ككل ابن لهذا الوطن يحب أمه, شعرت بالاعتزاز و الفخر بالإنجاز الكبير الذي قام به رجال الأمن في الأيام الأخيرة من اكتشاف لخلايا نائمة جديدة كانت تهدف زعزعة أمن الوطن وإحداث البلبلة والفوضى والعبثية و الرجوع إلى دهاليز الجهل والظلمات. الخلايا الجديدة تؤكد أن مشكلة الإرهاب ما زالت قائمة وأننا كمواطنين ومسؤولين وكتاب ومثقفين ما زال لدينا الكثير لنقوله في هذا الصدد في محاولة مستمرة لتصحيح مسار التعاطي مع هذه المشكلة الكبيرة فما زال كهنة الإرهاب قادرين على تضليل أبنائنا وتجييشهم ضدنا ودعمهم بالمال لتنفيذ رغباتهم المجنونة في تدمير الوطن و تقطيع اوصاله سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا.لا بد من تقاسم العمل لمواجهة هذه المشكلة ولا يمكن أن ننتظر من رجال الأمن أن يقوموا بكل شيء وقد أعجبتني كلمة للواء منصور التركي في لقاء بثته قناة الإخبارية منذ بضعة أيام عندما قال:( التصدي للانحراف الفكري لدى هذه الجماعات ليس من مهمة وزارة الداخلية) و هذا الكلام صحيح فعمل رجل الأمن ينحصر في إحباط العمل التخريبي و القبض على الأفراد الذين قاموا به وإيداعهم السجن تمهيداً لمحاكمتهم و متابعة فلولهم التي لم يتم القبض عليها. الجانب الأهم الذي يجب التصدي له هو الجانب الفكري للمشكلة ومحاولة تفنيد الفكرة التكفيرية ونقض دعاواها من خلال الحجة بالحجة والنقاش العقلي الذي من خلاله يقوض هذا الفكر المنحرف المجرم, هذا الجزء من العمل ما زال متعثراً فهؤلاء الشباب الصغار كلهم جاءوا وانضموا لصف الإرهاب والإرهابيين بعد 11 سبتمبر وبعد لجان المناصحة والاستتابة والإخوة المفرغين لدعوة هؤلاء الشباب وكتاب الإنترنت المتخصصين في الرد على هذه الأفكار.منذ أن خرجت علينا لجان المناصحة هذه و هي تسوق لنا البشائر تلو البشائر عن انتصاراتها و بطولاتها المصنوعة من ورق, قالوا إن مشكلة الإرهاب قد تم القضاء عليها بنسبة 80% في إحصائية لا أدري من أين جاءت.قالوا إن الشباب المنحرف قد رجعوا إلى الحق و تركوا ما كانوا عليه, لكننا رأينا منهم من عاد وانخرط في سلك الموت مرة أخرى ولم يمض على إطلاق سراحه سوى فترة بسيطة. لجان المناصحة والردود هذه قد فشلت فشلا ذريعاً من وجهة نظري في تنفيذ المهمة التي وكلت إليها ولم تقم بواجبها في استعادة أبنائنا من براثن الإرهاب ولم تستطع أن تفند حجج الإرهابيين و لم تقض عليها تماماً وإلا لما وجدنا هؤلاء المتطوعين الجدد من الشباب الصغار يركضون وراء دعاة البيعة وأدعياء المهدوية وكل أولئك المرضى النفسيين الذين يتجولون في طول وعرض عالمنا الإسلامي من المغرب إلى اليمن ويتسلل بعضهم لسطح البيت الحرام في رمضان ليغرر بالشباب الطائش المتحمس والذي لا يسلم من سفه في بعض الأحيان بالحديث عن قرب زوال الدنيا ووجوب الجهاد - بمفهومهم هم - وعن الغربة المعاصرة وعن مفهوم التضحية بالروح والعزلة الشعورية واعتزال مجتمع الجاهلية وطلب العلم الشرعي - أي مسائل التكفير بالدرجة الأولى - وعن الاقتداء غير المقصود بفكر الخوارج الذين يقول شاعرهم الطرماح بن حكيم :وإني لمقتاد جوادي وقاذف[c1] *** [/c]به وبنفسي العام إحدى المقاذففيارب إن حانت وفاتي فلا تكن[c1] *** [/c]علي بشر بخضر المطارفولكن قبري بطن نسر مقيله [c1] *** [/c]بجو السماء في نسورعواكفوأمسي شهيدا ثاويا في عصابة [c1] *** [/c]يصابون في فج من الأرض خائففوارس من شيبان ألف بينهم[c1] *** [/c]تقى الله نزالون عند التزاحفإذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى[c1] *** [/c]وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحفهذا الطرح الانتحاري المفارق للحياة المزعجة إلى الجنة و الحور العين - بزعمهم - يغري الشباب كثيراً, بخلاف ما يعرضه القائمون على لجان المناصحة الذين لا يقدمون للشباب شيئاً يذكر, خصوصاً أن هذه الدعوة للموت تأتي لمن يعيش في نمط من الحياة الفارغة والوقت الطويل الممتد الذي لا يجدون فيه ما يملؤونه به. لو أنهم وجدوا حياة حقيقية لما أغراهم مثل هذا الطرح . لو أن الشباب وجدوا المحاضن التي تستوعب مواهبهم وإبداعهم بحيث يستكشف كل واحد منهم, ولداً أو بنتاً, وما هي مواهبه وما هي مكامن الإبداع في روحه, أعني مكامن الإبداع التي تدعو للسلم و تحث عليه وتعزز من قيمة الحياة واحترامها كحياة , سواء حياته أو حياة الآخرين لما فعلوا ما فعلوه, خذ على سبيل المثال الفن, أنا أعتقد أن من يملك الحس الجمالي الراقي الرائع الذي يصل به أن يعزف على آلة الكمان لا يمكن أن يفكر في أن يقتل نملة, لأن الإحساس بالجمال و القدرة على إظهار الجمال للناس يعطي الإنسان قوة سلمية في ذاته لا يمكن أن تحيد إلى الطريق الخطأ إلا في حالات لا تذكر. الإحساس بجمال الحياة وتذوقها وتقديرها هو ما يجب أن يبث في عقول الشباب بدلاً من جهات المناصحة التي لا أرى فيها تقدم أي شئ مغر.[c1]* نقلاعن / صحيفة(الوطن) السعودية [/c]
نجح رجال الأمن و فشلت لجان المناصحة
أخبار متعلقة