أضواء
[c1]- 1 -[/c]يؤدي المال دوراً رئيساً في استمرار عمليات الإرهاب في العالم العربي وخارجه.والإرهاب الذي نقصده هنا هو الإرهاب الديني، فيما لو علمنا أن الإرهاب في حاضرنا الآن، يُقسم إلى ثلاثة أنواع:1 - إرهاب الدولة، وهو الإرهاب الذي تقوم به بعض الدول الضعيفة، لتحقق به ما تحققه الدول القوية بالدبلوماسية. ذلك أن ضعف هذه الدول، لا يسمح لها بخوض حروب كلاسيكية ضد أعدائها.2 - الإرهاب الديني، وهو الإرهاب الذي يستخدم العنف المجاني وسياسة الأسوأ البائسة، ويتميز بتوسل الشرعية الدينية المتجسدة في ثلاث وسائل: تحقيق إرادة الله على الأرض، تكفير الحداثة، والاعتماد على الفتوى لتبرير جرائمه.3 - الإرهاب الفكري العلماني، وهو الإرهاب الشبيه بالإرهاب الديني، ولكن من دون أن يتوسل بالشرعية الدينية، إنما يتوسل بالثورة والاشتراكية والعدالة، وبباقي الشعارات التقدمية. وهو ما مارسه الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية على الشعوب، التي حكمتها. وهو ما مارسته الدكتاتورية العربية القومية، خصوصا في عهد عبد الناصر، وحكم حزب البعث في العراق وسورية.[c1]- 2 -[/c]لذا، فقد نادى كثير من الباحثين، ومنهم المفكر التونسي العفيف الأخضر إلى تجفيف ينابيع الإرهاب، وذلك عن طريق اتباع التالي:1 - قيام شراكة عالمية وإقليمية، لتجفيف ينابيع الإرهاب البنيوية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية. وهذا عمل جبار، يقتضي ثورة ثقافية غربية خصوصا أميركية، لا تقل عن قطيعة خلاقة وصحية مع الثقافة الغربية السائدة، منذ القرن الثامن عشر، والمتأصلة في الوعي الجمعي الغربي، والمسؤولة عن كثير من الاختلالات البنيوية في العالم.2 - عدم الاكتفاء بالقضاء على الملاذات الآمنة ومصادر التمويل والتجنيد والدعم الاستخباراتي، لأن تجفيف ينابيع الإرهاب يتجاوز بكثير قواعده العملياتية والمالية، لأنها في الواقع أساساً سياسية، واجتماعية، وتربوية.[c1]- 3 -[/c]لجأت التنظيمات الإرهابية إلى التمويل الذاتي، بعد أن حاصرتها أميركا والدول الأوروبية وبعض الدول العربية، وحاولت تجفيف ينابيع الإرهاب بفرض قيود مالية صارمة على البنوك، وتحرك الأموال التابعة لهذه التنظيمات. والتمويل الذاتي هذا، تمثل في زراعة الحشيش وباقي أنواع المخدرات الأخرى، في المناطق التي يسيطرون عليها. ففي أفغانستان وباكستان، تجري زراعة مساحات واسعة من الأراضي، التي تسيطر عليها «طالبان»، و«القاعدة». كما أن حزب الله وسورية يزرعان الحشيش وأنواع أخرى من المخدرات في سهل البقاع لتأمين أربعة مليارات دولار سنوياً من ناتج هذه المزارع. وقد كشفت التقارير أخيراً، أن قيس عبيد (تاجر المخدرات) القيادي السابق في حزب الله، هو الذي يقود الآن «حرب الأفيون» ضد إسرائيل. وقد اقتنع حسن نصر الله أخيراً، بأن تعويم إسرائيل بالمخدرات، سيجعلها تضيع، فيما لو انتشرت المخدرات في مجتمعها بسرعة. ولهذا السبب بدأ حزب الله منذ سنوات، يشرف على زراعة الحشيش في منطقة البقاع اللبنانية، وإنتاج الأفيون والهيرويين في مختبرات «حزب الله»، وإقامة علاقات عمل مع (كارتيلات) المخدرات في أميركا الجنوبية. ويقول أليكس فيثمان، المعلق في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «حزب الله» نجح في تصدير كميات كبيرة من المخدرات إلى إسرائيل عن طريق تجنيد تجار المخدرات اللبنانيين المتعاونين، مع تجار إسرائيليين من غير اليهود، ممن خدم بعضهم في الجيش، فيما تحدَّر البعض الآخر من عشائر تعمل في تجارة المخدرات.[c1]- 4 -[/c]وفي الفترة الأخيرة، قال مايكل براون، مدير العمليات في «دائرة فرض القانون الأميركي» في محاضرة له في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» إن العلاقة تتوثق بين المخدرات والإرهاب، وتنمو بسرعة متزايدة، وقد لا يكون هذا بالأمر الجديد. فعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، تمَّ التعرف على روابط عديدة بين المخدرات والإرهاب. فمن بين المنظمات الثلاث والأربعين المعروفة رسمياً بصفتها منظمات إرهابية، وجدت «دائرة فرض القانون» في الولايات المتحدة، أن تسع عشرة من تلك المنظمات، ترتبط بهذا الشكل أو ذاك، بالتجارة العالمية للمخدرات. وتعتقد «الدائرة»، أن حوالي 60 في المئة من المنظمات الإرهابية متورطة في التجارة غير المشروعة بالمخدرات.[c1]- 5 -[/c]فما الأسباب التي تدفع بالمنظمات الإرهابية إلى اللجوء إلى التجارة بالمخدرات لتمويل عملياتها الإرهابية، ذات التكاليف المالية العالية، حيث تدفع معظم هذه المنظمات عشرة آلاف دولار لعائلة كل قتيل إرهابي. ومن العائلات من تتلقى مبلغاً شهرياً منتظماً طوال الحياة.يرى بعض المحللين، ومنهم مايكل براون، أن الأسباب تتلخص في التالي:1 - إن حجم الدعم الذي تقدمه الدول للإرهاب في تناقص. كما أن الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب تحرز نجاحاً في اكتشاف المساهمين الخصوصيين في تقديم الأموال للإرهابيين، وفي قطع الطريق على مثل هذا النوع من التمويل. فقد تمكنت الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها حول العالم من الحد بشكل كبير من قدرة تنظيم «القاعدة» على التواصل مع خلاياه ومموليه، عبر العالم.2 - هناك أوجه شبه كثيرة بين المنظمة الإرهابية والكارتيل العالمي لتجارة المخدرات. فكلاهما ينتهك سيادة الدولة، ويجد أفضل الظروف في الأماكن التي لا تطالها سلطة القانون، ويعتمد على متعاونين مشبوهين قد يكونون وسطاء مزدوجين لكل من الأعمال الإرهابية وتجارة المخدرات. وكلاهما لا يحترم حقوق الإنسان، ويعتمد على عوامل الجريمة المنظمة، مثل الفساد، والعنف، والتخويف. كما أن كليهما يتصف بكونه تنظيمات بالغة الدقة، تستخدم آخر منتجات التكنولوجيا.3 - يعتقد أغلبية المحللين، أن المنظمات الإرهابية قد أخذت عن كارتيلات المخدرات الدولية تنظيمها الداخلي، واعتمادها على هياكل لامركزية من الخلايا والخيوط. وغالبا ما تعتمد المنظمات الإرهابية وكارتيلات المخدرات على نفس الجهات التي تقوم بتبييض الأموال. كما أن لكليهما القدرة على تجديد نفسها، كلما تلقت ضربة قوية، وتعودان إلى الظهور ثانية بشكل جديد، لا يمكن التعرف عليه. أما الاختلاف الرئيسي بين كارتيلات المخدرات والمنظمات الإرهابية، فهو أن دافع الكارتيلات يكون في جميع الأحوال الربح المادي، في حين تكون للمنظمات الإرهابية دوافع سياسية وعقائدية.[c1]- 6 -[/c]ومن هنا، نستطيع أن نطلق على المنظمات الإرهابية، في هذا العصر «الحشّاشون الجدد». وهم امتداد لفرقة «الحشّاشين» التي ظهرت في إيران، في القرن الحادي عشر الميلادي (1038م)، بقيادة حسن الصباح. و«الحشّاشون» صفة أطلقها عليهم الرحالة الإيطالي ماركو بولو (1254 -1324) عند زيارته لمعقلهم في «قلعة الموت»، التي تبعد 100 كلم عن طهران. وكانت هذه الجماعة تقوم بعمليات انتحارية واغتيالات تحت تأثير تعاطيهم الحشيش. وهذه المجموعة قامت بعمليات اغتيال منظمة ودقيقة ضد الصليبيين، والعباسيين والسلاجقة. وهو ما يفعله معظم الإرهابيين هذه الأيام، تحت تأثير المخدرات المادية والروحية والدينية.[c1]*عن / جريدة «الجريدة» الكويتية[/c]