أضواء
في كثير من الأحيان تعيد حمى الانتخابات النيابية الإنسان إلى غريزته الأساسية، والى انتماءاته القبلية، وليس إلى أيديولوجية معينة أو تفكير ينطلق منه. وحدث هذا الأمر نهاية الأسبوع الماضي في الكويت مع قبيلة المطير التي أرادت تجاوز قانون أقر العام 1988 لمنع الانتخابات الفرعية غير الشرعية التي تجريها القبائل قبل الانتخابات الرسمية، وأدى ذلك إلى مواجهة مع قوى الأمن. ما حدث، يحدث في كل دول العالم، إنما هناك دول كبرى تتحمل، لكن الكويت كدولة صغيرة لا تتحمل، لذلك يغلب التمني لدى قادة كويتيين بأن تُذاب كل هذه الأمور التي تبرز على السطح بسبب عوامل محلية وعوامل إقليمية تساعد على بروزها، إذ أن هناك إيران، والعراق وهناك لبنان. يقول لي السياسي الكويتي انه لا يمكن تعديل هذه المسألة من غير أن تكون هناك عدالة تامة في التعامل مع الجميع، «الكويت من هذه الناحية بخير، من هنا الصدمة لدى بروز مسألة الغرائز، لأن المعاملة متساوية والقانون يسري على الجميع»، لذلك تمنى على المؤثرين على الساحات سواء الساحات الفئوية أو القبلية، الطائفية أو غيرها أن يرشدوا الذين يؤثرون فيهم، ويؤكدوا لهم «أن مردهم إلى وطنهم الأم، فهو مَنْ سيبقى لهم في الأخير ولا شيء آخر». يترحم الكويتي عندما يقرأ كيف أن أبناء بلده قبل 150 سنة وبإمكانات محدودة للغاية وفي ارض قاحلة جرباء، طاردة لكل من يفكر في البقاء فيها، تحدوا المصاعب وجابوا غمار البحار وعبابها، ووصلوا إلى سنغافورة والهند وكينيا في ظروف شاقة وصعبة. وكان الواحد منهم يتوجه إلى البحر ولا يعرف ما إذا كان سيعود إلى عائلته. الآن هذا الانطلاق غير موجود لا بل يلقى المجتمع الكويتي تشجيعاً على العكس، ويقول محدثي في تعليقه على هذا: «نحن نريد تنمية الحس السابق، نريد بروز تفكير جديد. إذا أخذنا التعليم نتطلع كي يكون تعليماً تنافسياً، حتى إذا ما خرج الكويتي إلى اي شركة في العالم يكون في استطاعته التماشي معها ولا تكون الكويت البقعة الوحيدة القادرة على العمل فيها». المطلوب في الكويت انفتاح وزيادة الأمور التوعوية للمواطن الذي يستطيع أن يكون ميزان العلاقة ما بين مجلس الأمة والحكومة. يقول محدثي: «إن المواطن يشعر أن دوره هو الإدلاء فقط بصوته، ولا توجد مراقبة لمن ينجح من النواب أثناء ممارسته النيابة، لا بد من أن يعرف المواطن أن دوره حيوي ومهم ومستمر ومصيري، وان النائب إذا تناسى ما دعا إليه في برنامجه الانتخابي يتعرض للمحاسبة في صندوق الاقتراع. هذا غير موجود في الكويت، بعد خمسين عاماً، لا تزال الكويت مقصرة». لكن، في ظل تطور الاتصالات زاد الوعي السياسي وزادت الأفكار، وبدأت تتكون في الكويت تجمعات ذات أفكار متشابهة، صارت تطفو على السطح ككتل. هذه التوجهات ستساعد على نمو الديموقراطية وكما يتمنى محدثي، ستؤدي إلى النضوج، لكن شرط أن تكون الأفكار مستنبطة من الواقع الكويتي ومن الأخلاقيات والتربية الكويتية. واسأله عما إذا كانت صدمته ردود فعل البعض على اغتيال عماد مغنية؟ يجيب: «حتى لو لم تقع تلك المسألة، فان كلامي سيكون نفسه أنا لا أريد استيراد فكر أسامة بن لادن، لا أريد فكراً سلفياً أو فكر محمد عبده. نحن لدينا أفكارنا التي تربينا عليها. لم ننتظر أن نأخذ ديننا من الخارج، أو أخلاقنا من الخارج أو كيفية التعامل مع الناس». ويضيف: «إن الكويتيين في طبيعتهم معتدلون ومنفتحون. لم نأخذ مسألة الاعتدال والانفتاح للتفاخر أو للتباهي، أخذناها كي نحصل على لقمة عيشنا، أخذناها لأنه إذا لم نكن كذلك سنموت. إنها أمر مصيري بالنسبة إلينا. يجب أن نكون منفتحين، يجب أن نكون تجاراً، يجب أن نتعلم اللغات المختلفة كي نكون قادرين على التعامل مع الآخرين». يثير قلق محدثي أن يأخذ الكويتيون أفكارا يمليها عليهم طرف خارجي. يقلقه هذا لأنه قد يحصل في الكويت مثلما يجري في لبنان يقول: «إن اقرب شيء إلى واقع الكويت هو لبنان. لدينا نفس المبادئ، نفس التوجه، نفس روح المغامرة، ولدينا الثقافة والتسامح والاعتدال. وما أراه في لبنان يملأني مرارة ولا أتمنى أن يحصل الشيء نفسه في الكويت». وما دمنا آثرنا الحديث عن التكتلات فهل سيدفع هذا إلى طرح مشروعية الأحزاب؟ يجيب محدثي السياسي الكويتي: «أتمنى ألا نصير مثل النعامة، الأحزاب موجودة إنما ليس تحت شيء اسمه الحزب، هناك، التيار، الحركة، التجمع، القوة، المسيرة، كل ما يخطر على البال من أسماء باستثناء كلمة حزب لأنها كلمة مخيفة إذا نظرنا إلى التجارب في العالم العربي. أما كفكرة موجودة. التطبيقات الحزبية موجودة ومنتشرة في الكويت، وهي كثيرة». قبل حل مجلس الأمة الأخير، كانت هناك سبعة أو ثمانية تيارات، لم تكن تنظيمية مثل أي مكان آخر إنما موجودة ولها إتباعها ومن يعتقدون بأفكارها، وفي هذه الحملة، تنظم هذه التيارات طروحاتها وتسمي وتعلن عن مرشحيها ومرشحاتها. تبقى كلمة حزب غير موجودة وقد تكون في مرحلة «النواة». لكن، هل يمكن للأحزاب، اذا سُمح بها، أن تساعد الكويت على فكرة طرح دستور جديد؟ حسب محدثي، إن هذا يتطلب تعاوناً بين السلطتين ويتطلب وجود نظرة لرسم مستقبل الكويت وليس نظرة لتسيير الصراع. ويضيف: «إذا انغمسنا في الهموم اليومية لن ننتهي. إن الكويتي عندما يدخل مجلس الأمة ينسى كل الأمور التي نادى بها في برنامجه، لا يرى أن تنظيم الحياة السياسية وتشذيبها ضرورة مصيرية. يراها خياراً وليس أولوية». لم يحدث أن جرى حل مجلس الأمة في الكويت بسبب النقاش على تنظيم الحياة السياسية أو إجراء حوار وطني، ورغم انه لا خلاف بين اثنين في الكويت حول أهمية الحوار الوطني إلا انه لم يحصل. وكل الخلافات بين مجلس الأمة والحكومة شخصية، منها مثلاً إسقاط قروض أو زيادة مبلغ 50 دينارا على الرواتب أو إرسال قريب إلى العلاج أو ترقية قريب آخر. ولوحظ في حملة المرشحين ترداد «كليشة» الوحدة الوطنية من دون التوقف عند معناها. ويقول محدثي: «إن مَنْ يخسر الوحدة الوطنية يخسر نفسه. يجب ألا ننسى الغزو أو ننسى ما يجري في العراق وإيران» ويضيف: «لا يعتقد احد، بأن هذا من المستحيل أن يحدث في الكويت، لأنها بعيدة جغرافياً أو لأن الطبيعة الكويتية مختلفة، كلا، مثلما جرى في تلك الدول قد يجري في الكويت وهذا ما يجب تداركه مرة أخرى من ناحية المصلحة، لا أقول من ناحية مبدئية، إذا أردنا استمرار الحياة الكريمة في الكويت». واسأله في النهاية: هل أن الشيعة الكويتيين مغبونون؟ يجيب: «هذا غير صحيح. في كل مكان بالكويت لا توجد فئة تحتل الحيّز الأكبر. إن الشيعة كويتيون أصليون، موجودون في الكويت منذ 200 سنة، هم بنوا الكويت، شقوا عباب البحر مع البدو. هذه المسألة لم تكن مطروحة، بدأنا نسمع بها الآن، وعلينا واجب عدم تصدير أو توريث هذه المسألة لأبنائنا. لم نترب على التفرقة أو على معرفة أن هذا شيعي أو غير شيعي، هذا من أي قبيلة، أو الأسوأ هذا من أي فخذ؟ الكويتي هي الصفة فقط التي يحملها كل منا. وكل كويتي عندما يتدرج في الوظيفة أو السياسة يعرف انه يمثل نفسه، لا يمثل فئة أو طائفة، وهو وصل نتيجة كفاءة معينة أو تقدير معين. وليس لوجود كوتا محددة أو نظام حصص يستوجب ذلك». [c1] * (الشرق الأوسط) اللندنية[/c]