أضواء
يحتاج العالم إلى صحوة ضمير تجاه الأحداث الكبرى من حروب وكوارث واعتساف للحقوق وتدمير للبيئة، أو اغتصاب أو احتلال بلد، والشعب البريطاني من بين معظم شعوب العالم يعتبر صاحب مبادرات تجعله لا يجامل أمام أي اعتداء، أو احتلال، أو أي ممارسات لا تتفق وإنسانية الإنسان..فقد تظاهر الملايين ضد احتلال العراق رغم تداخل المصالح مع أمريكا، وقاوموا كل فعل لحكومتهم لا يتفق مع مبادئهم وأخلاقهم، وحتى المقاطعات التي يتبناها المواطن تفرض على دولته السير وفق تلك الرغبات، ولعل دعوة الهيئات الأكاديمية البريطانية رفض التعامل مع أساتذة الجامعات الإسرائيلية، وهم صفوة المجتمع ممن نالوا أعلى الدرجات والجوائز، تعد تظاهرة أخلاقية، ليست بداعي أن بريطانيا هي من خلق ودعم إنشاء الدولة الصهيونية، وإنما يتطابق ذلك مع العديد من المواقف، وإلا كيف مارست دول مثل اليابان وألمانيا تعسفاً كونياً، ومع ذلك هناك رفض تام للاعتذار عن تلك الأفعال من قبل الدولتين، إلا ما يخص إبادة اليهود، لكن الإبادات الأخرى لشعوب آسيا أو أوروبا لم تدخل في هذا القاموس.. في الأيام الماضية دعا الأكاديميون البريطانيون إلى القيام بتظاهرة جديدة ضد الممارسات الإسرائيلية، ولم ينتظروا سطوة “اللوبي” اليهودي أو يخيفهم موضوع الاتهام بالضد للسامية التي أصبحت شعاراً يُحاكم من خلاله كل من ينتقد تاريخ وصورة إسرائيل الراهنة، بدواعي العنصرية، لأن هؤلاء ينطلقون من ضمائرهم، وقد أثاروا قبل ذلك إسرائيل عندما شنوا هجوماً عليها وطالبوا رفض استيراد أي منتج زراعي تقوم إسرائيل بتصديره من الأراضي الفلسطينية وتتكسب به على حساب المصلحة الوطنية لذلك الشعب.. صحيح أن السياسات البريطانية في مراحلها التاريخية مارست كل ما هو ضد حقوق الشعوب، وبنت ازدهارها على حساب ثروات قومية ووطنية للعديد من المستعمرات، ولا تزال الدولة تمارس نفس التعديات خلف أمريكا مثلما جرى في (الفوكلاند) الأرجنتينية، أو المساهمة بشكل كبير في احتلال العراق.. الشعب البريطاني يعتبر الأنضج بين شعوب العالم في الممارسة الأخلاقية عندما يتعامل مع كل الأجناس داخل بلده بمبدأ المواطنة المتكافئة وباحترام التقاليد والعادات والأديان ودون أي حساسيات أخرى، وبالتالي إذا كانت طليعة هذا المجتمع هي من تقود الرفض لإسرائيل من الأكاديميين، فهي خطوة لم نجدها حتى في دول لها تشابك مع القضية الفلسطينية وجميع ملابساتها، لكن الوعي الأخلاقي هو الذي فرض هذا التميز لأساتذة تلك الجامعات.. [c1]عن / صحيفة (الرياض) السعودية [/c]