أضواء
د.طارق سيف..في كل عام تتدخل السياسة في تحديد وقت بداية شهر رمضان في كثير من الدول العربية وإيران، لدرجة أن البعض اعتقد أن هناك حكومات ستؤجل رمضان هذا العام إلى العام القادم، وبالطبع لم يكن مبدأ “خالف تعرف” وارداً في صنع قرار بدء وانتهاء شهر رمضان، إلا أن هذا العام حمل معه بشائر التفاؤل باتفاق عدد كبير من الدول العربية على توقيت بدء الشهر الكريم، أعاده الله على القراء جميعاً والأمتين العربية والإسلامية بالخير والسعادة وتحقيق ما يتمنونه.يمثل تدشين دليل الخدمات المقدمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة جانبا هاما في رسم برامج وخطط أقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي أعدته وزارة التجارة والصناعة ممثلة بالمديرية العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.ويحمل الدليل في طياته العديد من الجوانب التوضيحية الهامة التي تحتاجها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب مبادرات الاعمال من حيث كيفية الحصول على مساندة الجهات التمويلية الحكومية والقطاع الخاص. كما يقدم توضيحا لأهداف المديرية التي تعمل بموجبها وكذلك دورها في توضيح الامور الاجرائية في تتبع الخدمات التي تحصل عليها وشروطها.وقال سعادة أحمد بن سليمان الميمني وكيل وزارة التجارة والصناعة للشؤون الادارية والمالية وشؤون المناطق في حفل تدشين الدليل أمس الأول في وزارة التجارة والصناعة: إن هناك تعاونا بين وزارة التجارة والصناعة وبعض المؤسسات الدولية للحصول على استشاراتها نحو النظم والاسس العالمية فى المجالات التي تعنى بها المديرية العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومن أهمها مجالان “التمويل والتدريب” سعيا نحو تنمية قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.وعن اهمية الدليل قال صلاح بن ناصر المعولي مدير عام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بداية حفل التدشين عرضا لما تضمنه الدليل وما تحتوي صفحاته من بيانات ومعلومات تتعلق بكافة الجوانب الخاصة بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كالخدمات التي تقدم لهذا القطاع سواء من قبل وزارة التجارة والصناعة أو من قبل الجهات الداعمة والممولة للمستثمرين فيه.وأضاف أن أعداد دليل الخدمات المقدمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يأتى في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة التجارة والصناعة في سبيل تقديم الخدمات المتميزة للمستثمرين في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مشيرا الى ان الدليل يتضمن نبذة وافية عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومدى مساهمتها في الاقتصاد الوطني.ومن كثرة متابعتنا لما درج عليه الإعلام بوسائله جميعاً، المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، خلال شهر رمضان، تبرز ملاحظات عدة، قليل منها إيجابي وكثير منها يتسم بالسلبية، ومن أهم هذه الملاحظات: أنه جرى استبدال سمات وخصائص الشهر الكريم، من توبة نصوح وتعبد وصلاح للنية وإصلاح للذات بمحاسبتها وإعادتها إلى جادة الصواب، والتوجه إلى الله بقلب سليم، بإغراق المشاهد في مسلسلات حصرية لا حصر لها تزيد على ستين مسلسلاً، تجعله أسيراً ومعتقلاً للشاشة الإلكترونية، ممسكاً في بلاهة بالريموت كنترول في يد وجدول المسلسلات في اليد الأخرى، ويبدأ ماراثون المتابعة من مسلسل إلى آخر، لا يقطعه سوى صراع الإرادات بين أفراد الأسرة، حيث الكل يسعى إلى مشاهدة ما يريده دون أن يعبأ بالآخرين، وعلى المتضرر أن يتابع مسلسلاته في الإعادة، وينشغل الجميع عن متطلبات العبادة. إن الصراع الضاري بين الفضائيات لعرض المسلسلات لا يأخذ في اعتباره أي أخلاقيات دينية أو مهنية أو يحاول إدراك مضمون القصة وهدفها ومدى صلاحيتها للعرض للأسرة المسلمة في رمضان، أو يأخذ في الاعتبار قيم المجتمع الذي يتابع هذا المسلسل ومدى ملاءمة موضوعه لهذه القيم والأعراف، لأن الأهم من ذلك كله هم الممثلون ومدى شعبيتهم لدى المشاهد، والتركيز فقط على جذب أكبر عدد من المشاهدين.تتنافس الصحف والمجلات وتتفنن في عرض المسابقات المختلفة والمتنوعة لتسلية الصائم وإشغاله في البحث عن الحلول لهذه المسابقات، وتعج المنتديات وتنشغل المدونات على شبكة الإنترنت بالأسئلة والبحث عن إجابات للمسابقات والنقاش حول مدى صحة هذه الإجابات، وكأن شهر رمضان جاء للتسلية والتسابق للحصول على جوائز دون أدنى جهد.تحتشد في الشهر الفضيل وتنتشر كالنار في الهشيم برامج الطبخ والطعام بأنواعها وأشكالها وصورها المختلفة، الأمر الذي يجعله شهراً لعلاج سوء التغذية، وكأن الصائم جائع طوال العام وينتظر بفارغ الصبر هذا الشهر ليسد جوعه ورمقه، وإذا امتلأت البطون تاهت العقول وخملت الأجساد وتوقف التفكير، والرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام يقول: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع”.يناقض ذلك كله زيادة جرعة الدروس والبرامج الدينية التي تتخلل عرض المسلسلات، وتركز على فضائل الإسلام وتعاليمه وتقاليده، وربما يتابع المشاهد ذلك، لكن دون وعي أو إدراك لأبعاد هذه الدروس، وربما يرجع ذلك إلى أن الإعلام لا يزال يتعامل مع البرامج الدينية بصورة تقليدية ونمطية تندرج تحت نموذج التلقين، ولعدم مجاراتها قضايا العصر.وهناك بعض السلوكيات المجتمعية المصاحبة لشهر رمضان، أو التي تزداد وتيرتها وحدتها خلال هذا الشهر الكريم، ومن أبرزها:المقاهي، حيث تستمر في العمل حتى الساعات الأولى من الصباح، وتظل شديدة الازدحام مثل يوم الحشر، يندس فيها بشر من كل الأعمار والأجناس، لا فرق بين أنثى وذكر أو أسود وأبيض سوى في الأنفاس، الكل يدخن الشيشة بشراهة عجيبة، وكأنهم يعوِّضون صيام اليوم ويدخرون جرعة كافية لليوم التالي، وسحب الدخان تدخل المساكن دون استئذان، ولا إرادة للجيران في دفع الضرر.التسول، وهو ظاهرة أكثر ما تشتد حدتها في شهر الكرم، وعلى الرغم مما تقوم به بعض بلدان الخليج، خاصة دولة الإمارات، في تقديم المساعدات الاجتماعية والزيادة الهائلة في موائد الرحمن وإفطار الصائم، نجد أن التسول بات مهنة ينشط أصحابها من الجنسين في رمضان، ولا يعجزهم أي شيء للحصول على المال، وليس لديهم حساب لوقت الطلب، فاليوم بأكمله صالح للتسول وجني المال دون اعتبار لوقت راحة أو صلاة أو إفطار، وليس للأماكن أي حرمة سواء مكان السكن أو الجامع.كسل معظم الموظفين وتقاعسهم عن أداء العمل بزعم الصيام، وهذا الأمر ينتشر في معظم الدوائر الحكومية في كثير من الدول العربية، وهي ظاهرة لا تمت بصلة إلى أخلاقيات الشهر الكريم ولا تعكس الحكمة الإلهية من تكليف المسلمين به، خاصة أن الإسلام يحث على العمل وعلى إتقانه، لكن البعض درجوا على اعتبار رمضان شهراً للراحة و”البلطجة” في العمل.الازدحام، وهو أمر لا يقتصر على الأسواق والمحال التجارية بل يتجاوزه إلى الشارع، حيث نجد أن هناك أوقاتاً بعينها تصبح فيها الشوارع مثل يوم الحشر، وتكتظ السيارات في صفوف لا تنتهي، ثم يأتي السباق لتجاوز الإشارات المرورية فتزداد معدلات الحوادث، وبدلاً من أن يمنحنا الصيام الصبر وضبط النفس، ينقلب الحال ونجد كثيرين وقد تشابكوا بالألفاظ والأيدي متناسين حال الصيام.ارتفاع الأسعار، حيث تصاحب شهر رمضان من كل عام حالة من الارتفاع الجنوني في الأسعار، وكأن التجار يجدون الفرصة في إقبال الناس على أصناف بعينها ويرفعون أسعارها، رغم أنها كانت بالأمس بسعر في متناول الجميع، ولا يعرف أحد حتى الآن أسباب تكرار هذه الظاهرة في كل عام، وكأن رمضان يأتي فجأة ويهاجم مثل الإعصار دون إنذار مسبق.ومن جانب آخر توجد بعض الإيجابيات من أهمها التزام الناس كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، بالصلاة في الجوامع، ويبرز التراحم والتعاطف في إطعام المساكين وأبناء السبيل، وفي انتشار موائد الرحمن لبعض الفنانين والفنانات يأكل منها الفقراء والمحتاجون من المسلمين وغيرهم، بل إن بعض سفارات الدول العربية في الخارج تقوم بتقديم وجبات للإفطار للمغتربين دون تمييز، وكل هذا يدل بوضوح على التكافل الاجتماعي الذي يحث عليه الإسلام ويبني جسور الرحمة والتسامح بين البشر.ليس هدفنا هنا أن نرصد حصرياً الظواهر التي تصاحب شهر رمضان، لكن نود فقط أن يكون رمضان فرصة لنعيد حساب أنفسنا، وندرك أسباب وجودنا في هذه الحياة، فالمولى سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق: “وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهَمْ مَنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” (الذاريات: ٥٦-٥٨). لذلك فإن على الإنسان أن يستفيد من فرصة هذا الشهر الفضيل الذي يأتي مرة كل عام ليصلح علاقته مع خالقه ومع أسرته ومع مجتمعه، ويجعله بداية جديدة في حياته تدفعه لتحقيق آماله وطموحاته بقلب سليم.رغم كل ما يحيط بالمسلمين من ظروف وتحديات ومخاطر، معظمها من صنع أيديهم، فإن الوقت ما زال كافياً للإصلاح، وإن كان الأمر يحتاج إلى وقفة مع الذات، خاصة للشباب الذين غرهم التطرف والعنف والإرهاب بزعم الجهاد، والذين غُرر بهم باسم الدين فأضاعوا دينهم ودنياهم، وأضروا بالإسلام أكثر مما فعله أعداؤه، وعليهم أن يعيدوا النظر في جوهر رسالة السماء التي تدعو إلى الرحمة وإلى الحياة وليس الموت.الشاعر القديم يقول:نعيب زماننا والعيب فيناوما لزماننا عيب سوانا!ومبارك عليكم الشهر.*[c1]عن/صحيفة ( الاتحاد ) الاماراتية[/c]