طلبة اثناء حصة دراسية
أمين عبدالله إبراهيمنظراً لتفاقم وتشعب المشكلات والقضايا السكانية الناتجة عن الارتفاع المتزايد والكبير في معدلات النمو السكاني اهتمت معظم دول العالم بوضع برامج لإدخال التربية السكانية في مناهجها الدراسية عن طريق مبادرات وطنية واسعة، فمنها من عمل على إدخال التربية السكانية في جميع المستويات الدراسية في آن واحد، الا أن التجارب الناتجة عن بعض الدول ككوريا الجنوبية وتايلاند، بينت صعوبة هذا الأمر وزيادة كلفتة خاصة ما يتعلق بإنتاج المواد التعليمية وتدريب المعلمين، في حين ترى بعض الدول الأخرى أن إدخال التربية السكانية تدريجياً للمناهج الدراسية تحقق نتائج أفضل.ونجحت عدد من الدول التي بدأت (عملية الإدخال) بإدخال برامج توعية شملت ندوات وحلقات نقاش استهدفت جميع المسؤولين ـ في مختلف المجالات ـ القائمين على إعداد مناهج التربية السكانية عن طريق تشكيل مجموعات عمل لمناقشة مشكلات وقضايا البلد الديموغرافية، وشرح مضمون التربية السكانية ومنهجيتها بما يحقق الدافعية لدى المعنيين ويشجع مبدأ التجديد عن طريق وضع استراتيجيات وخطط معالجة هذه القضايا في المناهج في ذلك.وأكدت التجارب المكتسبة في مجال التربية السكانية أن نواة المربيين أدت دوراً حاسماً في نجاح (برامج الإدخال) ما يدل على أن تدريب المعلمين يشكل عاملاً حاسماً وقوياً ويكتسب أهمية بالغة كون المعلمين هم الفئة التي يجب أن تعد الإعداد الجيد والأفضل من أجل ضمان تفاعلهم الإيجابي والسليم مع القضايا السكانية واتخاذ الطرق السليمة في توصيلها إلى التلاميذ بصورة سليمة وواضحة.وفي حالات كثيرة، بين التجارب أن إهمال عنصر تدريب المعلمين ضمن برامج الإعداد للمعلمين في المعاهد والكليات عن طريق إدخال مادة التربية السكانية ضمن مناهج هذه المعاهد والكليات كان له تأثير في تدني مستوى النتائج المتوخاة من (عملية الإدخال).ومن هذا المنطلق ونتيجة لما تشهده بلادنا من تزايد سكاني سريع وكبير، ونظراً لأهمية وفوائد وإيجابيات (برامج إدخال) وتضمين مفاهيم ومضامين قضايا السكان والتربية السكانية ضمن مقررات المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي ومعاهد التدريب والتأهيل الفني والمهني، في عملية نشر الوعي.والثقافة السكانية، والتوعية بأهمية تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية في صفوف أكبر وأهم الشرائح والفئات الاجتماعية وأكثرها أثراً وتأثراً وتأثيراًَ في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والثقافية، نتيجة لذلك كله فقد عمدت الجمهورية اليمنية هي الأخرى بالاهتمام بمواضيع التربية السكانية، وتحديداً منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، حيث عقدت العديد من الندوات وورش العمل وحلقات النقاش حول مسألة إدماج مفهوم التربية السكانية في المناهج الدراسية، وقد ظهر هذا الاهتمام جلياً من خلال مشروع التربية السكانية بوزارة التربية والتعليم الذي أنجز عدداً من الأبحاث والدراسات الميدانية التي لامست قضية التربية السكانية، كما أنجز المشروع ايضاً ـ عبر حلقات نقاش وورش عمل متواصلة ضمت أعداداً من الباحثين وأساتذة الجامعة والمعلمين والموجهين ـ قائمة المفردات المقرر إدماجها في المناهج الدراسية، وبالفعل تم إدماج المفاهيم السكانية ضمن مناهج التعليم العام بمرحلته الأساسية (من الصف الأول وحتى الصف التاسع)، والثانوية (من الصف العاشر أي الأول الثانوي وحتى الصف الثاني عشر أن الثالث الثانوي).وعلى الرغم من السير في هذا المجال أو التوجه الحيوي المهم الا أنه يوجد هنالك نوع من القصور والضعف وبعض النواقص في عملية الإدماج، وهذا ما بينته وأكدته الدراسة الميدانية المسحية للكتب والمقررات الدراسية لمناهج التعليم العام التي نفذها مركز البحوث والتطوير التربوي بوزارة التربية والتعليم عام 2003م، حيث خلصت نتائج هذه الدراسة إلى مجموعة من الحقائق والتصورات من أهمها:-أن المعلومات المتصلة بالقضايا السكانية وفيرة جداً في الكتب الدراسية المستخدمة في مناهج التعليم العام، وتسهم بهذه المعلومات معظم المواد بفروعها بدرجات مختلفة بينما تنعدم المعلومات السكانية في بعض الكتب ومنها كتب اللغة الإنجليزية والفلسفة.من ناحية نوعية ومستوى تنظيم وطبيعة توزيع المعلومات هناك حاجة ماسة للمراجعة وإعادة تنظيم وتنسيق عناصر المعلومات والموضوعات السكانية وتحسينها وتجديد بعضها وضمان تناسقها وتكاملها افقياً (عبر المواد وفروعها)، وراسياً (عبر الصفوف والمراحل).المعلومات العالية تغطي المجالات السبعة لمحتوى التربية السكانية لكنها تفتقر إلى التوازن بين المجالات بل بين القضايا الأساسية ضمن كل مجال، حيث تتركز معظم المعلومات في بعض المجالات حول قضايا محددة، ونادراً ما تتعرض للقضايا الأخرى أو تقدم مجرد إشارات أو لمسات عابرة وفقرات مبعثرة عنها ..-أن معظم القضايا السكانية الهامة والمعلومات الجديدة توجد في كتب المرحلة الثانوية فقط بينما تتعرض كتب المرحلتين السابقتين إلى بعض القضايا فقط وتعالجها بشكل سطحي ومتسرع قلما يكون كافياً للفهم والاستيعاب .-أن هناك بعض النواقص التي يجب استكمالها والكثير من الأفكار والمواقف التي يجب مراجعتها والتأكد من مدى صحتها وموضوعية كتابها وتطابقها مع ظروف وحاجات المجتمع ومتطلبات التنمية والتوجهات التنموية لليمن والمتمثلة في إستراتيجية التخفيف من الفقر ورؤية اليمن الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2025م، والأساسيات السكانية، والإستراتيجيات القطاعية ذات الصلة بالتربية السكانية، كما أن بعض الكتب أو المعلومات السكانية التي تقدمها تحتاج إلى إعادة نظر وتنظيم جديد بما يتناسب ومستوى المتعلمين، وخاصة كتب التعليم الأساسي ومحو الأمية وتعليم الكبار.وخلاصة القول، فإننا نتمنى من الجهات المعنية والمختصة بهذا الأمر وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم والمجلس الوطني للسكان الاستفادة من نتائج مثل هذه الدراسة النوعية الهامة وعكسها وترجمتها عملياً على أرض الواقع لما من شأنه تعزيز وتقوية وتطوير عملية التربية بمختلف جوانبها باعتبارها تربية عامة أو ثقافة عامة لكل المتعلمين بغض النظر عن مجالات عملهم ودراستهم واستقبال حياتهم المهنية والتخصصية، قد تساعدهم وتساعد غيرهم من الناس على مواجهة متطلبات ومشكلات حياتهم العامة وتمكنهم من التمتع بحقوقهم وأداء واجباتهم الشخصية في الأسرة والمجتمع المحلي والوطني.