قصة قصيرة
في ظهيرة شديدة القيظ من أيام حزيران ، خرجت من منزلي في الرباط ، قاصدة المدرسة ، الشارع طويل موحش يخلو من أي مخلوق ، في وسطه أشجار باسقة تتدلى أغصانها ، كنت أمشي الهوينى ، فما زالت دقائق تفصلني عن موعد بدء الدرس الأول ، والمدرسة على بعد خطوات قصارفي الليل ، في شارع طويل موحش تتوسطه أشجار ، كنا نسير وحيدين ، أنا وأنت يا حبيبي ، كفك حمامة تحط في يدي ، كلماتك غيث ، تتشربه روحي ، وأنا جذ لي أزغرد- أحببني ، أرجوكتكبر كفك في يدي ، أمواج من الحنان تحيط بي وتبعث في أعماقي البهجة- عانقني ، طوقني بساعديكأحلامي سهلة محبطة ، مهيضة الجناح ، وأنا نشوى ، حديثك عذب يحييني وينقذني من وهدتي ، كلي أذان تصغي لئلا يضيع حرف من حروفك الرائعاتتحدثني عن أمالك والتطلعات ، وأنا أتشبث عل اللحظة تكبر وتستطيل ، أشعر أنني أسير بين النجوم ، أنا بقربك مليكة هذا الكون وأنت مولايصوتك ساحر يجعل الأماني تتناسل وتنمو، تتفرع منها الأغصان ، وتزهر الثمارلم أستمرئ الفرح يا حبيبي ، ولم أعتد البهجة ، فسرعان ما تعاونت مجموعة أياد لتغتال مني الألق وتخنق في نفسي الوهجأأنت غاضب ؟؟ يعصف بي غضبك هذا وتزداد حيرتي ويشتد قلقي ، لم الغضب ذاك ؟ ولم أجن إثما .... ماذا نقلوا لك ؟ وأي نوع من الآثام اقترفت يداي ، يشلني شعوري بالظلم، أتصدق كل ما يقولونه عني وتقسو وأنت بحر حنان ؟ يستمر غضبك ويتضخم وأنا حيرى ، لم تدع لي مجالا للدفاع عن نفسي ، أمن غير ذنب تعاقبني ؟ تهرب مني وأنا أجري خلفك أناديك أن عد يا حبيبي فلا يخرج صوتي، لم أعد أرى إلا إياك ، وأنت ضنين علي بالتحية ، غضبك رهيب ، ما أقساه ، يتسلط على نفسي ويفقدني توازنيشيء بارد يقف على رقبتي ، سكين حاد نصلها تقطع حقيبتي اليدوية وهي على كتفي ، صوت قهقهة مكتومة يسخر مني- بمن تحلمين أيتها العجوز ؟؟أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد ، ألحظ راكبها من الخلف ، يبدو مجعد الشعر أسود ، يرتدي الجينز ، لم أستطع تسجيل رقم الدراجة ، كل ما فعلته أنني صرخت :-أيها اللص ، أعد إلي حقيبتيأنت جميل في كل الأمور ...... في حديثك وسكوتك ، في ابتسامتكوعبوسك ، أفزعني غضبك ذاك وأيقنت أنني قد فقدتكأعدو خلف الدراجة ، ولكن عبثا ، تدخل في أحد الفروع الجانبية ، أبقى لوجدي مرعوبة ، سرقوا أوراقي وهويتي وجنسيتي والمفاتيحكل شيء سرقوه يا حبيبيالوطن ، الأهل ، الأصدقاء ، الهوايات، الاهتمامات ، الشعور بالأمان ، لم يبق لنا إلا الخيال- كيف تمكنوا منك أيتها البلهاء ؟ يسرقونك في عز النهار ؟خيالي يكبر ،، أراك في يقظتي والمنام ، أي قدرة لك على الظهور ؟ رؤيتك تبعث في نفسي السرور ، فجأة تنبع لي ، لاشيء قربي ، وإذا بي أراك ، أحالمة أنا ؟ أدعك عيني علني وسنى ، لكنك حقا هنا .....أهرع لأسلم عليك ، منذ دهور لم تكحل عيني طلعتك ، أمسك نفسي ، وانظر وإذا بك تبتعد ، أما زلت غاضبا مني ؟- أي شيء فقدت يا آنسة ؟؟؟- كل شيء-عفوا ؟؟-فقدت حقيبتي ...- -هل استطعت رؤية السارق ؟؟؟- رأيت ظهره فقط.جئت مودعا ، ألحظ طيف ابتسامة على محياك ، أدرك بأنني لن أراك بعد اليومتمضي السنون وآنت تظهر لي ثم تختفي ، أحقا أنك تظهر أم يتراءىلي ؟ كل شيء أصبح بمقدوري أن أصنعه ، وبالخيال ، فما أعظم طاقتي وما أفظع جنوني-ماذا أضعت ياعانسة ؟- ضاع عمري كله بنصل السكين.