كل أحد
ولاتزال الحكاية مستمرة: الحوار الذي يفترض به أن يكون هو سيد اللحظة والمرحلة، وأن يقوم ويدوم بين الشركاء أو فرقاء الحياة الحزبية والسياسية في البلاد، لايزال هو الغائب الأكبر عن وعي وممارسة الفرقاء، وإن سجل حضوراً باهتاً في الشعارات والخطابات على شكل مكمل خطابي واستهلاكي أكثر من أي شيء أو التزام آخر.ومن المدهش والمحبط في آن واحد، هو هذا الالتزام (الخطابي) ـ أو الكلامي- الذي تبديه قيادات الأحزاب تجاه الحوار وأهميته، وهذه الممانعة التعطيلية التي تدفع سلوك وعمل الأحزاب والقيادات ذاتها بالنظر إلى كونها غير ملتزمة بالحوار كممارسة وتطبيق فعلي، بل مجرد تجمل دعائي وخطابية مستهلكة تجابه الضرورة بالكلام وتهدر المزيد من الوقت والطاقات في غير محلهما ومستحقهما.ولا يصعب على قيادات الأحزاب أن تبيع للناس وللإعلام كلاماً ناعماً، وإن كان يصعب عليها ـ حقيقة- أن تعفينا من تجرع هذه المصيبة باستمرار وتعاقب وان تهتم بالتطبيق العملي والسلوك الواقعي على الأرض وخلف ستائر الدعاية والإعلان.وفي الإثبات النهائي لمحدودية الوعي التطبيقي، تتجلى الشواهد على ساق وتكون الأحزاب “مشروع هروب” من الحوار إلى التعطيل الذي يراد له اليوم أن يصبح هو سيد الحالة اليمنية وعنوان أزمة مخلدة في الأرض، بأمر من طموحات حزبية محفوفة بالرغبة الكاسحة في الإجهاز على كل إمكانات النظام حوار عقلاني متمدن ومتحرر من سلطان الابتزاز وانتهازية المتربصين!إن كانت هناك اليوم من أزمة حقيقية ـ هي أم الأزمات- فإنها أزمة أحقاد تحولت إلى برامج ومشاريع حزبية وسياسية! وصار لزاماً علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية.. فما تبذله أحزاب “المشترك” اليوم وتسعى فيه لا يمكنه إلأ أن يكون هدماً لأسس الشراكة الوطنية والمدنية، المبنية على تغليب المصلحة الجماعية والمصالح الوطنية العليا، وتقويضاً فعلياً لإمكانات الرشد في التفكير الحزبي والممارسة السياسية.تقترف الأحزاب المذكورة أكثر من خطأ وأكثر من خطيئة بحق نفسها وبحق الحياة والمشاركة السياسية.. وبحق المجتمع بأسره، إذا هي أصرت على المضي في نهج التعطيل وسد الأبواب والشبابيك أمام إمكانات الالتقاء مع الآخرين في الوطن من الجماعات السياسية المخالفة أو المناهضة لترجماتها ومشاريعها المحرضة على الانسداد والانشداد إلى حفرة ضيقة لا تسمح بمرور الهواء والضوء.لن تكون أولويات وفروض “المشترك” هي من تقرر مستقبل العملية السياسية والتنموية في البلد، أو تصوغ المرحلة وما بعدها بحسب ما تشاء ووفق أهواء خاصة، لأن المجتمع السياسي والمدني في اليمن أكبر بكثير من أن يختزله “اللقاء المشترك” في ذاته المفردة والوحيدة، وليس هؤلاء هم وحدهم من يملكون حق التفكير والتفسير بالنيابة عن الجميع، وإن لم يفهموا تماماً هذه النقطة ويحلو لهم تقمص دور البطولة المطلقة في مجتمع مليء بالأبطال!!
