رفيق ياسين درهم : باحث متخصص بعلم الوثائق ، الأمين العام للمؤسسة الوطنية للتوثيق التاريخييعتبر علم المصكوكات والنقود من العلوم الوثائقية والتاريخية والأثرية الهامة التي حظيت خلال الأعوام الأخيرة باهتمام المؤسسات الأكاديمية وخاصة قسم المكتبات والمعلومات بجامعتي صنعاء وعدن ناهيك عن التوجهات الوطنية الجادة لقيادات وزارة الثقافة والبنك المركزي اليمني ومؤسسة تخطيط برامج التنمية الثقافية لإنشاء متاحف متخصصة لحفظ وتوثيق المصكوكات والنقود اليمنية ( القديمة – الإسلامية – الحديثة) من خلال انتهاج سياسات وطنية حكيمة لشرائها من هواة جمع وتوثيق المصكوكات حرصاً على تأمين الموروث التاريخي الوثائقي لليمن من التهريب والعمل على تنمية الوعي الوطني بأهمية الحفاظ على الوثائق الهامة إضافة إلى كون المصكوكات والنقود اليمنية تعتبر من الوثائق التاريخية والسياسية الهامة.كما لا يمكننا إغفال الدلالات الدينية والفنية الإبداعية ( رسوم – نقوش – زخارف – أشكال هندسية متقنة) التي تتضمنها المصكوكات أحد أهم الوثائق والشواهد والدلائل الأكثر مصداقية لعهود وعصور تاريخية موغلة في القدم شابها الكثير من الأخطاء والمغالطات والأحقاد ولكون المصكوكات والنقود من المكونات الرئيسة للهوية الوطنية فقد تنامي الاهتمام بها خلال الأعوام الأخيرة. نحاول من خلال هذا البحث التطرق إلى بعض القضايا الهامة عن هذا العلم والمجال المهم.[c1]الأبعاد والدلالات الوثائقية والتاريخية للمصكوكات والنقود اليمنية والبدايات الأولى للاهتمام بهذا العلم [/c]ظل مجال وعلم المصكوكات والنقود لعقود عديدة يدرس باعتباره أحد الفروع العلمية الهامة لعلم الآثار الذي يعنى ( بدراسة البينة المادية الدالة على ماضي الإنسان والتي تشمل الموضوعات التي يمكن رؤيتها وتحسسها وقياسها وتصنيفها ). (1)وانطلاقاً من هذه الأطروحات العلمية يؤكد علماء الآثار أن المصكوكات تعتبر من المصادر والبينات الأثرية الهامة لدراسة تاريخ المجتمعات القديمة بل أنها تشكل لهم مصدراً معلوماتياً هاماً يمكنهم من وصف ميدان دراسة الأشياء العتيقة، في الوقت ذاته ظهرت العديد من الدراسات التاريخية الهامة التي ترى ضرورة وأهمية إيلاء المؤسسات الأكاديمية التاريخية اهتماماً كبيراً بعلم المصكوكات والنقود وذلك لما له من علاقة وثيقة بعلم التاريخ ولكون المصكوكات تعتبر مصدراً وثائقياً معلوماتياً صادقاً للتحقق والتأكد من الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والدينية لمجتمع من المجتمعات أو شعب من الشعوب.وهذا ما يؤكد العديد من الرؤى العلمية لنخبة من المؤرخين وفلاسفة التاريخ وعلم الآثار ومنهم أستاذ علم الآثار ( ستيوارت بيجوت) الذي يؤكد أن علم الآثار هو فرع في الواقع للدراسة التاريخية ويؤيده في ذلك المؤرخ لانجلو وسيتنوبس بقوله أن ((التاريخ يصنع من وثائق)) (2) وعلى الرغم من وجود أطروحات علمية معارضة لهذه الآراء التي مازالت تؤكد أن هناك تبايناً علمياً جوهرياً في مهام واختصاصات كل من علم الآثار والتاريخ، إلا أن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن المصكوكات أصبحت من المصادر الوثائقية التاريخية الهامة لكتابة التاريخ، كونها تتضمن كتابات ومعلومات وتواريخ توثق علمياً العديد من الأحداث والمراحل السياسية والاقتصادية والدينية والفنية التي مرت بها العديد من المجتمعات أثناء مراحل تطورها.ناهيك على أن عمل واهتمام المؤرخ الأكاديمي ينصب بدرجة علمية رئيسة على الكتابات وكل ما هو مدون في الوثائق الحجرية المسندية أو المسكوكات والنقود أو أي وعاء معلوماتي، وإجمالاً هناك إجماع لدى معظم المؤرخين والأثريين على أن المصكوكات والنقود تعتبر من أهم وأصدق المصادر الوثائقية التاريخية والأثرية الأساسية لكتابة ومعرفة تاريخ المجتمعات والدور الذي كانت تلعبه النقود في هذه المجتمعات عبر مختلف العصور، حيث (( يعتمد مدى ما تلعبه النقود من دور في المجتمع على تركيبة هذا المجتمع، وإلى حد ما فإن تأكيد عكس ذلك هو أيضاً مقبول : فإن كنا نرى كيف تؤدي النقود وظيفتها في المجتمع المعني يمكننا أن نحكم على طابع هذا المجتمع وعلى العلاقات المادية والاقتصادية (( والسياسية والثقافية)) بين الناس فيه.)) (3)إن مراحل تطور البشرية تتباين فيما بينها من جملة ما تتباين به، بماهية النقود التي كانت متداولة فيها.[c1]لمحة تاريخية عن اهتمام المؤسسات العلمية الأكاديمية اليمنية بعلم المسكوكات (1970 - 1989م) [/c]كان لتأسيس كلية التربية في عدن (1970م وجامعة صنعاء (1970م) أوائل السبعينيات من القرن الماضي دور وطني علمي هام تجلى في بدء اهتمام هذه المؤسسات الأكاديمية بكل ما له علاقة وثيقة بالحضارة اليمنية وبتاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر.ومن أجل منح هذه القضايا العلمية الهامة المزيد من التطوير والتحديث الأكاديمي المنهجي تم إنشاء أقسام تخصصية في مجال الآثار والتاريخ حيث كان من المهام الرئيسة لهذه الأقسام تدريس ودراسة الحضارة اليمنية وحث جيل الثورة على دراسة تاريخ اليمن القديم أو الحديث والمعاصر والتعريف بالموروث الحضاري العظيم لليمن.وخلال هذه المرحلة حظيت المصكوكات اليمنية باهتمام القائمين على هذه المؤسسات الأكاديمية من خلال اعتمادهم مادة علم المسكوكات ضمن المقررات الأساسية على طلبة قسمي الآثار في جامعتي صنعاء وعدن.وكان من أبرز النتائج العلمية في هذا المجال تبلور أفكار علمية تدعو إلى ضرورة إنشاء متحف للآثار بجامعة صنعاء عام 1982م يعنى بتوثيق الآثار اليمنية عامة والمسكوكات اليمنية خاصة.ولقد كان لتأسيس هذا المتحف الأكاديمي المصغر دور علمي هام في تنمية الوعي الأثري والتاريخي لدى طلبة وطالبات جامعة صنعاء عامة، ناهيك عن البدء في التعامل العلمي الجاد والمنهجي مع البينات الأثرية للحضارة اليمنية.(.. ومن المعروضات الأثرية التي يتميز بها المتحف، مجموعات من العملة السبئية الفضية نقش على أحد وجهي كل عملة صورة الحاكم الذي في عهده هذه العملة وتحيط بالصورة كتابة بالحروف الخاصة باللغة القديمة، ونقش على الوجه الآخر من العملة رأس ثور وهو الذي يمثل المقه إله القمر، وتعبر هذه العملات عن أن التعامل الاقتصادي في ذلك العصر قد يأتي في إطار النظام الاقتصادي النقدي العيني والتبادل بين الطرفين المتعاملين في السوق)). (4)كما كان لتنامي الوعي الأكاديمي الوطني بعلم المصكوكات والنقود اليمنية دور فاعل في بدء بعض المؤسسات المعنية بالثقافة والمتاحف الوطنية بالاهتمام بجمع وتوثيق مجموعات محدودة من المسكوكات اليمنية الخاصة بتاريخ اليمن القديم وتاريخ اليمن الإسلامي بهدف حفظها وعرضها في هذه المتاحف التقليدية من أجل تنمية الوعي الوطني وإنعاش مجال السياحة في اليمن.وخلال هذه الفترة الزمنية برزت العديد من الشخصيات الأكاديمية اليمنية المتخصصة في علم الآثار وبعض المؤرخين والباحثين في مجال التاريخ الذين أولوا اهتماماً علمياً محدوداً بالمصكوكات اليمنية القديمة أثناء إعدادهم العديد من الدراسات والبحوث الميدانية الأثرية.ومن أهم الشخصيات الأكاديمية أ.د/ محمد عبد القادر با فقيه رحمه الله – أ. د /يوسف محمد عبدالله – أ. د/ عبده عثمان غالب – الأستاذ الوثائقي المؤرخ العالم القدير/ مطهر بن علي الإرياني – المؤرخ سلطان ناجي – الدكتور عبد الحليم نور الدين والدكتور محمد با سلامة – الأستاذ/ يوسف الطيار – والأستاذ الوثائقي محمد درهم زيد.[c1]اهتمام المستشرقين والأوروبيين[/c]وعلى الرغم من الأهمية الأثرية والتاريخية والوثائقية للمصكوكات اليمنية إلا أننا نجد ندرة في الدراسات والبحوث الأكاديمية الأثرية للمصكوكات اليمنية الخاصة بتاريخ اليمن القديم.فالمصكوكات الخاصة بهذه العهود التاريخية القديمة حظيت باهتمام متزايد من قبل نخبة وكوكبة من المستشرقين والأكاديميين الأوروبيين المهتمين بدراسة الحضارة اليمنية القديمة حيث حققوا نجاحات وسبقاً علمياً في إعداد بحوث توثيقية تاريخية هامة عن المسكوكات اليمنية الخاصة بتاريخ اليمن القديم وتاريخ اليمن الإسلامي ويأتي المستشرقون الألمان في طليعة المهتمين بدراسة كل ما له علاقة بحضارة وتاريخ اليمن.[c1]ألمانيا في طليعة الدول الأوروبية المهتمة والداعمة لمجال الوثائق والتوثيق في اليمن[/c]ليس من قبل المبالغة والمزايدة حينما نؤكد الدور الرائد للمستشرقين والأكاديميين والباحثين الألمان والحكومة الألمانية في مجال الاهتمام الكبير بالحضارة اليمنية القديمة وبالتاريخ اليمني عامة وبالمسكوكات اليمنية والوثائق اليمنية خاصة، كونهم دائماً السباقين المبدعين في مجال الدراسات الحضارية والاستشراقية عن اليمن حيث يعتبر المستشرق الألماني نوتسيل أول من أعد دراسة علمية أكاديمية عن نقود الأسرة الرسولية حصل بها على رسالة الدكتوراه التي طبعت في برلين سنة 1891م.(5) أما أهم (( الدراسات وأحدثها فتلك الدراسة التصنيفية التي ضمنت العدد السادس (2003م) من الحولية الأثرية المسماة البحر الإريتري ( ماري اريتريوم) والتي تصدر سنوياً عن متحف موروث الأمم بمدينة ميونخ الألمانية وقد خصص هذا العدد لنشر كتاب كامل عن صنعة النقد في العربية السعيدة قبل الإسلام تأليف الباحث ((ستيوارت مورنرو – هاي)) الذي قضى عدة سنوات في إعداد ودراسة مادة الكتاب)). (6)ويعزى نجاح المستشرقين الألمان خاصة والمستشرقين الأوروبيين عامة قي مجال دراسة الحضارة اليمنية إلى اهتماماتهم المبكرة بجمع وامتلاك مجموعات نادرة وهامة من المسكوكات اليمنية ناهيك عن ثراء العديد من المتاحف والمؤسسات العلمية الأوروبية بالكثير من المسكوكات اليمنية التي تم جمعها من قبل العديد من المستشرقين والرحالة والباحثين والدبلوماسيين الذين زاروا اليمن منذ أوائل القرن السابع عشر الميلادي.كما لا يمكننا إغفال الدور الهام لبعض البعثات الاستكشافية الأثرية الأوروبية والسوفييتية والأمريكية في جمع الكثير من المصكوكات أثناء قيامها بأعمال التنقيب عن الآثار اليمنية ومن ثم الحرص والاهتمام بحفظ وتوثيق هذه المصكوكات في المراكز والمؤسسات والمعاهد العلمية والمتاحف الأكاديمية المتخصصة في بلدانها وهذا ما مكن العديد من الباحثين والأكاديميين الأوروبيين فيما بعد من إثراء الدراسات العلمية في علم المصكوكات الخاصة باليمن.في حين نجد ركوداً علمياً في إعداد البحوث الأكاديمية عن المصكوكات الخاصة بتاريخ اليمن القديم خاصة، وذلك نتيجة لافتقار المؤسسات الأكاديمية والمتاحف الوطنية لمجموعات متكاملة للمصكوكات الخاصة بالدويلات والممالك القديمة ويعزى ذلك إلى تدني الوعي الوثائقي بأهمية المصكوكات وإلى تعرض العديد من المتاحف لأعمال النهب والسلب لأهم المقتنيات فيها، وعوامل عديدة لا مجال للتطرق إليها في هذه الورقة.[c1]الوعي الأكاديمي بالبعد الوثائقي للمصكوكات في مجال الدراسات التاريخية من خلال الاهتمام بتطوير مناهج علم التاريخ في جامعتي صنعاد وعدن [/c]شهدت جامعتا صنعاء وعدن أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي تطورات علمية هامة نتيجة لعودة العديد من الطلبة اليمنيين الذين انهوا دراساتهم الأكاديمية العليا في مجالات علمية عديدة وخاصة في مجالات علم التاريخ والآثار والمصكوكات وقد كان لعودة هذه الكفاءات العلمية الأكاديمية المتميزة دور هام في إحداث نقلة علمية في مناهج وطرق تدريس العديد من العلوم الإنسانية والتطبيقية، بما يتواكب مع التطورات العلمية الأكاديمية التي تشهدها العديد من الدول المتقدمة، ولذلك ليس بالمستغرب أن تشهد الكثير من مناهج التعليم العالي تطورات علمية تتضمن علوماً جديدة ومدارس ونظريات وأطروحات جديدة في التاريخ والآثار والمصكوكات وعلم الوثائق والتوثيق، ناهيك عن إلقاء الأضواء أكاديمياً على العديد من القضايا العلمية التي لم تحظ باهتمام أساتذة قسمي التاريخ والآثار خلال فترة السبعينيات.ومن هذه المناهج مناهج التاريخ عامة ومناهج البحث التاريخي والمؤلفات الأكاديمية في مجال المصادر التاريخية أو مصادر المعلومات التاريخية والعلوم والمعارف المساعدة للمؤرخين على دراسة فترة تاريخية معينة.ويعتبر كتاب منهج البحث التاريخي للأستاذ الدكتور الوثائقي القدير أحمد قائد الصايدي أستاذ مادة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء، من أهم الكتب الأكاديمية اليمنية التي تطرقت بمنهجية علمية معلوماتية رصينة إلى الكثير من المصادر الوثائقية المعلوماتية التاريخية والسياسية والدينية ( الأختام – العملات – الشعر (الرنوك) شعار الدولة - .. الخ) وهي مجالات وقضايا علمية أصبحت أساسية ورئيسة في مشروع مؤسسة تخطيط برامج التنمية الثقافية، ومما لاشك فيه أن هذه الكتب العلمية القيمة قد أسهمت بدور علمي فاعل في نشر الوعي الوثائقي التاريخي السياسي والدلالات والأبعاد الوثائقية والسياسية التي تتضمنها المسكوكات والنقود اليمنية.تكمن أهمية المصكوكات والعملات (النميات) (( في ما تقدمه للباحث من معلومات قيمة، وسواء أكانت العملات معدنية أو ورقية، فإنها تحمل صوراً للآلهة أو الملوك أو الأمراء، وأسماء وذكرى حوادث، إضافة إلى سنة صكها، فتمكن الباحث بذلك من تحديد أزمنة العهود السياسية وحياة الملوك والأحكام، وتدله على تاريخ الأساطير والأديان ومستوى الفنون والصناعة والحياة السياسية والاقتصادية ومدى النشاط التجاري.. الخ)). (7)ولذلك يعتبر (( علم النميات أو النومات (numismatics) أي علم النقود أو المصكوكات، من العلوم الهامة في دراسة نواح من التاريخ، فالعملة والأنواط بما تحمله من صور الآلهة وصور الملوك والأمراء وأسمائهم وذكرى الحوادث التاريخية، وسنوات ضربها تقدم للباحثين مادة تاريخية قيمة بالنسبة للتاريخ القديم وتاريخ العصور الوسطى في المشرق والمغرب على السواء فالعملة اليونانية – مثلاً- تكشف عن كثير من الحقائق في تاريخ الجماعات السياسية التي كانت ذات كيان خاص مكنها من أن هذه العملة، ولم يعرف وجود بعض هذه الجماعات إلا عن طريق عملتها التي حفظها التاريخ من الضياع، وتساعد العملة والمسكوكات عامة في دراسة تاريخ الأساطير والعبادات والفنون والعلاقات السياسية ونشاط التجارة أو فتورها وكذلك الحال بالنسبة للعملة والمصكوكات التي صنعتها الحكومات والدول والمقاطعات والمدن والهيئات الدينية أو العلمانية في أنحاء أوروبا في العصور الوسطى)). (8)وأود في هذا السياق أن ألفت الانتباه إلى الندوة العلمية الهامة والقيمة التي عقدتها جامعة عدن في 8/12/2004م بعنوان (( عدن في ظل حكم الزربعيين والأيوبيين والرسوليين)) تكمن أهميتها في إبرازها وتأكيدها علمياً واكاديمياً الدلالات والأبعاد العلمية الوثائقية الهامة للمصكوكات وفي التأكد من صحة العديد من الأحداث التاريخية والسياسية والدبلوماسية والدينية التي يكتنفها الغموض وتتناقض فيها الكتابات التاريخية الكثيرة التي غالباً ما شوبها المبالغات والاجتهادات والأخطاء التاريخية الجمة.لقد أكدت العديد من الدراسات والبحوث التاريخية لنخبة من الشخصيات الأكاديمية في علمي التاريخ والمصكوكات في جامعة عدن الأهمية العلمية الوثائقية الكبيرة للمصكوكات اليمنية في مجال تصحيح الكثير من كتب التاريخ اليمني على سبيل المثال((....وفي موضع آخر من أوراق البحث يؤكد الدكتور محمد بلغفير عما ذكره من قطيعة وعداء سافرين من قبل سيدة بنت احمد إزراء الخلفية المستعلي من خلال قراءته في الدنانير الصليحية،حيث يقول)....ويظهر،مما لا يدع مجالاً للشك أن عدم ضرب اسم المستعلي على النقود الصليحية يعود وبدرجة رئيسة إلى عدم اعتراف الملكة سيدة بنت أحمد بتعينه إماماً وخليفة بدلاً من أخيه الأكبر نزار،خصوصاً وأن المستنصر كان قد أوصى بتعيين ابنه الأكبر نزار خليفة له والحقيقة أن الملكة سيدة بنت أحمد على الرغم من إيمانها المطلق بالمذهب أو بالأيديلوجية الاسماعيلية وعدم رضاها بالاختراقات الخطيرة التي مست صميم هذه الأيديلوجية الاسماعيلية فإنها اضطرت وعلى مضض أن تحني رأسها للعاصفة التي أتت من مصر الفاطمية المتمثلة باغتصاب الخلافة من نزار المستنصر بالله من قبل أخيه(المستعلي)وأن تبقى جسوراً بينها وبين الخليفة الفاطمي بسبب الفتن والقلاقل التي تفجرت في وجه دولتها الضعيفة والمتهالكة،لعل ذلك ينقذها وينقذ دولتها من الانهيار،علاوة على عدم رغبة الصليحيين والفاطميين على حدوث انشقاق بين رؤساء الدعوة في مصر وأنصارها في اليمن،وكيفما كان الأمر فقد اضطرت مؤخراً سيدة بنت أحمد أن تضرب اسم المستعلي الخليفة الفاطمي على النقود الصليحية اسمه في وقت متأخر حيث ظهر اسمه على تلك النقود الصليحية ابتداءً من 508هـ في حين انه خلف والده سنة 495هـ/1101م أي بعد 13سنة من تولية الحكم....الخ)).(9)إن الهدف العلمي الرئيس من إيراد هذا المثال على الرغم من كونه لا يتوافق مع الفترة التاريخية والسياسية والثقافية التي حددها مشروع المؤسسة(1948م-2004م) التأكيد من أهمية ماتتضمنه المصكوكات من معلومات ودلالات وثائقية تاريخية سياسية دبلوماسية دينية هامة أصبحت تشكل للمؤرخين والباحثين مصدراً رئيساً وهاماً للمعلومات التاريخية ولإعادة صياغة التاريخ القديم والإسلامي والحديث.[c1]المصكوكات والنقود في التشريعات القانونية الوثائقية في اليمن(1994-2002م)[/c]شهدت اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة تطورات هامة شملت جميع المجالات التنموية والعلمية والتاريخية والوثائقية- بعد أن ظلت لعقود من الزمن تفتقر للمراكز الوثائقية العامة والتخصصية،وللتشريعات الوثائقية الخاصة بالحفاظ على الوثائق اليمنية بكافة أشكالها وأوعيتها المعلوماتية- فقد شكل صدور القرارات الجمهورية الحكيمة رقم(25) لسنة1991م بشأن إنشاء المركز الوطني للوثائق والقرار رقم(20) لسنة 1994م بشأن قانون حفظ الوثائق.[c1]القانون رقم(20) لسنة 1994م بشأن حفظ الوثائق العامة- المادة(1)[/c]يعرف القانون الوثيقة بأنها))أية ورقة مكتوبة أو صورة شمسية أو فيلم سينمائي،وكل وعاء لحفظ المعلومات يتم تثبيتها فيه بالحرف أو الرقم أو الصورة أو الرسم أو التخطيط،واياً كان شكله الطبيعي أو مواصفاته أو تاريخ إنشائه أو حصل عليه أثناء ممارسة نشاطه أي من الجهات المعنية أو شخص طبيعي أو اعتباري خاص)).[c1]الوثيقة في تعريفات بعض الباحثين الوثائقيين العرب:[/c]تعرف الباحثة الوثائقية العربية السورية دعد الحكيم الوثيقة:((بأنها كل ما أفاد التاريخ بمعناه الواسع بمعلومات من أي نوع سواء كانت الوثيقة مخطوطة أو مطبوعة أو مسجلة أو مصورة)).أما الوثائقي الأكاديمي الدكتور محمد قبيسي فيعرف الوثيقة:(بكل مدون يعطينا صورة أو جزء من صورة للمجتمع البشري وكل ما يحيط به كونياً في زمان معين ومكان معين)).ويعرف الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مدير الوثائق الملكية بالمغرب الوثيقة فيقول:((تهني الوثيقة في مدلولها العام،كل أثر قديم أو حديث يمكن الركون إليه والاعتماد عليه والثقة به في إثبات أمر أو نفيه،فهي لا تعني الآثار المكتوبة فحسب وإنما تعنيها وتعني ما سواها من الآثار والإشارات كالمباني والمسكوكات وأنواع الأسلحة والألوية والأواني والمفروشات)).(10)نلخص من خلال قراءاتنا الوثائقية للمادة(1)من قانون حفظ الوثائق العامة لعام1994م والمادة(1) لقانون الوثائق رقم(21)لسنة 2002م أن القانون القديم والقانون الحديث لم يورد في تعريف الوثيقة في المادة(1)من القوانين(القديم والجديد) مصطلح مصكوكات ونقود على الرغم من تضمن القانون رقم(20)توضيحات ومعلومات هامة يغلب عليها الشمولية والتعميم تعتبر المسكوكات من الوثائق نظراً لكون المصكوكات وعاء لحفظ المعلومات التي يتم تثبيتها فيه بالحرف أو الرقم أو الرسم أو التخطيط....الخ كما تضمن ذلك قانون حفظ الوثائق العامة السابق وهذا التعريف والتوضيح القانوني ينطبق تماماً على المصكوكات والنقود.[c1]أما المادة(1) من قانون الوثائق رقم(21) لسنة2002م:[/c]نجد عدم وجود مصطلح مصكوكات ونقود في تعريف ماهي الوثيقة إلا أننا حينما نقارن بين القانون رقم(20)لسنة 1994م وقانون الوثائق رقم(21) لسنة2002م يتضح لنا أن المشروع القانوني حرص على التأكيد والتوضيح وفقاً لرؤى مستقبلية وطنية حكيمة تأخذ في الاعتبار استيعاب القانون لكل ما هو وثيقة وذلك في ما تضمنته المادة(1) من قانون الوثائق:(...أي وعاء آخر أياً كان شكله الطبيعي أو مواصفاته أو تاريخ إنشائه أو حصل عليه أثناء ممارسة نشاطه أي من الجهات المعنية أو شخص طبيعي أو اعتباري خاص)).بهذا النص القانوني الوثائقي يجعل المصكوكات والنقود المعدنية والورقية تندرج ضمن الوثائق ونظراً لكون دور السك اليمنية القديمة والحديثة والمعاصرة تعتبر من ضمن أجهزة الدولة اليمنية في مختلف العصور التاريخية فإن سك وصناعة وإنتاج النقود المعدنية والورقية في البنك المركزي اليمني احد الأجهزة اليمنية الاقتصادية الحيوية والهامة يأتي في إطار ممارسته لنشاطه ومهامه الوطنية وهذا يتفق مع ما جاء في المادة(1) من قانون الوثائق من نصوص قانونية ذات دلالات وأبعاد تتصف بالعمومية والشمولية تجعلها أكثر مرونة على استيعاب كل جديد ومستجد في علم الوثائق التوثيق.[c1]اهتمام قسم المكتبات والمعلومات جامعة صنعاء بعلم المصكوكات كمصدر هام من مصادر المعلومات ووثائق أكثر مصداقية[/c]شكل إنشاء قسم المكتبات والمعلومات بجامعة صنعاء عام1995م نقله نوعية متميزة في مجال إرساء المداميك العلمية الأكاديمية لتأهيل وتدريب كفاءات علمية متخصصة تعني بالوثائق اليمنية عامة وكافة المصادر المعلوماتية عن اليمن قديماً وحديثاً ونظراً لكون المصكوكات والنقود اليمنية تعتبر من أهم المصادر المعلوماتية الوثائقية اليمنية واحد أوعية المعلومات الوثائقية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والدينية فقد تم اعتمادها من ضمن مواد المنهج الدراسي المقرر على طلبة قسم المكتبات والمعلومات.وما نأمله مستقبلاً أن يكون لهذا القسم الهام دور علمي وطني هام ومتميز في إيلاء علم المسكوكات والنقود المزيد من الاهتمام العلمي،وبحيث يتم الحرص على انتهاج سياسات علمية أكاديمية تسهم في تنمية الوعي العلمي الوطني بالأبعاد التاريخية والسياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإعلامية الدينية والفنية والدبلوماسية للمصكوكات والنقود عبر مختلف العصور التاريخية مع الاهتمام بانتهاج سياسات وطنية حكيمة للدراسات العليا بمنأى عن الشللية والمصالح والاحتكار وإرضاء رغبات ومخططات بعض المنتقدين.[c1]ملاحظة هامة:[/c]هذا البحث تم المشاركة به في الفعاليات العلمية الهامة لمؤسسة((تخطيط برامج التنمية الثقافية في ندوة رداء الدولة ومكونات الهوية الوطنية)). [c1]* باحث متخصص بعلم الوثائق الأمين العام للمؤسسة الوطنية للتوثيق التاريخي[/c]
|
دراسات
الأبعاد والدلالات الوثائقية والتاريخية للمصكوكات والنقود اليمنية 2-1
أخبار متعلقة