البحريني عبدالله المدني يسافر مع (بناته الثلاث)
بيروت /جورج جحا: يظهر الكاتب البحريني عبدالله المدني في عمله الروائي الأخير (محمد صالح وبناته الثلاث.. شهربان وخير النساء وفاطمة جل) قدرة جلية على السرد الممتع وعلى شرح الجغرافيا والتاريخ بتبسيط.. لكنه في رسم الشخصيات ودواخلها لا يتجاوز خطوطا عريضة عامة.والكاتب من حيث المحصلة الفكرية النهائية لما قاله في الرواية اصدر حكما جازما على كل فكر تغييري يساري ويميني فجاء موقفه يشبه دعوة إلى أن يبقى الإنسان على حاله لان في بقائه سعادته وان في عالمه الصغير المحدود.خلاصة مغامرة بطل الرواية محمد صالح خيبة إنسانية كبيرة وعميقة تشبه خيبة صياد ارنست همنغواي في رواية (الشيخ والبحر) الذي اكتشف أن جهاده ومعاناته القاسية في البحر وتلك السمكة الكبيرة التي نجح في اصطيادها وأفرحته لم تصل معه إلى الشاطئ بل وصل منها هيكل عظمي تناتشت لحمه كائنات البحر المتعددة. كأن ما تعطينا إياه الحياة ليس في النهاية إلا (حفنة ريح) وفقا لتعبير الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين.والواقع أن هذا هو باختصار ما تقوله الرواية وقد بدا أنها جاءت لتطور هذه الفكرة ففعلت لكنها على ما تخلقه من متعة لم تقدمها عبر ما يمكن تصويره داخليا من محنة النفس فكنا (نرى) ذلك من خلال كلام الكاتب من الخارج لا من خلال المعاناة الداخلية لأشخاصه.إلا أن الكاتب قدم لنا في عمله هذا اختصاراً (تثقيفيا) لأحداث تاريخية واجتماعية في منطقة الخليج من خلال محمد صالح العربي الإيراني الجنسية فأظهر لنا مشكلته الكبيرة وهي انه في الضفة العربية لم يعتبر عربيا تماما وفي الضفة الفارسية اعتبر عربيا مشكوكا في ولائه.رواية عبدالله المدني جاءت في 141 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.في رواية (محمد صالح وبناته الثلاث.. شهربان وخير النساء وفاطمة جل) يروي عبدالله المدني بشكل ممتع.. لكن دخوله إلى عالم الشخصية الإنسانية لا يقدم أكثر من وصف عام لا ينقل إلينا عالم تلك الشخصية بل يتناولها من الخارج.تبدأ الرواية مع محمد صالح وقد ترمل وهو في الثلاثين من العمر بعد أن توفيت زوجته الحبيبة في عمر مبكر وتركت له بناتهما الثلاث شهربان وخير النساء وفاطمة جل. ضيق العيش جعل محمد صالح يأخذ بنصيحة صديقه وشقيق زوجته محمد شفيع فترك قريته (كرمستج الداخلية في بر فارس العربي) وسافر إلى الشارقة للعمل وقد ترك بناته في عهدة خالهن في منزله مع عائلته.وبعد جهاد وتعب اكتسب ثقة حاجي عبد القادر صاحب العمل الذي اسكنه معه في بيته. كان لحاجي عبد القادر ابنة وحيدة عزيزة عليه تدعى لطيفة.يصف المؤلف لنا الحياة في المنطقة التي كانت تحت الحماية البريطانية والتي لم تكن قد عرفت ازدهارها الحالي لكنها كانت مكانا يقصد للعمل التجاري وجني المال. سافر محمد صالح إلى الشارقة سنة 1945 فعمل بكد وجدية ودرس باجتهاد في مدارس ليلية وما لبث أن أصبح الساعد الأيمن للحاجي عبد القادر الذي أشركه في تجارته.تنشأ علاقة حب بين محمد صالح ولطيفة ابنة حاجي عبدالقادر. يصور الكاتب علاقة عذرية بين محمد صالح والفتاة التي تبلغ عمر صغرى بناته لكن يبدو الكاتب قد (زادها قليلاً) وهو يحاول أن يشدد على موضوع الشرف والعفة. محمد صالح يشتهي الفتاة ويحلم بها وينتهز الفرص كي يلمح بعض مفاتنها وهي كذلك مغرمة به. ولم يكن محمد صالح وهو الذي كان قبلا صبي المتجر يجرؤ على طلب يد الفتاة من أبيها على رغم تفاهمهما وتبادلهما الحب. لكن الفرصة تأتيه بصورة غريبة.هذا النوع النبيل من العلاقات العفيفة الشريفة ليس أمراً مستحيلاً لكنه في الحالة هذه يبدو أمراً غريبا من حيث المعالجة الروائية. الحاجي عبد القادر الحريص على سمعته وسمعة ابنته أراد التوجه إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. وقد ترك هذا العربي الغيور على شرفه -وخلافا للعادات العربية- ابنته الوحيدة في بيته وحيدة مع بطل الرواية ولم يتركها في بيت شقيقته.ولما كان السفر صعبا في تلك الأيام كما قال الكاتب فقد استغرقت رحلة الحج وعودة الحاجي عبد القادر منه مدة طويلة من الزمن إذ انه غادر الشارقة في عام 1951 وعاد إليها في منتصف عام 1952. وطوال تلك المدة كان الرجل يتحين الفرص للتمتع بمنظر مفاتن الفتاة يعيش معها وحيدين تحت سقف واحد.والغريب في الأمر أن الأب الذي بدا شديد التحرر -على عكس ما هو بالفعل- سمح بكل ذلك لكنه بعد عودته غضب عندما ابلغ أن محمد صالح اخذ الفتاة التي أصابها مرض شديد إلى الطبيب فأنقذ حياتها.قال لمحمد صالح في جو من الغرابة الشديدة التي يبدو أن الكاتب لم (ينتبه) إليها (الآن وقد انكشفت على ابنتي وانكشفت هي الأخرى عليك وتحادثتما وحدث بينكما ما حدث فان أمامك خيارين لا ثالث لهما.. أما أن تبحث لك عن مكان إقامة آخر بعيداً عن بيتي وذلك منعا للقيل والقال أو احتمال غواية الشيطان الرجيم لأحدكما وأما أن نعقد قرانكما وتتزوجا على سنة الله ورسوله وتقيما معي في هذا البيت الواسع ).تتطور الرواية فيأتي محمد صالح ببناته ويزوج الكبرى للحاجي عبد القادر وتتزوج الآريان من رجلين عربيين وينعم الله على الجميع بأولاد وتمر السنون وينتشر أولاد محمد صالح وأحفاده بين الخليج والقاهرة والهند وأميركا طلبا للعلم أو التجارة.يختصر الكاتب لنا تاريخ المنطقة العربية عامة حتى فترة عهد الرئيس المصري أنور السادات وتوزع أفكار ومشاعر أفراد العائلة هنا وهناك ودخول بعضهم السجون. كانوا صورة مصغرة عن كثير من شبان وشابات العرب في تلك الحقبة.يقول الكاتب (وهكذا وجد محمد صالح نفسه في مشهد سريالي باعث على الشفقة فيه ابن (أخواني) وابنة (بعثية) وزوجته ناصرية وحفيد ( سلفي) وآخر (شيوعي) وثالث أمريكي الهوى..).وقبل أن يموت محمد صالح تمنى مستحضرا فكرة آلة الزمن للكاتب البريطاني هربرت جورج ولز (أن تزول الثروة الطائلة التي كونها بالعرق والسهر والدموع على مدى ثلاثة عقود من الزمن... تمنى أن يفقد كل العلاقات التجارية التي نسجها مع علية القوم وخلقت له نفوذا وسمعة طيبة في مقابل أن يستعيد فلذتي كبده.. كان يتمنى.. أن تلقي به (آلة الزمن ثلاثة عقود إلى الوراء إلى قريته الصغيرة كرمستج حيث الحياة بدائية وقاسية لكنها خالية من تأنيب الضمير وأوجاع القلب).