غلى الدم في وجهها ، ثارت ثائرتها وهي تقول لي :كيف تنقصين من قدرهم وهم الشجعان الذين لا يهابون الموت ،يبذلون ارواحهم الغالية في سبيل الله دفاعا عن قضيتهم ، عن دينهم ؟قلت لها وهي صديقتي المقربة التي لاتعرف في الحق لومة لائم :أية شجاعة وأية تضحية تلك التي تزهق النفس التي منحها الله العادل لبني آدم !هل خلق الله تلك الروح للإنسان لتكون رهن إشارته متى ما رغب في البقاء على وجه الأرض بقي ، ومتى ما رغب بالإنتقال إلى العالم الأخر ينهيها ؟وإذا كان الأمر كذلك ! فعلى الدنيا السلام .وإذا كان الأمر كذلك ، فإن مشيئة الله العادل قد جُردت .ألم يأمر الله العادل في كتابه الكريم بالحفاظ على الروح الإنسانية !أليس هو القائل : « لاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ». أليس هو القائل : ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) ، و((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) .الم يجعل الله قاتل النفس كمن قتل الناس جميعا في أية أخرى ، كثيرة هي الأيات التي تحرم قتل النفس التي خلق الله .. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من تَردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سُمّاً فقتل نفسه فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً))عظيمة هي الحياة التي وهبها الله لنا .. لقد خلقنا الله من روح تسكن جسدا كونه تكوينا عظيما ، ثم يقرر احدهم الخلاص منها بيده ! كانت هذه تساؤلاتي التي همست بها لصديقتي وأنا أستحضر مشاهد الارهاب الإنتحاري المفخخ بحجة الجهاد .. وأخر حادثة ارهابية سمعت بخبرها وقرأنا تفاصيلها في الصحف كانت تلك التي ارتكبها في سيئون الطالب في السنة السادسة بكلية الطب أحمد سعيد عمرالمشجري والذي فجر نفسه في بوابة الأمن المركزي في سيئون .الغريب هذه المرة أن الفاجعة الكبيرة كانت في مدينة آمنة كسيئون .وتكبر الفاجعة حين يكون منفذ العملية الإرهابية طالبا في السنة السادسة في كلية الطب بجامعة العلوم والتكنولوجيا في حضرموت ومن أسرة غنية ، ولديه مستوى علمي رفيع وكل ذلك يستبعده من قوائم الفقراء والجهلاء ..والأكثرغرابة من ذلك ان كل المعلومات عن هذا الطالب تفيد بأن طباعه هادئة !ولكن بالتأكيد تلوثت أفكاره ، لتقتله و تقتل أخرين بهذه الطريقة البشعة .هذه الأفكار يا سادة هي التي فجرت هذا الشاب الذي أخذ صورة له قبل أن يموت في ذلك الحادث الإجرامي البشع وكأنه في ليلة عرس . حادثة المشجري تعلمنا درسا بليغا هو أن الإرهاب لا يواجه بالمؤسسات الأمنية والإستخباراتية وبالسلاح فقط .صحيح أن دور هذه المؤسسات مهم وكبير .ولكن ما جدواه عندما يبدأ دوره بعد ان يصل الإرهاب إلى طور التنفيذ وينتهي بعد الإعلان عن نتائج التحقيق في هذا العمل الإرهابي أو ذاك ،ثم تستأنف ماكنة الإرهاب دورانها في إعداد وإنتاج إرهابيين جدد ، وجرائم إرهابية بشعة .. الإرهاب ايها السادة موجود ، وطالما أن مصادره ووسائله فكرية ، وتبني أعشاشها في العقول لا يجوز أن نفتش عن الارهاب في الأجساد المحترقة للشباب الذين يفخخون أنفسهم ، ويفجرونها .يجب أن نفتش عن جذور الإرهاب في العقول قبل الأجساد ، يجب أن نفتش عن المصادر التي تصنع الأفكار التي تسمم عقول الكثير من الشباب ، وتقنعهم بقتل أنفسهم طمعا بدخول الجنة .إن هذه الأفكار منتشرة في بلادنا عبر جمعيات ومراكز دينية سلفية ومذهبية تمولها جهات خارجية .. وبواسطة كتب تهدى ولاتباع ومنابر ترعاها وزارة الأوقاف وتمولها خزينة الدولة أيضا .لقد اصبح الارهاب عبئا كبيرا على الأجهزة الأمنية التي تقوم بدورها المشرف في حماية الأمن الوطني والأمن العام والمجتمع عامة .. لماذا نطالب أجهزة الأمن بمواصلة واجبها الوطني في التصدي لمثل هذه الجرائم الإرهابية و لانطالب أجهزة حكومية أخرى بالتوقف عن رعاية ودعم بعض المراكز والجمعيات و الأنشطة التي تنشر أفكارا ضالة بين صفوف هؤلاء الشباب وتوجه أفكارهم نحو الإرهاب بإسم الدين وضد الإنسانية ؟ كيف تزهق الروح وهي التي خلقها الله !أي حق يملكون لسفك دماء الأبرياء بإسم الدين والدين براء منهم !بأي حق قتل المشجري نفسه وأزهق روحه بهذه الطريقة البشعة . ولماذا لا نوقف ماكنة انتاج الأفكار المتطرفة التي تغذي الارهاب و تقنع الشباب الضال بتفخيخ أنفسهم ، قبل أن نحاسب المشجري الذي صرعته هذه الماكنة الفكرية قبل أن يتحول الى جسد محترق ؟
من قتل المشجري ؟
أخبار متعلقة