هرولت ابنتي - نعمة - إلى صحن غرفة المنزل ترتجف ذعراً كمن لسعتها أفعى .. كانت الساعة تشير إلى العاشرة من صبيحة يوم 14 / أغسطس / 2008م .. لم تستطع المسكينة أن تحبس أنفاسها أو تنطق ببنت شفة لتنقل إلى مسامعي النبأ الأليم, ولكنها ناولتني جهاز تلفونها المحمول الذي نقل لي بدوره الفجيعة القدرية عبر خدمة «سبأ نيوز» : (وفاة الكاتب الصحفي الأستاذ / إبراهيم الكاف) .. سلطت نظري محدقاً بين سطور شاشة الهاتف المثبت في كف يدي المرتعشة كالمشلول ولم أتمالك حينها سوى القول : «لا إله إلا الله محمد رسول الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».حاولت عبثاً أن أذرف قطرات من الدموع لعلها تهدئ من روعي وتطفئ ما شب من غليل بين ثنايا كياني المشتعل ألماً مكموداً لا يخلو من صدمة الفاجعة المفاجئة المشوبة بالحسرة والحزن القاهر الممزق لنياط القلب.إيه .. لقد مات إبراهيم الكاف .. أربع كلمات تختزل مشوار حياة عملاق ظل طوال (66) عاماً يتسامى ويتشامخ عطاءً أدبياً ملحوناً ومنشوراً ,, إنساناً عظيماً عشق الكلمة بكل جموح وصنع منها مواقف مبدئية ستظل مدى الحياة راسخة في وجدان الأجيال تلو الأجيال.وظللنا نحن الجيل الذي نليه ننهل ونغترف بشغف من منهل منسوب عطائه المتدفق قيماً مبدئية عامرة بصفات النبل والأخلاق الفاضلة والتسامح ونبذ الحقد والكراهية ونصب الكمائن الكيدية والضغائن السوداء.كان «أبو خليل» أباً للجميع حتى من يكبرونه سناً يدينون له صاغرين بالأبوية المطلقة .. لذا كان مصدر ثقة الجميع ومخزن أسرارهم الدقيقة .. الكل يبوح بمواجعه له لعله يجد لديه مخرجاً مما يعتري كيانه من مواجع وهموم عملية - أسرية - اجتماعية وكان ينصت للجميع بسعة صدر ويغدق على الجميع بنصائحه وحلوله, ومساعدتهم بمعالجة مشاكلهم على جسر علاقاته الواسعة بالوسط الثقافي والصحفي والسياسي والعسكري والتربوي.وكان الرجل يتصف بالحكمة والهدوء ورباطة الجأش وبرودة الأعصاب التي تروق لنا نحن الشباب المتحمس آنذاك لذا كنا - بالذات أنا - أنفجر في وجهه غاضباً مرات عديدة واصفاً إياه بأقسى الأوصاف التي كان يتقبلها دوماً بروح تسامحية ممزوجة بابتسامة أبوية عابقة بالحنان. ورغم أنه كان بسيطاً ومتواضعاً للغاية وهادئاً إلى حد الغموض, إلا أنه لم يكن يساوم البتة, خاصة فيما يتعلق بالقضايا الوطنية ومصالح الناس, وتوقه لبناء مجتمع إنساني نموذجي ووطن يتفاخر به الجميع لذا لم يتورع عندما أنتخب نائباً لرئيس منظمة الصحفيين اليمنيين منتصف الثمانينات وهي من أخطر وأدق مراحل السياسية, بالذات حينما كانت مجرد كلمة لا تروق للسلطة كفيلة بأن تجندل برأسك من على رقبتك وبالتالي تضحي بخبر كان بتهمة عميل ومتآمر على السلطة والنظام ومعيق لأهداف مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية. لم يتورع عن إيجاد منتدى كل يوم خميس من كل أسبوع في مقر نقابة الصحفيين بمدينة التواهي وآخر كل جمعة في منزله في المعلا يدير فيه حوارات سياسية ومهنية واقتصادية بكل شجاعة وإقدام, بالمناسبة أول منتديين في اليمن فتحا نافذة للديمقراطية وتشجيع الناس على الإدلاء بآرائهم في القضايا الوطنية بكل شجاعة .. لا حظوا .. أي شجاعة وقدرة على التضحية كان يتمتع بها هذا الرجل الهادئ / إبراهيم الكاف طيب الله ثراه .عندما تشرفت مؤسسة (14 أكتوبر) برئاسته لمجلس إدارة المؤسسة ورئاسة تحرير الصحيفة .. لم يكن تعيينه مفاجأة لأحد. فهو ابن شرعي لهذه المؤسسة - الصحيفة .. أستاذ / إبراهيم الكاف .. طيب الله ثراك ..
إبراهيم الكاف.. شهاب أنطفأ
أخبار متعلقة