اللاجئون الفلسطينيون في العراق
[c1]من آثار النكبة[/c]يتأكد لنا اليوم أكثر من أي وقت مضى وبعد العواصف التي باتت تلحق باللاجئين الفلسطينيين في العراق، ولبنان وربما هناك من ينتظر أن من أهم نتائج نكبة فلسطين إضافة إلى ضياع الأرض الفلسطينية وإقامة دولة اسرائيل كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين،حيث كان من نتائج هذه النكبة تشريد مايزيد عن تسعمائة ألف فلسطيني، هم الآن قرابة ستة ملايين ونصف المليون، يتوزعون في الضفة الغربية، وقطاع غزة وفي كل من الاردن ولبنان وسوريا والعراق، وداخل الاراضي المحتلة 1948م.وتكاد تكون العراق أقل الدول استيعاباً للاجئين الفلسطينيين بين الأطر التي سبق وان اشرنا لها، وتكاد تجمع معظم المصادر ان عدد ما وصل إلى العراق بعد النكبة خمسة ألاف لاجئ، باستثناء السيد عبدالرزاق الحسني الذي يؤكد انه : "اذنت الحكومة لثلاثة ألاف لاجئ بالاقامة في العراق في اوائل آب 1948م فأصبح العدد ثمانية ألاف نسمة.وتجمع المصادر على ان الهجرة الاولى للاجئين الذين وصلوا إلى العراق كانوا ينتمون في غالبيتهم من حيث الأصول إلى قرى قضاء حيفا الساحلي، وعين غزال واجزم والطير والطنطورة وام الزينات وغيرها، وكانوا قد نزحوا إلى جنين تحت ضغط الهجوم العسكري للعصابات الصهيونية، واختلال التوازن العسكري، ومن جنين نقل هؤلاء النازحون بشاحنات الجيش العراقي إلى العراق، وقد تولت وزارة الدفاع العراقية الاشراف على شئون اللاجئين فور وصولهم، حيث اسكنتهم في الأشهر الاولى في الكليات والمعاهد والمدارس، ثم نقل قسم كبير منهم إلى البصرة حيث تم اسكانهم في معسكر (الشعيبية)، كما نقلت بعض العائلات إلى الموصل.وفي إطار متابعة الجيش لشئون اللاجئين، اضافة إلى تأمين المأوى، كان يوزع عليهم الطعام يومياً كما يوزع على الجنود واستمر هذا الوضع حتى عام 1950م، حيث نقلت مسؤولية الاشراف على اللاجئين إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، والتي استحدثت قسما خاصا لمتابعة أوضاعهم باسم (مديرية شئون اللاجئين الفلسطينيين في العراق) وجرى منح الفلسطيني هوية (بطاقة شخصية) خاصة باللاجئين بالاضافة إلى وثيقة سفر تمكنه من السفر إلى البلدان العربية والاجنبية، كما أصدرت وزارة العمل عدداً من القرارات الايجابية بخصوص اللاجئين، أعفتهم من دفع رسوم التسجيل بالمدارس مقابل شهادة فقر حال، وصرف مساعدات مالية بدلا من المساعدات العينية، وكانت هذه المساعدات تساوي آنذاك الحد الادنى لدخل العائلة العراقية، كما منحت العوائل سكنا مجانيا.يذكر ان باقي الفلسطينيين الذين لم يشملهم تعريف اللاجئ، لم يتمتعوا بأي من الامتيازات السابقة.بعد عام 1967م، نزحت اعداد كبيرة من الفلسطنيين من الضفة الغربية والقطاع إلى بعض العواصم العربية ومن بينها بغداد.وفي عام 1973م تحسن وضع اللاجئين في العراق مع صدور قرار من مجلس قيادة الثورة يقضي بمعامله اللاجئين الفلسطينيين معاملة المواطن العراقي في حقوقهم المدنية والاجتماعية (ماعادا السياسية)، فصار من حق الفلسطيني ان يمتلك عقارا ومحلا تجاريا وسيارة وبإمكانه مزاولة المهن الحرة كالتجارة والصناعة.ومنح اللاجئون بطاقات هوية ووثائق سفر عراقية خاصة بالفلسطيني، واستقرت اوضاع اللاجئين في العراق لمدة عقدين مابين 1973- 1993م، حيث بدأت تداعيات الحصار الذي فرض على العراق عقب حرب الخليج الثانية مما حذا بالحكومة العراقية اصدار عدة قرارات، منعت من خلالها عدم مزاولة أي شخص غير عراقي من النشاط التجاري والصناعي في العراق، وعاش الفلسطيني قرابة السبع سنوات من المعاناة جراء هذه القرارات إلى ان تمت الاستجابة للشكاوي المرفوعة والوساطات من القوى الفلسطينية، فاصدر مجلس قيادة الثورة عام 2000م قرارا يهدف لاستثناء اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في العراق مابين 1948- 1950م من القرارات المتخذة عام 1993م، ولكن هذا القرار لم يأخذ طريقه للتطبيق بالشكل الصحيح.[c1]اللاجئون الفلسطينيون في العراق _ إلى أين؟[/c]إذا أخذنا بنسبة التزايد في الوسط الفلسطيني التي هي بمعدل 3.5 فستكون اليوم أمام تقديرات تصل إلى 38.400 لاجئ فلسطيني، هذا عدا النازحين بعد نكسة حزيران 1967م وكذلك من قدموا للعراق من الكويت بعد حرب الخليج، ويقطن معظم هؤلاء اللاجئين في الوقت الحالي في العاصمة بغداد ويتوزعون بين بغداد الجديدة، ومدينة الحرية وحي السلام والنويجي والزعفرانية، فضلا عن ان اعداد قليلة في المدن العراقية مثل الموصل والبصرة وغيرها.ونلاحظ ان الفلسطينيين في العراق يشكلون مجتمعا فتيا، ونسبة الاطفال فيه مادون الخامسة عشرة تشكل 40 من مجموع السكان، ويلاحظ ايضا ان ثلاثة ارباع اللاجئين في العراق هم مواليد العراق، ولا يشكل الفلسطينيون من مواليد فلسطين أكثر من الخمس ويبقى 4 من مواليد باقي الاقطار العربية.أما بالنسبة للوضع الاقتصادي الفلسطيني الراهن في العراق، قد يكون الأسوأ بين حالات دول اللجوء العربية الاخرى في ظل الاحتلال الامريكي، فالفلسطيني اليوم في العراق يعيش في ظل حصار غربي وحرب وعدوان هو الأكثر قوة على العراق.الفلسطيني يعيش في ظل حصار عربي حيث يصعب على الفلسطيني حامل الوظيفة العراقية ان يأخذ تأشيرة دخول لبعض الاقطار العربية للبحث عن رزقه، في الوقت الذي يوجد فيه غياب لدور فاعل للسلطة الفلسطينية والسفارة الفلسطينية في العراق، وفي الوقت الذي يفتقد فيه اللاجئون في العراق إلى مرجعية وطنية موحدة.الفلسطيني اللاجئ في العراق لا يستفيد من وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين (الاونروا) ولا يستفيد من خدماتها.الفلسطيني اللاجئ في العراق يعاني من اشكالية المعارضة العراقية حيث لا تنظر حكومة العراق اليوم إلى قضية اللاجئين إلا من خلال حساباتها وتناقضاتها مع النظام السابق (نظام صدام حسين) وتتجاهل هذه الحكومة العراقية الاجحاف والظلم والقتل الذي يلحق بالفلسطينيين اليوم؟ليس من المفيد للحكومة في العراق ولا لبعض القوى السياسية العراقية الادعاء بأن اللاجئين الفلسطينيين كانو طابورا خامسا لصدام حسين، فالتعاطف الذي أبداء الفلسطينيون مع العراق كان جزءا من تعاطف شعبي عربي مع هذا البلد المنكوب من الغزاة والاحتلال.ليس هناك من مبرر لما يجري من تهجير للفلسطينيين اليوم على خلفية نزاعات طائفية مذهبية، لأنهم بالأساس خارج هذه النزاعات لادراكهم حقيقة دوافعهاوأهدافها، خاصة وانهم ضحية مثل هذه السياسات، ومن المؤسف حقا ان يكون اللاجئون الفلسطينيون في العراق هم أولى الضحايا.منذ أن وقع الاحتلال والفلسطينيون يتعرضون لحملات تهديد واعتداء قامت بها عصابات مسلحة على ايقاع تصريحات تحريضية صادرة عن شخصيات عراقية عرفت بارتباطاتها المشبوهة بالدوائر المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، حتى سفارة فلسطين تعرضت لاقتحام قوات الاحتلال الامريكي واعتقال موظفيها.لقد وصلت المعاناة ذروتها بعد قتل العديد من اللاجئين ويجري الحديث عن قتل ما يزيد عن 1700 فلسطيني من قبل قوى عراقية تعتبرهم موالين للنظام السابق، كما اشتدت وطأة الحياة أكثر بعد عمليات الطرد للأسر الفلسطينية من مساكنها واسكان عدد كبير في الخيام دون توفير متطلبات الحد الادنى للحياة، وجاء كل هذا نتيجة لتداعيات العدوان الامريكي البريطاني على العراق واحتلاله في التاسع من نيسان عام 2003م.لا نستطيع أن نفهم مايجري من ضغوطات على اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلا جزء من المؤامرة الكبرى التي تستهدف كل الشعب الفلسطيني في اخضاعه للشروط الاسرائيلية في التسوية، في الوقت الذي تشهد فيه الضفة المزيد من الضغوط والحصار والعدوان.لقد تناولت وكالات الأنباء المختلفة في الآونة الأخيرة، أي بعد الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق أنباء عن شراء اليهود في العراق كل مايقع تحت أيديهم من أراض ومنازل ومصانع وشركات، ولدعم التوجهات الاسرائيلية في العراق زار مسئول الهجرة في اسرائيل الاقلية اليهودية هناك للوقوف على أحوالهم من جهة والبحث عن موطأ قدم اسرائيلي في هذا البلد العربي الغني بطاقاته البشرية والمادية من جهة اخرى من خلال تنشيط دور الطائفية اليهودية هناك.في الآونة الأخيرة كلفت الادارة الامريكية خبيرا قانونيا يهوديا من أصل عراقي ويحمل الجنسية الامريكية ويدعى (نوح ولد مان) بصياغة الدستور العراقي الجديد بعد احتلال العراق، وقد تسعى الجالية اليهودية بعد ذلك في البحث عن دور سياسي في العراق لخدمة التصورات الاسرائيلية وخاصة عن مستقبل هذا البلد العربي الغني بثرواته وطاقاته العملية المستهدفة اسرائيلياً بعد ان وضعت الحرب الامريكية أوزارها، فهل هناك ثمة امكانية لرسم عراق جديد وفق المقاسات الاسرائيلية، أم ان مقاومة الاحتلال من قبل الشعب العراقي بدأت ترسم ملامح ومقدمات تجعل الاعتقاد يميل أكثر من أي وقت مضى إلى حتمية زواله بعد أن توضحت أهدافه وبات الجواب على تلك الاسئلة مسألة وقت ليس إلا.[c1]مشاريع توطين اللاجئين في العراق[/c]من المعروف أنه منذ ان طرح المشروع الصهيوني لاقامة دولة اسرائيل، والعراق يعد واحدا من أهم الدول العربية المرشحة من قبل الدوائر الصهيونية والغربية لاستقبال الفلسطينيين المقتلعين من أرضهم، لكن مشاريع التوطين في هذا البلد وفي غيره من البلدان العربية الأخرى سقطت بفعل اصرار الفلسطينيين على التمسك بحق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ورفضهم للحلول البديلة.المتابع لمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، يرى بشكل جلي أن جذور الفكرة تعود إلى عام 1911م، عندما اقترح الداعية الروسي الصهيوني (جو شواه بو حميل) مشروع ترحيل عرب فلسطين إلى شمال سوريا والعراق. وكان ذلك أمام لجنة فلسطين التابعة للمؤتمر الصهيوني العاشر المنعقد في مدينة بازل بسويسرا في السنة ذاتها.وفي عام 1930م ظهر وضوح كامل لاستراتيجية الزعماء اليهود في الحركة الصهيونية فيما يختص بهذه الفكرة من خلال خطة (وايزمن) المقدمة لمسؤولين ووزراء بريطانيين أثناء محادثات خاصة، وقد قام المليونير اليهودي المقيم في الولايات المتحدة الامريكية (ادوارد نورمان) بمحاولات حثيثة خلال الفترة (1934- 1948) لترحيل الفلسطينيين إلى العراق، وكانت فكرة نورمان عن وجهة نظر مفادها، أن مكان التوطين الأفضل خاصة للعرب الذين تمرسوا الزراعة هي العراق، ومبرر ذلك الترحيل لا يعتبر إلى بلد أجنبي، أن الحدود التي أقيمت منذ الحرب تكاد تكون غير معروفة لكثير من العرب، كما ان اللغة والعادات كلها واحدة، صحيح أن الانتقال أي كان نوعه يعني ترك الأماكن المألوفة، لكن التمسك الشديد بالمكان ليس من تقاليد العرب فالعادات البدوية مازالت ذات قوى حتى في صفوف العناصر الحضرية.وفي عام 1949م برزت إلى الأمام العديد من مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين، وظهرت اقتراحات لتعويضهم ودمجهم، ومن أهم تلك المشاريع، هو مشروع توطينهم في العراق الذي وضعته بريطانيا، وقطعت أشواطاً على طريق تنفيذه حسب ماجاء في وثائق الخارجية البريطانية التي أميط عنها اللثام عام 1985م، لكن كافة المشاريع ذهبت في مهب الريح نتيجة الموقف الرسمي العراقي، وكذلك رفض اللاجئين لفكرة توطينهم ودمجهم وأعادوا توزيعهم، ومع توقيع اتفاقات أوسلو في ايلول 1993م، جرت محاولات أمريكية وغربية لتوطين آلاف اللاجئين الفلسطينيين في العراق مقابل رفع الحصار عنه وقبوله مبدأ عملية السلام في الشرق الأوسط لكن الخطاب السياسي العراقي الرسمي كان واضحا وزادت وتيرته في عام 2000م، لجهة رفض تلك المحاولات، وجاء ذلك على لسان أكثر من مسؤول في الحكومة العراقية في عام 1999 وعام 2000م، ناهيك عن الرفض المطلق من قبل اللاجئين الفلسطينيين وخاصة في مخيمات وتجمعات الفلسطينيين في لبنان.وفي السياق نفسه، هاك ثمة سببان تراهما اسرائيل لترشيح العراق كمركز استيطان دائم للفسطينيين.الأول: أن أرض العراق الواسعة والخصبة تمثل إغراء للفلسطينيين يجعلهم يستغنون بمرور الزمن عن فكرة العودة إلى أرض فلسطين، فحسب الرأي الاسرائيلي، فأن أرض العراق تعتبر تعويضا مجزيا عما اصاب الفلسطينيين من التهجير وفقدان ممتلكاتهم.الآخر: هو أن توطين الفلسطينيين في العراق، حسب الرؤية الاسرائيلية يحقق جانبا من الضمانات الأمنية على المستقبل البعيد، أكثر مما يحققه توطينهم في الدول المحاذية لإسرائيل، كالأردن وسورية ولبنان، فالبعد الجغرافي للدولة العراقية عن الكيان الاسرائيلي، يجعل الاسرائيليين بمنأى عن أي محاولات فلسطينية مستقبلية لاختراق الحدود الاسرائيلية، وتهديد الأمن الاسرائيلي، فضلاً عن ان هذا البعد سيعيق تفكير الفلسطينيين أنفسهم بمواصلة العمليات المناهضة لاسرائيل .