القصر مفتقداً إياه طوال حياته من تأييد جماهيري" "ص 81".وإذ اصطدم الوفد مع الملك خرج الإخوان في مظاهرة صاخبة أحاطت بقصر عابدين هاتفة "الله مع الملك" وخرج الملك لتحية المظاهرة ست مرات من شرفة قصره قائلاً : "نعم الله معنا" (نقلاً عن الأهرام 22/12/1937م)،وتعتبر الجماعة الملك فاروق أنّه: "الأسوة الحسنة والمثل الأعلى لأمته" "الإخوان المسلمون 16/6/1936م".ثم يوجه البنا حديثه للملك قائلاً : "إنّ شعبك الذي عرفك مؤمناً صالحاً تقياً ووثق بك مجاهداً، وأنّ هذا الشباب الذي ناديته فلبى، وهبت به فأستعد، ليعلن بهذه المناسبة السعيدة عظيم إخلاصه وولائه للعرش المفدى، وقد عرف فيك شعبك المنقذ له، والحارس لدينه، والساهر على رعاية مصالحه والداعي إلى الخير والفضيلة فيه بالقول والعمل، فأحبك وأخلص لعرشك من قرارة نفسه، وعقد على عهدك الرجاء، وكنت عنده رمز الأمل" ( النذير 8 محرم 1358هـ من مقال لحسن البنا بعنوان : "ملك يدعو شعباً فيجيب" إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول).أما نهاية هذا التملق فهي معروفة فقد دفع البنا ثمناً باهظاً تمثل في حل الجماعة وإنهاء حياته هو، ومع ذلك ظل الإخوان يراهنون على الملك. وتكثر الروايات عن سر اختيار المستشار الهضيبي خلفاً للبنا ويردد كثيرون حتى من الإخوان أنفسهم أنّ أصبع القصر كانت كامنة خلف هذا الاختيار.وعلى أي حالٍ فبعد أيام من اختياره مرشداً توجه الهضيبي إلى قصر عابدين ومعه رتل من قادة الجماعة ليسجلوا في سجل التشريفات ولاءهم لقاتل إمامهم ومرشدهم.وبعدها بأيام أخرى استقل الهضيبي واحدة من عربات القصر الملكي ليقوم بزيارة وصفها بأنّها "زيارة كريمة لملك كريم" ثم قام الهضيبي بزيارة أخرى في نوفمبر 1951م أي في أوج التهاب المشاعر المصرية ضد الملك وفساده وضد الاحتلال، ومع ارتفاع موجة الكفاح المسلح في القتال.وخرج بعدها المرشد العام للأخوان ليدعو شباب الإخوان "اعكفوا على قراءة القرآن" وليؤكد أنّ الإخوان لا يشاركون في معركة القتال، وأنّ من ذهب منهم فقد ذهب بصفته الشخصية "النداء 27 أكتوبر 1951م".وفي 16 يناير 1952م وبرغم تصاعد الغضب الشعبي ضد الملك وضد الاحتلال توجه المستشار الهضيبي إلى قصر عابدين مهنئًا بمولد ولي العهد، وفي الطريق إلى القصر كانت المظاهرات صاخبة ضد تعيين الملك لحافظ باشا عفيفي رئيساً للديوان.وقد هنأ المستشار الهضيبي القصر بتعيين حافظ عفيفي وهنأ عفيفي بموقعه السامي بينما كانت مجلة "الدعوة" التي يشرف عليها صالح عشماوي "الذي نافس الهضيبي منافسة ضارية على موقع المرشد العام" تهاجم تعيين حافظ عفيفي، فأسرع الهضيبي من أجل عيون القصر إلى إصدار تصريح رسمي يقول : "إنّ مجلة الدعوة لا تعبر عن وجهة نظر الإخوان الرسمية" "ص 132 نقلاً عن (النداء) 2/2/1952م". وكانت هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها المرشد العام للجماعة عن وجود خلافات داخل الجماعة.ويظل المرشد العام حسن الهضيبي مصمماً حتى آخر لحظة على سياسة التملق للملك والخضوع له، فعندما اشتعلت المظاهرات الطلابية ضد الملك فاروق وفساد حكمه وفساد أسرته توجه الهضيبي إلى قصر عابدين مرة أخرى في 25 مايو 1952م ليسجل اسمه في دفتر التشريفات معرباً عن ولائه للملك ومستنكراً هذه المظاهرات "ص 132".وبرغم الدروس المريرة، تظل المناورة والتلاعب هي السمة الأساسية لتصرفات الإخوان إزاء الحكام.. فعلوها مع السادات وحكام السودان وملوك وأمراء ورؤساء السعودية والأردن والخليج والجزائر دون تروٍ، ثم حصدوا من ورائها شوكاً ومرارة.لكنهم يعاودون فعلها لينالوا في كل مرة الجزاء ذاته.