قصر حاز أريج من الدهور المعتقة
استطلاع وتصوير / طارق الخميسيكنت قد أزمعت ترك مواضيع تتناول حقب مشرقة عاشها أوائل العرب الحميريين مكونين حضارة لا يمكن أن يعف رسمها لصوص الآثار ومدمري تراثنا الذي سيظل خالدا رغم تعرضه إلى تخريب متعمد أو غير متعمد من بعض الجهلاء وما شدني ذكر التاريخ المزهر على ارض الواقع هو التطور الذي حظيت به الصحيفة والقفزة النوعية مضمونا وشكلا التي أحدثها الأستاذ الجليل الصحفي البارع أحمد الحبيشي رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير الأمر الذي دفعنا إلى الوقوف إلى جانب كل أعماله الصادقة الوطنية المخلصة ومن هذه القناعات أشارك في هذا الجهد المتواضع والعودة إلى سطور من تاريخ الحضارة اليمنية العظيمة عرفانا له بالجميل علني أشاركه بإطلالة تستحق اهتمام قراء الصحيفة إلى التفاصيل :على بعد اثنين وعشرين كيلو مترا باتجاه الشمال الغربي للعاصمة صنعاء وبالبعد ذاته شمال غرب عاصمة المحافظة عمران عثر علماء الآثار والباحثين اليمنيين على أول ألواح مسنديه ( المسند بضم الميم وجمعه مساند وهو الخط الحميري المنقوش على وجه حجارة خاصة بالكتابة والرسم ) يذكر تأريخ وتسمية مدينة أزال التي تسمى اليوم مدينة صنعاء في قصر حاز الذي يظل يثير فيك حنين الماضي العريق لما خلفه الأسلاف من صروح خالدة شامخة ومنها هذا القصر الذي بناه أجدادنا بطريقة تشبه إلى حد ما بناء الأهرامات من ناحية حجم حجارته الواحدة فالفراعنة بنو قبور أجدادهم وخلدوا فيها موتى ملوكهم بينما أجدادنا العرب الحميريين الأوائل خطو طريقة حياتهم وقوانين شرائعهم وطقوسهم وعاداتهم في كتابات مسنديه ورسوم تعبيرية على ألواح حجرية ولو سلمت من أيادي العابثين لتمكنا من إعادة كتابة التاريخ العربي القديم بحقيقته ووقائعه الجميلة دون تدخل من من يريد كتابة تاريخنا حسب انتمائه السياسي والايدولوجي والديني والثقافي هذا ما أوضحه قصر حاز الذي بناه حاز بالحاء المهملة وأخرها زاي مع أول قرية لازالت بيوتها قائمة وقيل انه بني على يد سام بن نوح قبل بنائه مدينة أزال ( صنعاء ) ومما يشير إلى ذلك كثرة الألواح المسندية التي ذكرت مدينة أزال .[c1]أول البداية[/c]قبالة جبل ضين الذي تناولناه سابقا أثناء الحديث عن رحلة إلى مديرية عيال سريح التابعة إداريا إلى محافظة عمران فأنت عندما تصل إلى هذا الجبل يلوح لك في جهته الغربية حصن بني ميمون التاريخي بعباءته السوداء وكأنه نسج من صخور بطن جبل اسود كحلت بها بيوتا تراكبت فوق بعضها فسميت قرية بني ميمون ولا تظن أن هناك مدن تاريخية أخرى خلفها إلا إذا سلكت طريق القرية الذي يحط بك بعد صعود وهبوط واستقامة والتواء غطت محيا الطريق التي تطل فجأة على حصن مدور يسمى حصن غفر بضم الغين وهو اليوم قرية تسمى بيت غفر تناثرت بيوتها السبعين بيتا على قمة جبل نسى اسمه التاريخ لكنها تطل على واد غفر الذي ذكره لسان اليمن في الإكليل وصفة جزيرة العرب وهي قرية ضمت بعد التقسيم الإداري الجديد إلى مديرية همدان محافظة صنعاء ولم نود النزول ضيوفا إلى أهلها فواصلنا المسير باتجاه الأفق الغربي الذي لم تر منه سوى أتلال رصف فوق جسدها الطريق الإسفلتي الذي يرغمك بكل قدرة واعتزاز أن تعرج على محفد من محافد اليمن العتيقة اعتبرها الهمداني حد فاصل بين همدان وحميير متربعا بشموخ واعتزاز على جبل عرين مطلا على واد حضيان وهو بهيئته وعظمته لازال يمثل لغزا وحيرة لعلماء الآثار والباحثين لما يكتنفه من غموض فأنت على ناصية الطريق وعلى بعد ثلاثمائة متر منها ترى عن كثب مبنى اسود ، شيد بحجارة حبش وجهها ناعم أملس ، على ارتفاع أكثر من ثمانية أمتار انتشرت حوله بيوتا تداخلت بعضها بعضا فلا تعرف الجديد من قديم بنائها إلا إذا تفحصت بنوع الحجارة وطريقة نحتها وهذا القصر انشأ في عهد الملك بتع بن زيد بن عمرو بن همدان في القرن العاشر قبل الميلاد وهو في الشمال الغربي وليس شرق العاصمة صنعاء كما ذكرته بعض الكتب وإذا ما أردت أن تتفحص معالم القصر حتى تمثل بين حضرته محتارا من أين تبدأ وأين النهاية أو البداية وأنت كذلك يفاجئك صياح الصبية ليدلك هاهنا البداية وسرعان ما تتبدد الدهشة والحيرة عندما تتجلى بوضوح أمام ناظريك من جهة المبنى الجنوبية باب مصطنعة أو دخيلة أنشأت لاحقا قبل قرون خلت والمتأمل لمساحة المبنى وقياس طوله وعرضه يجد أن طوله بلغ أكثر من ثلاثين مترا وعرضه ثمانية وعشرين مترا وبارتفاع ثمانية أمتار تقريبا على هيئته الحالية قياسا من سطح أرض منبسطة ( كتف الجبل ) أسس فوقها القصر بدون باب ،وتحاول دون عناء تسلق بضع حجارة تناثرت أمام المنفذ الوحيد إلى الداخل لتكون أمام أرجائه المكونة لأربعة بيوت خربه وعقد لم يبق منه إلا نصفه وباحة ترابية صنعت أرضيتها عوامل التعرية وفي الشمال الشرقي من دواخل القصر ، مسجد مربعا طوله ثلاثة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار له محراب مصطنع انشأ بحجارة (هبله ) غير مهندمة تختلف عن هيئة القصر وهي دلالة واضحة أن هذا المسجد بني قبل الإسلام ومن المساجد المقدسة - كما يسميها لسان اليمن ومؤرخها أبي محمد الحسن الهمداني - في اليمن كتلك المنتشرة في جبل ضين وحضور وشهارة خارف وغيرها كثير ( وتسمية مسجد ترجع إلى ما قبل الإسلام وهي كلمة حميرية يطلقونها على معابدهم التوحيدية ، نسبة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام الذي دعا إلى عبادة الله الواحد ) وما يؤكد ذلك ركنه الأيمن باتجاه النجمة القطبية وهى علامة لاتجاه السجود والصلاة إلى الله الواحد أضف إلى ذلك وجود بركة ماء ذات عتبات معدوده على عمق بسيط وبطول ثلاثة أمتار وبعرض أقل من مترين عند باب المسجد بركة مقضضة ( ملبسة ) بمادة تشبه مادة الاسمنت المعاصرة لان تلك الديانة تعتمد على تطهير الروح والجسد من الدنس الأسود بالماء ويشاركني الرأي حجاجه الذين يقصدونه كل عام ( بعض الهنود غير المجوسيين من بقايا الديانة الإبراهيمية أو التوحيدية ومكارمة اليمن ) وبعيد عن تلك الافتراضات أن طريقة بناء القصر تثير فيك الفضول للتفكير في كيفية بنائه بحجارة طول الواحدة منها يصل إلى مترين وبارتفاع ثمانين سنتمتر بعضها منها والأخر منها ستين سنتمتر ولكن عرضها ثابت يصل إلى متر كامل شكلها الخارجي أملس له أركان حادة وكأن مهندس ماهر استطاع صبها بقالب موحد من مادة الاسمنت أشبه بـ (بلوك ) مبنية دون تدخل من المواد الأخرى من صنعة الإنسان ولله در تلك الأيادي التي استطاعت إن تطوع الحجارة على ما تتمناه الأنفس ( ولا يخلق الله سبحانه طبيعة قاسية إلا وخلق أهلها اشد منها ) والمضحك المبكي حاول لصوص الآثار اختراقها فلم يفلحوا ، عند حفر ظهر الجدار الخارجي في جهته الغربية ليتمكنوا الولوج إلى دواخله ، إذ فوجئوا بحجارة بعرض متر حاولوا تجاوزها فوجدوا حجارة مماثلة إلى جواره فأعجزتهم تلك البلاغة الفنية وتحفة التصميم المعماري الهندسي الفريد فولوا أدبارهم خائبين.[c1]أول قرية قديمة تظل عامرة إلى يومنا هذا[/c]بعد صول وجول وتأمل وتمحيص خرجنا من هذا القصر إلى بيوت أحاطت بالقصر سموها الأهالي ، القرية القديمة التي يصل تعدادها إلى تسعين بيتا تراصت سطوح بيوتها الواحد جنب الأخر فإذا علوت سطح أول بيت منها وصلت إلى أخر سطح بيت مشيا على الأقدام ولهذه البيوت حجارة جدرانها بذات حجم حجارة سور القصر وبنفس الشكل الجميل المتناسق ، الذي يقول عنها الأهالي أنها بنيت في العصر الأول للإسلام وهي اغلب الظن بنيت بحجارة سور القصر الذي يبلغ طول ضلعه أكثر من مائتان وخمسين مترا وعرض جداره يصل إلى مترين ونصف وبارتفاع ستة أمتار ليشكل باحة للقصر وبساتين عطره تفوح على مساحة ثلاثة ألف متر مربع محكومة بسبعة أبواب من الشرق باب الفرضة ومن الغرب باب الشوباني ومن الشمال باب المخلفة وباب الزيله ومن الجنوب الباب الكبير وباب السيالي ولكل باب قلعتين على جانبيها لحراسة القصر وللقرية سر ألاهي يحفظ تراثها وأثارها من نهب وتدمير إذ لم يهجر سكانها بيوتهم وظلوا يحافظون على بيوتهم منذ تأسيسها ..... أزقتها وأروقة بيوتها التي صممت بطرق هندسية تلاؤم حركة الجند المتدافعة عن حماية القرية بجميع اتجاهاتها الأربعة وعند الولوج إلى شوارعها تجد المساند الحميرية متناثرة فوق مساحات جدرانها على مرئي أعين السابلة ومنها ما صادفنا من لوح حميري مبنيا أسفل احد البيوت بطول ثمانين سنتمترا وعرض ثلاثين أو يزيد بقليل له إطار بعرض خمسة سنتمتر مثل أطراف اللوح يصور مقاتل يمسك بيده اليمنى سيفا وعصا مربوطان بحزام لف حول خصره وفي اليد الأخرى يحمل مزمارا اندس بين شفتيه وله شعر طويل يصل إلى كتفيه والتحف إزار فوق الركبة والتي تعبر عن الاعتداد بالنفس والزهو والرقة والقوة وشدة البأس والقرية لها بركتين كبيرتين الأولى سميت سد القلت سماها كبار السن رماده وهي خاصة بالمسلمين وذات طول يصل إلى أكثر من سبعة عشر مترا وبعرض خمسة عشر مترا والثانية بركة اليهود أكل الدهر عليها وشرب هشمت جدرانها التي كان يبلغ طولها أكثر من خمسة عشر مترا وبعرض عشرة أمتار حيث كان يسكن هذه القرية أقلية يهودية هجرها الإمام إلى فلسطين عنوة عام 1948 م[c1]خلاصة الخلاصة [/c]في هذه القرية عثر مؤخرا على لوحين كبيرين من نحاس مكتوب بالخط المسند على بعد خمسين مترا من ناحية شرق القصر إلى جانب رأس ثور مصنوعا من البرونز وقد نقلا إلى المتحف الوطني هو وبعض المساند الأخرى التي دلت بوضوح على تاريخ مدن اليمن القديم وتسميتها وبعض من أساطيرها وأسرار التاريخ التي لم نتكلم عنها إلا الشيء القليل .... ودمتم