ليست محاولة للتشكيك في البخاري ومسلم والفقهاء الأسلاف.. ولكنها دفاع عن رسول الله
السيرة والتواريخ الزمنية الواردة في أمهات الكتب ترد على أحاديث البخاري وتؤكد أن ابنة أبي بكر تزوجت النبي وهي في الثامنة عشرة من عمرها.من هنا يتلقى الإسلام الكثير من الطعنات، عبر تلك المناطق الجدلية يتعرض رسولنا الكريم للكثير من الافتراءات والاتهامات.. زوجاته وعلاقاته بالنساء والكثير من القصص عن طرق زواجه بهن وتعامله معهن، الكثير من المغالطات التاريخية وعدم الدقة في الروايات يستغلها الكثيرون للهجوم على الإسلام ورسوله الكريم وتبقى أفواه علمائنا مغلقة على ما فيها من ردود علمية وعملية، مكتفية فقط بتسفيه المنتقدين والتشكيك في نواياهم، وحينما تظهر أصوات العقلاء لتدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدة بالتاريخ والروايات الموثقة عدم دقة الكثير من الروايات التي يأخذها البعض على الإسلام مثل رواية زواج النبي عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة وهي في عمر تسع سنين، تواجهها تلك العقبة المقدسة التي تقول بقدسية المناهج الفقهية القديمة، وكتب البخاري ومسلم، وتعصمها من الخطأ، وترفض أي محاولة للاجتهاد في تصحيح روايتها حتى ولو كانت محل شك، فهي - العلوم - وحيدة زمانها، والتي لا تقبل التجديد ولا الإضافة ولا الحذف ولا التنقيح ولا التعقيب ولا حتى النقد.بهذا المنطق يصمت علماؤنا أمام موجات الهجوم التي يتعرض لها الإسلام ورسوله، وإن تكلموا يأتي كلامهم غير منصف لأنه يأتي معتمدا على روايات قديمة تقول بقدسية المناهج القديمة ومعصوميتها من الخطأ، وكأن المسلمين من بعد القرن الرابع الهجري أصبحوا مخلوقات منـزوعة العقل، أصبحوا مسلمين من الفئة الثانية لا يقبل منهم الاستدراك أو النقد على ما قدمه الفقهاء الأوائل، وكذا هو الحال مع الرواية ذائعة الصيت التي يكاد يعرفها كل مسلم، والتي جاءت في البخاري ومسلم، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو صاحب الخمسين عاما قد تزوج أم المؤمنين (عائشة) وهي في سن السادسة، وبني بها- دخل بها- وهي تكاد تكون طفلة بلغت التاسعة، وهي الرواية التي حازت ختم الحصانة الشهير لمجرد ذكرها في البخاري ومسلم، رغم أنها تخالف كل ما لا يمكن مخالفته، فهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمني لأحداث البعثة النبوية، والرواية التي أخرجها البخاري جاءت بخمس طرق للإسناد وبمعنى واحد للمتن-النص- ولطول الحديث سنورد أطرافه الأولى والأخيرة التي تحمل المعنى المقصود، (البخاري - باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها - 3894): حدثني فروة بن أبي المغراء: حدثنا على بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة،... فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين».بالاستناد إلى أمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية ( الكامل- تاريخ دمشق - سير أعلام النبلاء - تاريخ الطبري - البداية والنهاية - تاريخ بغداد - وفيات الأعيان، وغيرها الكثير)، تكاد تكون متفقة على الخط الزمني لأحداث البعثة النبوية كالتالي: البعثة النبوية استمرت (13) عامًا في مكة، و(10) أعوام بالمدينة، وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام (610م)، وكانت الهجرة إلى المدينة عام (623م) أي بعد (13) عاما في مكة، وكانت وفاة النبي عام (633م) بعد (10) أعوام في المدينة، والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام (620م)، وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي، وكانت تبلغ من العمر (6) سنوات، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام (623م)، وكانت تبلغ (9) سنوات، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي أنها ولدت عام (614م)، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير.[c1]نقد الرواية تاريخيا:[/c]1 - حساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبى بكر-ذات النطاقين-): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ (10) سنوات، كما تروي المصادر ذاتها بلا اختلاف واحد بينها، أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ (27) عاما، ما يعنى أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام (610م) كان (14) سنة، وذلك بإنقاص (13) سنة من عمرها قبل الهجرة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن (27 - 13= 14سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ (10) سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة ) كان (4) سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ (4) سنوات كاملات، وذلك عام (606م)، ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها (14) سنة، لأن (4+10=14 سنة)، أو بمعنى آخر أن (عائشة) ولدت عام (606م)، وتزوجت النبي (620م)، وهي في عمر (14) سنة وأنه كما ذُكر بني بها-دخل بها- بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية، عام (624م)، فيصبح عمرها آنذاك (+14 3 + 1= 18سنة كاملة)، وهى السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي الكريم (عائشة).2 - حساب عمر (عائشة) بالنسبة لوفاة أختها(أسماء- ذات النطاقين): تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهي مقتل ابنها (عبد الله بن الزبير) على يد (الحجاج) الطاغية الشهير، وذلك عام (73هـ)، وكانت تبلغ من العمر (100)سنة كاملة، فلو قمنا بعملية طرح لعمر( أسماء) من عام وفاتها (73هـ)، وهى تبلغ (100) سنة فيكون ( 100 - 73=27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كليا مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية، فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات- وهي السنوات التي تكبر بها أختها (عائشة)- يصبح عمر (عائشة) (27 - 10=17سنة) وهو عمر (عائشة) حين الهجرة، ولو بنى بها - دخل بها - النبي في نهاية العام الأول يكون عمرها آنذاك(17 + 1=18 سنة) وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبي، وما يعضد ذلك أيضا أن (الطبري) يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبي بكر) قد ولدوا في الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح، ويكشف ضعف رواية البخاري، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية.3 - حساب عمر (عائشة) مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبي: يذكر (ابن حجر) في (الإصابة) أن (فاطمة) ولدت عام بناء الكعبة، والنبي ابن (35) سنة، وأنها أسن-أكبر- من عائشة بـ (5) سنوات، وعلى هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية، ولكن على فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح (البخاري)، يكذب رواية (البخاري) ضمنياً، لأنه إن كانت (فاطمة) ولدت والنبي في عمر (35) سنة، فهذا يعنى أن (عائشة) ولدت والنبي يبلغ (40) سنة، وهو بدء نزول الوحي عليه، ما يعني أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهى (13) سنة، وليس (9) سنوات، وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري.[c1]نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة:[/c]1 - ذكر (ابن كثير) في (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم: «ومن النساء... أسماء بنت أبى بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة»، وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام (4) من بدء البعثة النبوية، بما يوازى عام (614م)، ومعنى ذلك أنها آمنت على الأقل في عام (3) أي عام (613م)، فلو أن (عائشة) على حسب رواية (البخاري) ولدت في عام (4) من بدء الوحي، معنى ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام (4) من بدء الدعوة، أو أنها كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام (4) قبل بدء الوحي أي عام (606م)، ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م)، يساوي (8) سنوات وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث، وينقض رواية البخاري.2 - أخرج البخاري نفسه ( باب - جوار أبي بكر في عهد النبي) أن (عائشة) قالت: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قِبَلَ الحبشة»، ولا أدريكيف أخرج البخاري هذا، فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين، وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكَرَت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم، وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات، والمؤكد أن هجرة الحبشة، إجماعا بين كتب التاريخ كانت في عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام (615م)، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م)، فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحا، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون (عائشة) في هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة، + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقي لها آنذاك.3 - أخرج الإمام (أحمد) في (مسند عائشة): «لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج، قال: من، قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا، قال: فمن البكر قالت: أحب خلق الله إليك عائشة ابنة أبي بكر»، وهنا يتبين أن (خولة بنت حكيم) عرضت البكر والثيب-المتزوجة سابقا-، على النبي فهل كانت تعرضهن على سبيل جاهزيتهن للزواج، أم على أن إحداهما طفلة يجب أن ينتظر النبي بلوغها النكاح، المؤكد من سياق الحديث أنها تعرضهن للزواج الحالي بدليل قولها (إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً) ولذلك لا يعقل أن تكون عائشة في ذاك الوقت طفلة في السادسة من عمرها، وتعرضها (خولة) للزواج بقولها (بكرا).4 - أخرج الإمام (أحمد) أيضا عن (خولة بنت حكيم) حديثا طويلاً عن خطبة عائشة للرسول، ولكن المهم فيه ما يلي: «قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، والله ما وعد أبو بكر وعدا قط فأخلفه... لعلك مصبي صاحبنا»، والمعنى ببساطة أن (المطعم بن عدي) وكان كافرا قد خطب (عائشة) لابنه (جبير بن مطعم) قبل النبي الكريم، وكان ( أبو بكر) يريد ألا يخلف وعده، فذهب إليه فوجده يقول له لعلِّي إذا زوجت ابني من (عائشة) يُصبى أي (يؤمن بدينك)، وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جدا وهي: لا يمكن أن تكون (عائشة) مخطوبة قبل سن (6) سنوات لشاب كبير- لأنه حارب المسلمين في بدر وأحد- يريد أن يتزوج مثل (جبير)، كما أنه من المستحيل أن يخطب (أبو بكر) ابنته لأحد المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة، ما يدل على أن هذا كان وعدا بالخطبة، وذلك قبل بدء البعثة النبوية حيث كان الاثنان في سن صغيرة، وهو ما يؤكد أن (عائشة) ولدت قبل بدء البعثة النبوية يقينا.5 - أخرج البخاري في (باب - قوله: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) عن (عائشة) قالت: «لقد أنزل على محمد ـ بمكة، وإني جارية ألعب «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ»، والمعلوم بلا خلاف أن سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحي بما يوازي (614م)، فلو صدقنا رواية البخاري تكون (عائشة) إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة، ولكن (عائشة) تقول (كنت جارية ألعب) أي أنها طفلة تلعب، فكيف تكون لم تولد بعد؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحداث يؤكد أن عمرها عام (4) من بدء الوحي، عند نزول السورة كان (8) سنوات، كما بينا مرارا وهو ما يتفق مع كلمة (جارية ألعب).6 - أخرج البخاري ( باب- لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) قال رسول الله: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت»، فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه، فالحديث الذي أورده البخاري عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنها قالت كنت ألعب بالبنات - بالعرائس - ولم يسألها أحد عن إذنها في الزواج من النبي، وكيف يسألها وهى طفلة صغيرة جداً لا تعي معنى الزواج، وحتى موافقتها في هذه السن لا تنتج أثرًا شرعيًا لأنها موافقة من غير مكلف ولا بالغ ولا عاقل.نقد سند الرواية:سأهتم هنا ببيان علل السند في رواية البخاري فقط:جاء الحديث الذي ذكر فيه سن (أم المؤمنين) بخمس طرق وهي:حدثني فروة بن أبي المغراء: حدثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه. حدثنا معلى بن أسد: حدثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن عائشة.حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن عروة. وكما نرى ترجع كل الروايات لراو واحد وهو (عروة) الذي تفرد بالحديث عن أم المؤمنين (عائشة) وتفرد بروايته عنه ابنه (هشام)، وفي (هشام) تكمن المشكلة، حيث قال فيه (ابن حجر) في (هدى الساري) و(التهذيب): «وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم-جاء- الكوفة ثلاث مرات، قدمه -مرة- كان يقول: حدثني أبى، قال سمعت عائشة، وقدم-جاء- الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم - جاء- الثالثة فكان يقول: «أبي عن عائشة».والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقا في المدينة المنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء، وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه، ثم بدأ يقول (عن) أبي، بدلا من (سمعت أو حدثني)، والمعنى أنه في علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) هي أقوى من قول الراوي (عن فلان)، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه (هشام) عن (أبي) وليس (سمعت أو حدثني)، وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث، ثم النقطة الأهم أن الإمام (مالكاً) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل، فإذا طبقنا هذا على الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق، فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة بل كلهم عراقيون ما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق، بعد أن ساء حفظه ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرا طويلا، ولا يذكر حديثا مثل هذا ولو مرة واحدة، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك، وهو الذي رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة، فكفى بهاتين العلتين للشك في سند الرواية في البخاري، وذلك مع التأكيد على فساد متنها - نصها - الذي تأكد بالمقارنة التاريخية السابقة.أما ابتناء الفقهاء والمحدثين وأولهم البخاري على هذا الحديث أوهامًا من الأحكام عن زواج الصغيرات فهذه صفحة سوداء من صفحات التراث، سنؤجل المناقشة فيها إلى حين، والغريب أننا نجد الوهابيين يروجون مقولة، إن البلاد الحارة تجعل البنت تبلغ باكرا وهي صغيرة، وهذا كلام البلهاء والسفهاء لأن البلاد الحارة وهي الجزيرة العربية، مازالت حارة، بل إن الحرارة قد ازدادت أضعافا مضاعفة، فلماذا لا نجد البنت تبلغ قبل أوانها في السادسة أو حتى في التاسعة، كما أن ذلك يتناقض مع الحقائق العلمية التي تؤكد عدم وجود دور يذكر للمناخ في البلوغ المبكر.[c1]الخلاصة:[/c]أن السيدة عائشة تزوجت الرسول بعمر (18) سنة على التقدير الصحيح، وليس (9) سنوات، وأن هذه الرواية التي أخرجها البخاري ببساطة رواية فاسدة النص ومرتابة السند، لأنها تخالف الشرع والعقل والأحاديث الصحيحة والعرف والذوق والعادة، كما تخالف بشدة قصوى الخط الزمني لأحداث البعثة النبوية، فلا يجب أن نجل البخاري ومسلم أكثر مما نجل الرسول الكريم، فلنا أن نقبل ما رفضوه وأن نرفض ما قبلوه، فالإسلام ليس حكرا على الفقهاء والمحدثين ولا على زمانهم فقط، لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير، وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء فيها من أوهام وخرافات لا تنتهي، فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب ولا ينبغي أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبدا، فنحن وأهل التراث في البشرية على درجة سواء، لا يفضل أحدنا الآخر، فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا.[c1]* باحث إسلامي أزهري [/c]