طرابلس (لبنان)/14 أكتوبر/اليستير ليون: يصور المراقبون هذه المدينة المرهقة بأحداث العنف في شمال لبنان على أنها معقل للتشدد الإسلامي مما يثير قلق الزعماء اللبنانيين الحذرين من أي تدخل خارجي ، وربما تكون مخاوف الجانبين مبالغا فيها. وتقول أميمة عبد اللطيف الخبيرة بمركز الشرق الأوسط في معهد كارنيجي للسلام والتي درست الحركات السنية بالمدينة ومنها السلفيون «أشك كثيرا في أن طرابلس هي (قندهار) لبنان.» وأضافت «السلفيون الذين قرروا تبني العنف كوسيلة للتغيير حقيقة لا نعرف الكثير عنهم» ووصفت هؤلاء المسلحين بأنهم أقلية صغيرة ومختلفة تمام الاختلاف. ووجد مقاتلون إسلاميون ومنهم محاربون قدامى في حربي العراق وأفغانستان ملاذات في لبنان خاصة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تقع خارج نطاق سيطرة قوات الأمن. ويقول باحثون إن بعضهم لهم صلات بتنظيم القاعدة فضلا عن رجال دين محليين انبثقوا عن جماعات سلفية محلية لها تواجد مستمر منذ فترة طويلة في طرابلس ومدن أخرى يغلب على سكانها السنة. واعتقلت السلطات اللبنانية شبكة من المسلحين تزعم ضلوعهم في تفجيرين بطرابلس أسفرا عن مقتل 22 بينهم 15 جنديا بالجيش في أغسطس وسبتمبر. وأنحت سوريا التي رحلت قواتها عن لبنان عام 2005 بعد ثلاثة عقود من السيطرة باللائمة على متطرفين من «دولة عربية مجاورة» في انفجار قنبلة أسفر عن مقتل 17 في دمشق الشهر الماضي. وذكرت مصادر أمنية أن 24 مسلحا لبنانيا وفلسطينيا اعتقلوا في الأسبوع المنصرم بينهم سبعة يقال إنهم اعترفوا بالمشاركة في هجمات طرابلس. وأضافت المصادر أن المعتقلين الذين لم توجه لهم اتهامات بعد حصلوا على المتفجرات من مسلح له صلات بتنظيم القاعدة في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان. وتابعت أن المهاجمين كانوا يسعون إلى الانتقام من هزيمة الجيش العام الماضي لجماعة فتح الإسلام وهي جماعة تستلهم فكر القاعدة في مخيم نهر البارد الفلسطيني قرب طرابلس. وقتل 430 على الأقل بينهم 170 جنديا و220 مسلحا خلال قتال دام 15 أسبوعا دمر المخيم. وذكرت مصادر أمنية أن بعض المسلحين ومن بينهم زعيمهم شاكر العبسي وصلوا إلى لبنان عن طريق سوريا. وما زالت طرابلس على حافة الهاوية على الرغم من أن إشارات المرور في شوارعها الصاخبة تزينها صور لساسة متنافسين. وسكان المدينة ومعظمهم من السنة الذين تستطيع أصواتهم تغيير نتيجة الانتخابات البرلمانية التي تجري العام القادم محاصرون في الصراع السياسي اللبناني والمرتبط هو نفسه بمنافسة أوسع نطاقا. وأشعلت المشاعر الطائفية التي أثيرت خلال هذه الصراعات القتال وهدأتها مصالحة الشهر الماضي بين السنة والعلويين. والعرب السنة وهم أقلية في العراق الذي يحكمه الشيعة يمثلون إحدى الطوائف الرئيسية بلبنان إلى جانب الشيعة والمسيحيين. وتراجع الخوف بشأن نوايا سوريا خاصة بعد أن أقامت علاقات دبلوماسية مع لبنان أخيرا الأسبوع الحالي منهية ستة عقود من الغموض إزاء سيادة لبنان. لكن الكثير من فصائل طرابلس الإسلامية العديدة التي تتراوح أنشطتها من العمل الخيري إلى الأنشطة الدينية والسياسية والعمليات المسلحة ما زالت تشترك في العداء تجاه سوريا. ويتهم بعض رجال الدين المسلمين حزب الله الشيعي بمحاولة التشهير بالسنة على أنهم إرهابيون. وقال الشيخ بلال البارودي إن جميع الأصوليين وغير الأصوليين في طرابلس وقفوا إلى جانب جيش لبنان ضد جماعة فتح الإسلام. وأضاف الشيخ أن هذا الوضع لا يسعد حزب الله وقال إنهم يحاولون دائما إشعال المشكلات لتجسيد طرابلس ومسلميها على أنهم ضد الجيش. وسخر من أي محاولة لمساواة السلفيين بالإرهابيين. وصرح عدة قادة سنة بأنهم شعروا باليتم منذ اغتيال رئيس الوزراء الملياردير والزعيم الوطني المرموق لهذه الطائفة رفيق الحريري عام 2005 في بيروت. كما شعر السنة هنا أيضا بالإهانة التي وجهت لابنه وخليفته سعد الحريري في مايو حين سيطر حزب الله وحلفاؤه على بيروت لفترة قصيرة في استعراض للقوة. وينظر إلى أعمال العنف التي وقعت لاحقا في طرابلس على نطاق واسع على أنها محاولة لاتخاذ إجراء انتقامي من جانب السنة. لكن الإسلاميين في طرابلس أبعد ما يكونون عن الاتحاد. فالبعض يحافظ على حوار مع حزب الله ويشعر بالإعجاب من مقاومة الحزب لإسرائيل. بل إن بعض الجماعات السلفية وقعت تفاهما مع الحزب الشيعي في أغسطس لتتنصل منه في اليوم التالي. ووصف الشيخ بلال شعبان زعيم جماعة التوحيد وهي فصيل إسلامي حكم طرابلس لفترة علاقاته مع حزب الله بالممتازة. وتنتشر الشائعات المتناقضة ونظريات المؤامرة بسرعة في طرابلس حيث يقول بعض رجال الدين المسلمين إن ساسة محليين وقوى خارجية تستغل المخاوف الطائفية بين السنة لأغراضها الشخصية. وقال الشيخ محمد خضر الذي وصف نفسه بأنه سلفي معارض لعنف الفصائل إن السنة ليسوا بطاقة في أيدي أي أحد وإنهم لا يريدون أن يصبحوا وقودا للفتنة. وأكد الحاجة إلى أن يشجع الزعماء الدينيون على التعايش السلمي بين طوائف لبنان الثماني عشرة وقال إن البديل هو فوضى وحرب أهلية وهو ما جربه اللبنانيون بالفعل.