أمين عبدالله إبراهيممن المعروف أن هدف التنمية تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية،إلا إن النظريات اختلفت حول سبل الوصول إلى هذه الغاية وحول أهميتها،فقد اعتبرت معظم نظريات التنمية أن تحقيق معدل نمو في الناتج الإجمالي يفوق بشكل ملحوظ معدل نمو السكان،يؤدي إلى تحقيق التنمية،وأن زيادة الإنتاج تؤدي إلى حل المشكلات الاجتماعية،وأن انخفاض مستوى الادخار في البلدان النامية وبالتالي ضعف قدرة على الاستثمار هو المشكلة الرئيسية التي تعترض تحقيق النمو المطلوب،ولكن التجارب أثبتت أن تحقيق معدل نمو مرتفع لا تنعكس نتائجه تلقائياً بشكل إيجابي على البشر،إذ أن الادخار يحتاج لضمان توفير العمالة الكاملة ليصبح بإمكان البشر تحسين مستوى معيشتهم وبالتالي ادخار الفائض،ولكن الواقع يبرز ارتفاع مستوى نسبة البطالة في معظم دول العالم،فكيف يمكن لهم ادخار ماهم بحاجة لإنفاقه من أجل الاستمرار في الحياة،الأمر الذي جعل بعض النظريات ترى أن الحل لذلك يمكن في اللجوء إلى التمويل الخارجي لسد الفجوة ما بين مستوى الاستثمار والادخار المحلي،ولكن الاختلاف كان حول إستراتيجية التنمية،أي حول الأولويات المتبعة في برنامج الاستثمار،بمعنى أدق لمن تعطى أولوية الاستثمار،هل للبنى التحتية في المجتمع أم للزراعة أم الصناعة؟ وهل يجب تركيز الاستثمارات في الصناعات الثقيلة أم الخفيفة؟كما كان الاختلاف أيضاً حول الجهة التي تقوم بعملية التنمية:هل في القطاع العام أم الخاص؟في حين أن العصر البشري لم يُطرح في إطار نظريات التنمية إلا من حيث معدل النمو السكاني المرتفع والذي يحتاج إلى معدلات استثمار أكبر.ووفقاً لتحليلات خبراء الاقتصاد والتنمية،فقد بقي نمو البلدان النامية مرتبطاً بعوامل خارجية،وبالتالي عرضة لتقلبات الظروف الاقتصادية الخارجية،كتقلبات أسعار المواد الأولية والاستثمارات والمساعدات والقروض وأسعار الصرف،فترتب عن ذلك عدم تحقيق النمو على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي،ليس هذا فحسب بل زادت حدة المشكلة بظهور أزمة المديونية وأعبائها والتدخل الخارجي في السياسات الداخلية المتبعة لتحقيق النمو الاقتصادي.كما بقيت التنمية عبارة عن تنمية للمدن،وتجاهلت الأرياف والقرى التي يعيش فيها أكثر من نصف السكان تقريباً،ليس هذا فحسب،بل إن السياسات التي اعتمدت في تسعير المنتجات الزراعية كانت متحيزة بشكل واضح ضد الزراعة ولصالح القطاع الحضري،إما لتمكين سكان التجمعات الحضرية الناشئة من الحصول على المواد الغذائية بأسعار منخفضة أو لإمداد الخزينة العامة بالفرق بين الأسعار العالمية وأسعار المنتجين عند تصديرها.هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى اقتصار الصناعات على الصناعات الخفيفة بسبب سوء توزيع الدخل القومي وتدهور أسعار الصادرات من المواد الأولية التي كانت تمثل المورد شبه الوحيد للعملات الصعبة اللازمة لتسديد قيمة الواردات،بالإضافة إلى القيود التي تفرضها الدول المتقدمة على واردات الدول النامية،وهذا يعد في غاية التناقض مادامت تنادي بحرية تنقل المنتجات السلعية ورؤوس الأموال وتفرض الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات الزراعية وغيرها من الدول النامية.ختاماً،يمكن القول إن ذلك النمط من التنمية الذي اعتمدته معظم البلدان النامية له انعكاسات بالغة الأهمية على صعيد التشغيل،فقد أدى إهمال القطاع الزراعي بشكل عام وإهمال الريف بشكل خاص إلى نزوح كثيف للقوى العاملة نحو المدينة هرباً من انخفاض الإنتاجية والفقر،وسعياً وراء فرص العمل المدرة للدخل أو الاستفادة من الخدمات المتوفرة في المدن،كما أن نمط التحولات الهيكلية التي حصلت قد أدى إلى زيادة البطالة المقنعة والظاهرة،وهذا بدوره يؤكد الحاجة إلى مواجهة قضايا التنمية البشرية بين أهداف الإستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
العلاقة بين التشغيل والتنمية
أخبار متعلقة