الفقر في أميركا !!
واشنطن /إيلاف/ رضوى عمار: قد يبدو غريباً الحديث عن مواجهة الفقر في الولايات المتحدة الأميركية تلك الدولة الكبرى، أو إن شئت القول القوة العظمى التي طالما كانت ومازالت حلماً لهجرة لكثيرين ممن يحلمون بالثراء، والترف، والتقدم. غير أن الفقر يعد حقيقة واقعة في الولايات المتحدة الأميركية[c1]المفهوم الأميركي للفقر[/c]وفقاً لمكتب الإحصاء الرسمي للسكان في الولايات المتحدة الأميركية The US Census Bureau يعيش 35,9 مليون شخص تحت خط الفقر. مما يعني أن حوالى 12.3% من إجمالي الشعب الأميركي يعيشون الفقر في عام 2006. من هو المواطن الأميركي الفقير؟ اشار روبرت إي. ريكتور Robert E.Rector و كيرت إيه. جونسون Kirt A.Johnson، في دراسة نشرتها مؤسسة التراث The Heritage Foundation بعنوان “ فهم الفقر في أميركا Understanding Poverty in America”، أن الأميركي الذي يوصف كفقير من جانب الحكومة هو شخص يملك سيارة، ومكيفا، وثلاجة، سخانا، وغسالة، ومجففا، وميكروويف . كما أنه يملك تلفزيونين ملونين، وكابل أو ستالايت، وvcr أو DVD، وستريو. وهو أيضاً قادر على الحصول على الرعاية الطبية. ولديه بيت جيد غير مزدحم. وعائلته لا تعاني الجوع فهو لديه ما يكفيه لتغطية احتياجاته الضرورية فقط. فعلى الرغم من أن حياة هذا الشخص ليست ثرية، هي في الوقت نفسه بعيدة عن الصورة الشائعة للفقر الرهيبDire Poverty الذي تعبر عنه الصحافة، والنشطاء الليبراليون، والسياسيون. على حين أن كلمة “الفقر” بالنسبة إلى أغلب الأميركيين تعني العجز عن إمداد العائلة بالطعام المغذي، والملبس، والمأوى المناسب. فوفقاً لاستطلاع رأي قامت به الحملة الكاثوليكية لتطوير الإنسان The Catholic Campaign For Human Development” في 2002، تساءلت من خلاله عن “كيف يمكن أن تصف الفقير في الولايات المتحدة الأميركية؟ ركزت الأغلبية الساحقة على كون الفقير دون مأوى، يعاني من الجوع، أو غير قادر على الأكل على نحو لائق، وغير قادر على مواجهة احتياجاته الأساسية. لذا فإن الفقير كما تعرفه الحكومة لديه مستوى معيشة أفضل بكثير مما هو في الصورة العامة لدى الشعب الأميركي. الأمر الذي يشير إلى أنه جزء كبير من التعداد الإحصائي للفقراء من جانب الحكومة الأميركية لا يعد فقراً من جانب الشعب الأميركي.[c1]الفقر سبباً ونتيجة في الوقت نفسه[/c]أشارت دراسة بعنوان «الفقر في أميركا Poverty in America “، صدرت عن مكتب محاسبة حكومة الولايات المتحدة الأميركية كتقرير مقدم لملتمسي الكونغرس في يناير 2007 “United States Government Accountability Office Report to Congressional Requesters”، أن الفقر يفرض مزيدا من النفقات على الأمة. وذلك لأنه يؤثر في برنامج الإنفاق Programmatic Outlays ، كما أنه يفرض خسائر إنتاجية Productivity Losses. الأمر الذي يؤثر في الاقتصاد ككل. وتعد العلاقة بين الفقر ومخرجاته الوخيمة أو العكسية على الأفراد علاقة معقدة. فبشكل جزئي أكثر المتغيرات مثل التشريعات الصحية يمكن أن تكون سببا للفقر وفي الوقت نفسه نتيجة للفقر. وبغض النظر عن كون الفقر يعد سببا أو نتيجة، فإن الشروط المصاحبة للفقر يمكن أن تقيد قدرة الأفراد على تطوير مهاراتهم، وقدراتهم، ومعارفهم، وسلوكياتهم الضرورية للمشاركة الكاملة في قوة العمل. [c1]الفقر قضية ملحة[/c]يُمثل الفقر جرحا اجتماعيا وأخلاقيا كبيرا للولايات المتحدة الأميركية. ذلك ما أشارت إليه ورقة سياسات صادرة عن المؤسسة الخيرية الكاثوليكية الأميركية Catholic Charities USA، في عام 2006 بعنوان “ الفقر في أميركا: تهديد الخير المشترك Poverty in America: A Threat to the Common Good”. وترى الدراسة أن الولايات المتحدة لديها من الموارد، والخبرة، والمعرفة ما يساعدها على إزالة الفقر، خاصةً الفقر طويل المدى، غير أنه ليس لديها الإرادة السياسية. وعن نطاق وطبيعة الفقر في الولايات المتحدة الأميركية، سجلت الورقة عددا من الحقائق التي يمكن الإشارة إليها كالتالي:يوجد 37 مليون شخص، أي حوالى 12,6% من السكان يعيشون تحت خط الفقر على المستوى الفيدرالي– الذي تم تحديده في عام 2006 ليكون 20.000 دولار لعائلة مكونة من أربعة أفراد. إن معدلات الفقر تكون مرتفعة في المدن المركزية والمناطق الريفية.إنه ما بين عام 2000 وعام 2004، فإن أعداد الناس الذين يعيشون في الفقر زاد بمعدل 5.3 ملايين.إن معدلات الفقر لم تقل، رغم أن الاقتصاد ككل قد تعافى.إنه بينما أغلب الفقراء الأميركيين بيض، فإن نسبة الملونين الذين يعيشون في الفقر أعلى. فعلى سبيل المثال، إن معدل الفقر للبيض من غير ذوي أصول لاتينية Non- Hispanic whites يصل إلى 8%، بينما معدل الأميركيين ذوي أصول أفريقية 24.1%، ولذوي أصول لاتينية 21.8%، وللأميركيين الأصليين 23.2%. وبالنسبة إلى الأطفال، فإن معدل الفقر للبيض 10%، بينما هو 28% للأطفال ذوي أصول لاتينية، 27% للأطفال الأميركيين الأصليين، 33% للأطفال الأميركيين الأفارقة.إن أكثر الفقراء من العمال، فحوالى عائلتين من ثلاثة دخلهم تحت خط الفقر، يضمون عاملا واحدا أو أكثر من عامل.[c1]تعاقب الإدارات الأميركية وقضايا الفقر[/c]أشار رون هاسكينس Ron Haskins و ايسابيل في. ساوهيل Isabel V.Sawhill في دراسة بعنوان: “ دهم الفقر وعدم المساواة Attacking Poverty and Inequality: Reinvigorate the Fight for Greater Opportunity” ، صدرت عن معهد بروكينجز The Brookings Institution، أن العامل الأساسي في توليد ومحاربة الفقر هو دولة الاقتصاد The state of the economy. وأنه لا يوجد رئيس منذ ليندون جونسون Lyndon Johnson حارب الفقر كبند رئيس في حملته الانتخابية أو كهدف لإدارته. وأن عددا قليلا من المتنافسين على الرئاسة وضعوا الفقر وعدم المساواة على رأس حملاتهم الانتخابية.فقد تحدث رونالد ريغان Ronald Reagan عن أهمية حماية “ المحتاجين الحقيقيين truly needdy” ، لكنها كانت موضوعا جانبيا إبان فترة إدارته. في حين أن بيل كلينتون Bill Clinton تجنب الحديث عن الفقر، مفضلاً التركيز على ضرائب الطبقة الوسطى، وإنهاء الرفاهية كما نعرفها. أيضاً تحدث جون إدواردس John Edwards عن وجود أميركيتين two Americas في حملته الانتخابية 2004، غير أن خسارة كل من كيري Kerry وإدواردسEdwards أرجأ الحديث في هذه القضية. وفي 1999- 2000، وعد جورج دبليو بوش George W.Bush أن يكون محافظا رحيما، وألا يترك أحد في الخلف. غير أنه من الملاحظ أن الفقر قد زاد في ظل إدارة بوش. ففي دراسة بعنوان “ تغيير وجه الرفاهية إبان إدارة بوش The changing Face of Welfare during the Bush Administration”، صدرت عن مركز الفقر القومي National Poverty Center، أشار سكوت دبليو. أللرد Scott w. Allard إلى أن قضية الفقر والرفاهية لم تحظ بالاهتمام الوافي من جانب العديد من صانعي السياسات في عهد إدارة بوش. وذلك مقارنةً بقضايا الحرب على الإرهاب، وفرض الضرائب، وعجز الميزانية، وتغطية الأدوية الطبية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 12% منذ 1999، وتشدد سوق العمال قليلي المهارة أكثر من قبل. والحقيقة أنه هناك العديد من الفقراء في مناطق سكن الضواحي أكثر من المناطق المتحضرة. في هذا السياق من المحتمل أن يجد الأكاديميون قرارات سياسة الرفاهية الخاصة بإدارة بوش قد جاءت بالفعل بنهاية الرفاهية كما نعرفها. ولكن دون أن توفر الكثير لمساعدة شبكة الأمن العام لهؤلاء الذين في حاجة. وقد أشار رون هاسكينس Ron Haskins، في دراسة نشرت له في الرسالة الإخبارية الصادرة عن مركز الفقر القومي The National Poverty Center ، بعنوان “ إصلاح الرفاهية، مرور عشر سنوات Welfare Reform, 10 Years Later”، “ أنه بمرور عشر سنوات على قانون إصلاح الرفاهية الصادر عام 1996، وهو قانون ملاءمة فرصة العمل والمسؤولية الشخصية The Personal Responsibility and Work Opportunity Reconciliation Act (PRWORA)، والذي تم التوقيع عليه إبان رئاسة كلينتون بعد وقت طويل من النقاش الصعب داخل الكونغرس. أن التغيير الأكثر أهمية الذي ارتبط بهذا القانون كان إحلال مساعدة العائلات من خلال برنامج الأطفال المستقل The Aid Top Families with Dependent Children (AFDC) Program ببرنامج المساعدة الموقتة للعائلات المحتاجة The Temporary Assistance for Needy Families (TANF) Program. والذي يؤكد العمل، حدود الوقت، والعقاب ضد الولايات التي لا تضع جزءا كبيرا لعدد القضايا التي يتعامل بها المحامي بشأن الرفاهية في برامج العمل وضد الأفراد الذين يرفضون مقابلة متطلبات عمل الولاية، حيث يعد برنامج TANF انقلاب تاريخي لهبات الـAFDC لمساعدة نقدية.ويرى رون أن هناك ثلاث طرق لتقليل الفقر، وهي: النمو الاقتصادي، زيادة العمل، وزيادة معدلات الزواج.[c1]سياسات مواجهة الفقر[/c]عرض كل من رون Ron و ايسابيل Isabel في دراسة سبق الإشارة لها، أن الأسباب التي تكمن وراء الفشل في إحراز التقدم ضد الفقر تكمن في عاملين. الأول: عبارة عن مجموعة اتجاهات زيادة الفقر: انهيار الأسرة، ركود المرتبات الحقيقية بين العمال منخفضي المهارة، وفشل النظام التعليمي في تزويد الطلاب بالمهارات المطلوبة في الاقتصاد الجديد. أما العامل الثاني فهو أن العديد من البرامج ضد الفقر التي تزود الناس بالمال والمنافع الأخرى، فشلت في تحديد الأسباب الرئيسة للفقر، وفي بعض الحالات زادت الوضع سوءاً. وقد ركزت الدراسة على ثلاثة محاور من أجل مواجهة الفقر، وهي: العمل، العائلة، والتعليم. وفي هذا الإطار اقترحت الدراسة أن يتم تبني ثلاث استراتيجيات من أجل تقليل الفقر في سياق العمل، وهي:مراعاة متطلبات العمل والمكافأة عليه Require and Reward Word، وأحد الطرق للقيام بذلك هي تقوية متطلبات العمل في برامج الإيواء housing programs. وأخرى تتعلق بتكييف الحد الأدنى من المرتبات لحفظه في خط مع تطورات السوق وإمداد عائلات العاملين منخفضي الدخل بأجرة إضافية ومساعدة لرعاية الطفل.تقوية متطلبات العمل في برامج الإيواء Strengthen Work Requirements in Housing Programs، فكما أوضحت خبرة إصلاح الرفاهية Welfare Reform، أن زيادة مستويات العمل تقلل الفقر، عندما ترتبط بمصالح الحكومة التي تساعد عائلات العاملين منخفضي الدخل. ومع ذلك فإن ضرورات العمل في برامج الولاية والفيدرالية الأخرى، والتي تشمل طوابع بريد الطعام، هي أيضاً إما ضعيفة أو غير موجودة. ومن ثم فإن أحد أوجه تقوية ضرورات العمل هي برامج الإيواء.توفير راتب العمل Make Work Pay، فبعض الناس يختاروا ألا يلتحقوا بقوة العمل أو أن يعملوا بشكل متقطع لأن أجرة الوظائف التي تتطلب مهارات قليلة تكون منخفضة. ولتوفير راتب عمل، لابد على الحكومة الفيدرالية من أن تزيد راتب الحد الأدنى زيادة متواضعة، وتوسيع ائتمان ضرائب الدخل المكتسب Earned Income Tax Credit (EITC) لهؤلاء العاملين لفترة كاملة بأجرة منخفضة. أيضاً تقديم دعم مالي لرعاية الأطفال كافية لتغطية التكاليف بالكامل. وترى الدراسة أن هذه المؤشرات الثلاثة يمكن أن تقلل الفقر بحوالى 14%، ورفع 6 ملايين أميركي من الفقر، وإمداد أكثر من 20 مليون من عائلات العاملين بمعدل منافع على الأقصى 1.500 دولار كل سنة. كما أنه أيضاً يمكن أن يجذب 800.000 من الأفراد في سوق العمل، وبذلك تقليل نفقات الرفاهية وزيادة أرباح الضرائب.وفي ما يتعلق بالعائلة، اقترحت الدراسة طريقتين لتقليل العائلات ذات العائل الواحد Single-Parent families، وهما: تقليل الحمل في فترة المراهقة، والمواليد خارج إطار الزواج. فلابد من التشجيع على الزواج كأفضل بيئة لبناء الأطفال. وتقترح الدراسة على الحكومة الفيدرالية أن تمول البرامج التي تدرس القيم ومهارات العلاقات لصغار الأميركيين، وإمدادهم بالمعلومات الخاصة بمنع الحمل غير المرغوب. تقليل الطلاق، وذلك من خلال تدريس مهارات العلاقة للزوجين المتزوجين أو الأملين في الزواج. وتشير الدراسة إلى أنه على الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية أن يبني على برامج شرح الزواج The marriage demonstration programs التي أطلقتها إدارة بوش الحالية. فعلى الرئيس القادم أن يستثمر في تعليم ما يجدي في تقليل المواليد سواء من السيدات المراهقات أو غير المتزوجات. بينما يدعمون الزواج الصحي، والعلاقات الأفضل.وفي ما يخص التعليم تشير الدراسة إلى أهمية تحسين مخرجات التعليم. فالأميركيون لديهم إيمان كبير بأن التعليم هو مفتاح النجاح الاقتصادي. ومن ثم يلعب التعليم دورا كبيرا في تقليل الفقر وتحسين الفرص.