احتلت بريطانيا مدينة عدن في 19 يناير من عام 1839م، وكان ذلك في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر وأسفر الوجود البريطاني عن فرض الحكم الاستعماري المباشر على مدينة عدن والحكم غير المباشر على المحميات الشرقية والغربية من خلال معاهدات الحماية والصداقة وارتباط الاستعمار مع السلاطين.ولا جدال أن مدينة عدن كانت منذ القدم ثغر اليمن الوضاء كمدينة وميناء حر تسهل الملاحة الدولية وكانت تنافس أكبر الموانئ مثل سنغافورة وهونج كونج.. الخ وهي مركز جذب للأجانب من اليهود والهندوس والفرس والمنتصرين فتمنحهم المناصب العليا للعمل في البنوك والوزارات وإدارة شؤون البلد وتتيح لهم ولأبنائهم فرص الدراسة العليا، وكان أبناء المناطق الشمالية يعتبرون أجانب في داخل مستعمرة عدن ويقوم الانجليز باضطهادهم واحتجازهم واستفزازهم في رقم (6) وحجزهم.وكانت تلك هي الفتنة التي أشعلها المستعمر البغيض وقد أججت في نفوس اليمنيين غضباً كبيراً وجعلتهم ينظرون إلى المستعمر بكل سخرية وازدراء ونظموا المظاهرات والإضرابات التي كانت البداية للثورة اليمنية من خلال المظاهرات العمالية والطلابية وقد أسهم القاضي والاصنج ومسواط وعبده خليل رحمه الله والعبيد وغيرهم بتكوين أكبر قاعدة عمالية.إن دور المرأة اليمنية الكبير الذي لعبته في مستعمرة عدن أرعب المستعمر لأنه لم يكن يتوقع للحركة النسوية أن تكون بهذا الثبات والقوة والعزيمة خاصة في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي مع زميلاتها في الجبهة القومية وبقية التنظيمات الأخرى، وكان دور المرأة السياسي وخاصة المنضوية في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي بارزاً في مرحلة الكفاح المسلح في مختلف الجبهات التربوية والطلابية والقطاع المدني والعسكري سواءً أكان ذلك على مستوى الريف اليمني أم المدينة.إنني أقف في استعراضي المتواضع عرفاناً بل وإجلالا لذكرى فقيدة الحركة النسوية في عموم اليمن الفقيدة المناضلة (دعرة) التي كانت أحد الرموز الصلبة في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، وهي رمز نسائي يتفق الجميع على دورها البطولي والعسكري في مرحلة الكفاح المسلح، وكانت تؤدي دورها النضالي الإيجابي المباشر في جبهات القتال بردفان الشرقية والغربية، وكذلك (نوبة ثابت سالم) وكانت المحرضة للجماهير على النضال في جبهة ردفان.إن اليمن لديها العديد من الرموز النسائية المناضلات والقائدات اللواتي قدن المعركة النسائية في مرحلة الكفاح المسلح بكل اقتدار، خاصة اللواتي لعبن دوراً قيادياً في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، وقد تعمد البعض طمس الهوية النسائية والتنكر لأعمالهن التي شكلت إسهاماً وطنياً عظيماً لا يمكن إغفاله والتقليل من شأنه.إنني أتذكر (جميلة بوحيرد) التي أسهمت بتحرير الجزائر وطرد المستعمر الفرنسي، وفي اليمن تلك المناضلة الجسورة الأخت (رضية إحسان الله) والدور الكبير الذي لعبته بكل اقتدار في توحيد صفوف العمل الوطني النسوي وكانت أسطورة تغنى بها الجميع ولديها قدرة عجيبة على الإقناع والتخاطب والحجج، كذلك كانت تخطط وتنظم وتنفذ ولم ينم لها جفن ولم تغمض عيناها حتى تشاهد العمل النسائي يسير بنجاح وقد تعلمنا منها أنا وزميلاتي أبجديات العمل الوطني، وكذلك المرحومة ليلى الجبلي رئيسة جمعية المرأة العربية ونائبتها أنيسة احمد هادي.. أما (نعمة سلام) فقد أدخلها الاستعمار سجونه وكانت قمة للإخلاص في العمل الوطني، وهي اليوم تعاني وتتألم من الظلم الذي هز كيانها وأرقدها على الفراش مشلولة دون رعاية.ونتذكر هنا (حامدة خان) تلك الفتاة اليانعة التي دخلت السجن لفترة طويلة عام 1968م.وأتذكر أنيسة احمد هادي وشقيقتها رضية احمد هادي اللتين أرعبتا الانجليز في منطقة الشيخ عثمان وأقلقتا المتآمرين والمتعاملين مع الانجليز، ورضية شمشير وأسرتها وقدرتها على التحرك في صفوف النساء وكانت تساهم دائماً بالمسيرات والمظاهرات المختلفة، وأتذكر (نفيسة منذوق) تلك الشخصية القوية التي كانت تقوم بخزن الأسلحة والمنشورات داخل مسبح حقات عام 1965م وتأتيها من الفدائيين عبر منطقة الحوبان، كما دخلت المعتقلات لعدة مرات كانت بدايتها عام 1967م وفي فترات متقطعة حتى عام 1969م وتعذبت في السجون والمعتقلات.وأتذكر (كلثوم حيدر) وهي تقوم بتأطير عضوات جبهة التحرير والتنظيم الشعبي والمرحومة (كلثوم حداد) وأبناءها و(شفيقة خوباني)، وأتذكر المرحومة (زينب ديرية) وقيامها بمساعدة القائد العسكري عثمان ناجي الملقب (عثمان خان) لجبهة التحرير في تفجيرات مصافي عدن والخيسة وتفجير (فيلبس كامب) بين الجبلين في عدن الصغرى و(حياة حداد) ومشاركتها في العمليات العسكرية و(ليلى السيد علي) التي كانت نشيطة ومتحركة وتقوم بنقل السلاح والمنشورات وقد أقلقت المستعمر بحركتها وحيويتها وكذلك بنات السياني وعلى رأسهن (شفيقة ومنيرة السياني وخدوج عيسى) المعروفة باسم أم حسن عيسى وأسرة الشهيد عبدالله عبده الملقب بالوحش وأم المناضل المرحوم عبده خليل سليمان وكلثوم منذوق التي لعبت دوراً مع الجنود في الشرطة وبهية محمد علي ـ فرقة صلاح الدين ونادية أحمد ـ فرقة النصر وشفيقة خالد مفلحي.إن الدور الأعظم والكبير هو الذي لعبته القيادات النسائية في جمعية المرأة العربية عام 1961م التي كانت تعتبر كقطاع نسائي لجبهة التحرير، حيث تقوم بالتوعية اللازمة للنساء بأهمية النظام ومشاركة المرأة اليمنية فيها، حيث برزت في صفوف المرأة اليمنية تيارات واتجاهات سياسية متعددة ذات آراء ورؤى سياسية واضحة وكانت الأخت رضية إحسان الله هي السكرتيرة التنفيذية للجمعية وتعتبر الجمعية هي الأساس في فرز السياسات المتعددة للتنظيمات المختلفة وكان لي شرف الانتماء في عضوية جمعية المرأة العربية كسكرتيرة في فرع التواهي، وقد غادر وفد من جمعية المرأة العربية إلى تعز وصنعاء للتهنئة بالثورة وقامت عضوات الوفد ومنهن: رضية إحسان وزكية ونفيسة وأنيسة احمد هادي وعائدة يافعي وليلى الجبلي وغيرهن من القيادات بالتبرع بمالهن من مصانع للثورة.استطيع القول: إن أول شرارة كانت منطلقة من كلية البنات في خورمكسر عام 1962م التي كانت بمثابة الشرارة التي تشتعل حمماً وبركاناً في وجه المستعمر، لأن صداها كان ضد السياسة التعليمية والتفرقة بين العدنيات اللواتي يسكن منطقة عدن والتواهي والمعلا وخور مكسر وبنات الشيخ عثمان اللواتي يسكن في الشيخ وضواحيها وكانت تعرف بسلطة الضواحي وكذلك كانت المديرة تميز بين الأجناس وبالذات اليهود والفرس والهنود وقامت بغربلة المنهج التعليمي وفرضت مناهج تقوم بتشويش وقلب المعايير التعليمية، أما الفقيرات فكان حظهن أسوأ حيث كانت تضعهن في غرفة وتغلق عليهن حتى ينتهي الزوار من زيارة كلية البنات، وولدت تلك التصرفات جرحاً عميقاً في نفوس الطالبات وخاصة أولئك اللواتي يتزعمن الحركة الطلابية من القطاع النسائي في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي وعلى رأسهن ليلى السيد علي، رضية شمشير، أم الخير حيدر، أنيسة احمد هادي, رضية احمد هادي، آسيا عمراوي وسامية عيسى.وانطلقت شرارة الطالبات إلى ثانوية الجلاء وثانوية عدن وكلية البنات (بلقيس) والمعاهد وكذلك لا أنسى زميلاتي الطالبات في الجبهة القومية، منهن: الأخت شفيقة مرشد، فوزية محمد جعفر، وأنيسة الصائغ، وغيرهن.خلاصة قولي: إن تاريخ المرأة اليمنية يكاد يتلاشى وينتهي لأنه لا توجد مصارحة بين النساء وهناك العديد من النساء اللواتي كن نحتاج أن نجلس معهن لتوثيق أعمالهن فعلينا أن نستفيد من الرعيل المتواجد وتوثيق ذلك للأجيال القادمة حتى يعرفوا ماذا كان دور المرأة وكذلك ضم المناضلات من جبهة التحرير والتنظيم الشعبي إلى قوام مكاتب رعاية أسر الشهداء وهناك ظلم جائر على كثير من النساء وبالذات في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي.
المرأة اليمنية في مرحلة الكفاح المسلح في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي
أخبار متعلقة