أضواء
هناك اعتقاد سائد بيننا أن شلالاً قادماً من الغرب يصبّ في بحيراتنا النقية فيلوثها، فكل ظواهرنا السلبية دخيلة ومدسوسة وليست منا ولسنا منها، ولا أحد يستطيع أن يثبت العكس، وإذا استطاع، فإنه سيبلع لسانه لأن مجتمعه سيقطعه له.إعطاء الظاهرة لقب “الدخيلة” يتم بمختلف الوسائل، منها طريقة الاستغفال، فتعاطي الخمور ظاهرة دخيلة بينما العرب والمسلمون لم يتركوا الخمر في حاله منذ أيام الجاهلية. ومغازلة البنات ظاهرة دخيلة وننسى كم تغزّل شعراؤنا بهن حتى أن مسلم بن الوليد لقّب بـ”صريع الغواني”، وامرؤ القيس احتجز ثياب محبوبته عُنيزة وصويحباتها بينما كن يسبحن في الغدير ثم خرجن إليه وهن عاريات. والعنصرية ظاهرة دخيلة بينما الحقيقة أنها متوفرة فينا بكميات كبيرة بمختلف الأنواع: دينية وعرقية وطبقية ومذهبية وحتى جهنمية.وهناك طريقة تحويل التصدير إلى استيراد، فالظاهرة ظاهرتنا وأخذها الناس منا، مثل “ظاهرة إقامة الولائم” التي وضع لها العرب أكثر من عشرة أسماء. “ظاهرة الشيشة” وهي فارسية الأصل وتركية الانتشار، وليست فرنسية أو ألمانية. “ظاهرة الاختطاف” الذي كنا نمارسه إلى منتصف القرن الماضي. “ظاهرة إطالة الشعر للذكور” وهي عادة عربية بدوية قديمة. “ظاهرة زيادة المهور” وأكثر أهل الأرض لا يعرفون المهر، وإن عرفوه فهو أمر رمزي عندهم.وتوجد طريقة تحويل ما لا يحوّل، فالظاهرة لا علاقة لها بشرق أو بغرب، وهي دخيلة على الكرة الأرضية نتيجة ظروف الحياة، مثل: “ظاهرة انتشار دار العجزة”، “ظاهرة الاختلاط”، “ظاهرة الصداقة بين الشاب والفتيات”، “ظاهرة تأخر سن الزواج”، “ظاهرة تبادل التهاني بالمسجات”.وهناك ظواهر يكثر الكلام عنها لأنها مشينة ونتعب أنفسنا لتحويلها بطريقة الجدل الممزوج بالدجل، مثل “ظاهرة الشذوذ الجنسي” الدخيلة على مجتمعاتنا التي لم تعرف قوماً يسمون قوم لوط، سكنوا في مكان يسمى سدوم، تقع إلى الشمال من البحر الأحمر! وعند بعض المفسّرين، كالقرطبي، أن أصحاب الرس هم أول من مارس نساؤهم السحاق، و”كانت نساؤهم كلهن سحّاقات”!وإذا قيل إن تاريخ الظواهر عندنا يبدأ بظهور الإسلام ولا علاقة لنا بما قبله، فقد أخرج النبي (ص) هيت وماتع من المدينة، وكذلك فعل الفاروق مع نصر ابن حجاج، وكان الثلاثة من الشواذ، والشاعر العباسي أبو نواس ملأ ديوانه غزلاً بالغلمان، فهو شاذ ومن يتغزل بهم بالبداهة كانوا شواذاً، وهناك قصص عن غلمان مُرد كانوا يستقدمون إلى حواضر الخلافة الإسلامية من هنا وهناك.ولكل مجتمع عربي ظواهره الدخيلة عليه خصوصاً، ففي مصر دخلت عليهم ظاهرة جرأة الفتيات على إيقاف السيارات “الملاكي” والركوب مع أصحابها. وفي السعودية ظاهرة “الترقيم”، وفي سوريا استقدام الخدم، وعندنا ظاهرة تبادل الملفات الفاضحة عبر البلوتوث، كأنّ البلوتوثيين الإماراتيين قلدوا الغرب في هذا، بينما الذي حصل أنهم وجدوا الخدمة في “موبايلاتهم”، فقرروا الاستفادة منها بطريقة تناسب عقولهم “الكبيرة”.وقد تأخرنا في تحويل بعض ظواهرنا إلى دخيلة من الغرب، مثل “ظاهرة سرقة النعال من المساجد”، و”الإفطار في نهار رمضان”، و”حج الدرجة الأولى”، و”التفكير في الحور العين”، وربما “ظاهرة لبس الإزار المخطط”.إن كان للآخرين يد في بعض هذه الظواهر السيئة التي تعاني منها مجتمعاتنا، فدورهم يقتصر على تقنين الظاهرة والترويج لها، لكنهم لا يمثلون دور الشلال، فالتدفق يحدث من منابع موجودة في قعر بحيراتنا.[c1]* صحيفة “الاتحاد” الإماراتية[/c]