د.علي مهدي العلوي ينتاب الشعب اليمني بأسره الأمل في البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح وينتابنا أيضاً كباحثين وأكاديميين وخبراء في نظام اللامركزية الإقليمية الفخر والاعتزاز بذلك البرنامج الانتخابي الذي يعد في حد ذاته موقفاً علمياً وسياسياً متطوراً للحاق بركب التطوير الحضاري المتميز لتعزيز نظام الحكم المحلي في إطار النظرية العامة لنظام اللامركزية الإقليمية ، هادفاً من ذلك إحداث تنمية شاملة في الوحدات الإدارية بما فيها الإنسان اليمني ذاته من خلال المشاركة الشعبية الفعالة ، في ظل التعددية الحزبية لإدارة شؤون الوحدات الإدارية وسكانها والاعتماد على الهيئات المحلية المنتخبة وتحميلها مسؤولية إدارة الحكم الناجح في الوحدات المحلية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وفقاً للسياسة العامة للدولة .ومن أجل الوصول إلى وجوبية التعديلات الدستورية لحكم محلي ناجح في اليمن يجب الوقوف أمام المحاور الآتية :أولاً: اللامركزية الإقليمية وماهيتها من الناحية القانونيةثانياً: الأسس الدستورية لنظام السلطة المحلية في اليمن.ثالثاً: التعديلات الدستورية الواجبة لتعزيز نظام اللامركزية الإقليمية .رابعاً:التوصيات.[c1]المحور الأول : اللامركزية الإقليمية وماهيتها من الناحية القانونية:[/c]يعد نظام اللامركزية الإقليمية من أهم الأنظمة الإدارية والسياسية لإدارة شؤون السكان في الوحدات الإدارية في الدولة الحديثة مما جعل أكثر دول العالم أن تأخذ بع وتعمل على تحديثه بين الحين والآخر ولا يمكنها الحياد عنه لما يشكل من أهمية قصوى في تعميق الديمقراطية وإحداث تنمية محلية وخلق تنافس بين الوحدات الإدارية لسد حاجيات السكان المحليين بأفضل الطرق والاستثمار الأفضل لمدخراتها ومواردها المحلية.ارتبط نظام اللامركزية الإقليمية بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتطور وظائف الدولة مما جعل الدول تعمد إلى نقل وظيفتها الإدارية والسياسية من الهيئات المركزية في العاصمة إلى هيئات محلية منتخبة وإصدار التشريعات لتنظيمها وحمايتها، وإطلاق العنان لها في التنظيم الإقليمي للإدارة والسلطة، وتفرغ الهيئات المركزية للمهمات الجسيمة في ظل نظام العولمة .إن مفهوم اللامركزية الإقليمية لم يعد ذلك الذي ينظر إليه بعض فقهاء القانون العام بأن اللامركزية الإقليمية هي صور اللامركزية الإدارية حيث أصبح ذلك اتجاهاً كلاسيكياً: أما اليوم فينظر في ظل التطور الإداري والعلمي للنظم الإدارية عالية التقنية والاستثمارات العالية والواسعة من ناحية والى تطور الأنظمة السياسية للدول والتطور التقني السريع جعلت من اللامركزية الإقليمية نظاماً متميزاً وإدارياً وسياسيا يضمن بما لا يدع مجالاً للشك الحلول الإستراتيجية لإحداث التنمية بكل أشكالها المختلفة.ومن خلال ذلك نصل إلى مفهوم واحد لنظام اللامركزية الإقليمية وهو نظام قانوني بموجبه تنقل وظائف الهيئات المركزية الداخلية إلى هيئات محلية منتخبة تتمتع بالشخصية الاعتبارية على مستوى الوحدات الإدارية ، في ظل الرقابة على حسن الأداء ويتضح من خلال ذلك التعويض وجود ثلاثة أركان أساسية وهي ركن الاختصاص وركن الاستقلال وركن الارتباط .يتكون ركن الاختصاص من فرعين : الأول اختصاص إقليمي (مكاني) وهي الوحدات الإدارية في النطاق الجغرافي الذي تمارس عليه الهيئات المحلية نشاطها، والثاني الاختصاص النوعي وهي المهام التي تناط بها قانوناً، أما ركن الاستقلال فيقصد به الانتخاب والاستقلال الإداري والاستقلال المالي والشخصية الاعتبارية ، والركن الثالث ركن الارتباط ويعني الرقابة على حسن الأداء والمشروعية من قبل البرلمان وهيئات الإدارة المركزية والرقابة القضائية.وعرفت دول العام ثلاث صور لنظام اللامركزية الإقليمية ، وهي صورة الحكم المحلي الذي يتميز بشفافية الرقابة، وتشكل بريطانيا النموذج الرائد وصورة الإدارة المحلية وتشكل فرنسا النموذج الرائد الذي يتميز بوضع خاص للإدارة من خلال أخذها بالقضاء الإداري المستقل عن القضاء العادي. والصورة الثالثة الحكم الذاتي الذي أخذت به بعض الدول مثل إيطاليا وسويسرا والذي يتميز بصلاحيات واسعة للهيئات المحلية باتخاذ قرارات لها لصفة القانونية في تنظيم علاقات اجتماعية محلية غير منظمة بقانون وطني ، وقد أخذ الكثير من الدول النامية بتلك التسميات دون أن تحقق أدنى مستوى لمجتمعاتها المحلية بأي من تلك الصور. فإذا أخذت بأسلوب انتخاب الهيئات المحلية لا تمنح الاستقلال الإداري والمالي بل تظل الهيئات المركزية متمسكة بالاختصاص النوعي وصدق الرقابة الإدارية المركزية . واليمن أخذت بتسمية الحكم المحلي في الجنوب في ظل نظام سياسي شمولي قبل الوحدة ، وكذلك أخذت بتسمية الإدارة المحلية في ظل الجمهورية اليمنية وفق القانون رقم(52) لعام 1992م وظلت قواعده القانونية ميتة لمدة عشر سنوات . وحالياً تأخذ بتسمية السلطة المحلية وفق القانون رقم (4) لسنة 2000م وجعلت من ممثلي الحكومة المركزية رؤساء للوحدات الإدارية ورؤساء للهيئات المحلية المنتخبة ، وهو من أكبر العيوب القانونية المخالفة للنظرية العامة للامركزية الإقليمية ، وإضافة إلى جملة من الإشكاليات والعوائق في نصوصه تجاه الهيئات المحلية المنتخبة التي جعلت نشاطها مشلولاً من الناحية الموضوعية . ومن خلال الإطلاع على مشروع التعديلات المقترحة على قانون السلطة المحلية تجعله في مرتبة أسوأ مما هو عليه.إن ظاهرة اللامركزية في الدول العربية خاصة لا تزال تعكس بشكل جلي في تشريعاتها الهيمنة المركزية على الوحدات الإدارية وهيئاتها المحلية المنتخبة وينتابها الخوف من التفكك والانفصال فيما لو أخذت بنظام اللامركزية الإقليمية بشكله العلمي، دون أن تدرك أن الضمان الأفضل للوحدة الوطنية لأراضيها ووحدتها السياسية . وما يجري في العراق والسودان اليوم دليل حي على ذلك ؛ ومن أجل تخطي ذلك المنزلق يقع عليها لزاماً الأخذ بنظام اللامركزية التي تعد من أهم الأسباب الآتية للتفكك والانفصال . وهاجساً له عمق تاريخي حتى قبل نشوء الدولة ذاتها . ومهما اختلفت صور اللامركزية الإقليمية حكماً محلياً أو إدارة محلية أو حكماً ذاتياً أو سلطة محلية فالعبرة بالتشريع ومدى أخذه بالنظرية العامة للامركزية الإقليمية كان أكبر ضمان تشريعي لاستقرار الهيئات المحلية وحماية للامركزية الإقليمية وصدق نوايا الإدارة المركزية فكلما كان بعداً دستورياً لأركان اللامركزية الإقليمية كان تعزيزها نحو الأفضل ودقة وسلامة القانون الذي ينظمها.[c1]المحور الثاني: الأسس الدستورية لنظام السلطة المحلية:[/c]يعد الدستور هو التشريع الأساسي من المرتبة الأولى الذي يجب أن تتوافق معه كافة القوانين والقرارات الصادرة من كل هيئة خولها ذلك فإن مخالفته يعني خرقاً صارخاً لمبدأ المشروعية الدستورية ومن هيئات الإدارة المركزية (السلطة التنفيذية) أو من (السلطة التشريعية ) ! هل يمكننا الحديث عن دولة قانونية ؟ مع أنه لا يمكن أن يحصل ذلك إلا في حالة واحدة وهو عدم احترام الدستور والإخلال بالشرعية أمراً عمدياً حتماً سوف تترتب على ذلك آثار كبيرة لها أضرارا شكلية موضوعية.وموضوع الرقابة على عدم الدستورية هو حق عام لكل الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين وأن مسألة إعداد القواعد الدستورية ينبغي أن تكون من متخصصين متمكنين يتمتعون بالبعد النظري والمادي لاستيعاب أوجه التطور للحد من التعديلات الدستورية بين الحين والآخر ، خاصة وأن كثيراً من دساتير الدول تتصف بالجمودية وعند حدوثها يتطلب الاستفتاء عليها من الشعب. دستور الجمهورية اليمنية من الدساتير الجامدة . وقد تم الاستفتاء عليه من الشعب 1990م وأجريت عليه تعديلات في 1994م شملت الكثير من مواده الأساسية.ولأن ذلك ليس موضوع هذه الندوة العلمية ، إلا أنني في هذا المقام أشدد علي ضرورة الاستعانة بملكات متخصصة في إعداد أي تعديلات جديدة لجملة الأفكار النيرة لما فيها خدمة الشعب اليمني.المشروع الدستوري خصص الفرع الثالث من الفصل الثاني الذي أشتمل على تنظيم السلطة التنفيذية التي تعد في غاية الأهمية .الفرع الثالث مكون من أربع مواد دستورية وردت تحت تسمية أجهزة السلطة المحلية وهي المادة (148،147،146،145) ولكي نقف أمام كل مادة منها يتطلب الأمر إبراز نصوصها وتحليلها ومدة تطبيقها والأخذ بها على النحو المبين في متنها. المادة (145) (تقسم أراضي الجمهورية اليمنية إلى وحدات إدارية ،يبين القانون عددها وحدودها وتسمياتها والأسس والمعايير العلمية التي يقوم عليها التقسيم الإداري.كما يبين القانون طريقة ترشيح وانتخاب واختيار وتعيين رؤسائها ويحدد اختصاصاتهم واختصاصات رؤساء المصالح فيها.أولاً: عندما نقف أمام الفقرة الأولى من ذلك النص والمتعلق بالتقسيم الإداري لأراضي الجمهورية اليمنية نستطيع أن نقول أنه نص ميت منذ ولادته في عام 1990م حتى اليوم. ولم يجد طريقة للتنفيذ ، بينما يعد من أهم أركان اللامركزية الإقليمية . ونستطيع أن نقول كذلك إنه مفقود ولم يتم العمل به من الناحية الدستورية خلال سبعة عشر عاماً منذ نشأة الدولة اليمنية الجديدة كونها شخصية دولية انصهرت فيها شخصيتا دولتين إحداهما في الشمال اليمني والأخرى في جنوبه . ولا بد من إصدار قانون خاص بالتقسيم الإداري بشكل متكامل بين الوحدات الإدارية وحدودها الإدارية وتسمياتها ومستوياتها من أجل الأخذ بنظام اللامركزية الإقليمية مهما كانت تسميته ، فالتقسيم الإداري الحالي هو تقسيم عرفي موروث من الدولتين السابقتين اللتين انتهتا قانوناً في 22/مايو/1990م حيث لا شرعية دستورية له رغم تعاقب الحكومات وأعضاء البرلمان دون حتى أن يصدر قانون بتشريع التقسيم الإداري الحالي الموروث بشكل مؤقت ، لإضفاء الشرعية الدستورية عليه لما يترتب عليه من آثار جسيمة خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة من تعيين رؤساء الوحدات الإدارية ، وموازنات وانتخابات محلية واعتمادات ودوائر انتخابية في تلك الوحدات الإدارية ، فكل ما تم من إجراءات بقرارات إدارية من السلطة التنفيذية يمكن أن تكون مخالفة لروح وصحيح الدستور ، ومن غير هدى ، فلا شرعية لها.ثانياً: تم استحداث وحدات إدارية جديدة على مستوى المحافظات منها محافظة الضالع ومحافظة عمران بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (23) لسنة 1998 وتقسيماتها إلى مديريات ، والقرار الجمهوري بالقانون رقم (9) لسنة 1999م والخاص بإجراء بعض التعديلات في التقسيم الإداري للمديريات في كل من محافظة عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة، والقرار الجمهوري رقم (3) لسنة 2001م بشأن التقسيم الإداري لمديريات أمانة العاصمة وبعض المحافظات الأخرى.عندما يقف أي باحث أمام هذه الظاهرة يخيل له أن اليمن لا توجد فيها وزارة خاصة بالإدارة المحلية ووزارة للشؤون القانونية . ولكن عندما يجد أن هناك وزارات على ذلك المستوى ينتابه الذهول أن تصدر تلك القرارات الجمهورية بالقوانين لاستحداث وحدات ‘دارية تخالف الدستور قلباًًً وقالباً وتشوه السياسية التشريعية في اليمن في ظل تمسكنا بأن اليمن دولة قانونية وذلك لسببين رئيسين.-1 أن الدستور لا يخول لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات بقوانين منذ أن تم تعديله في 1994م في أي مجال من المجالات ، بل كان يتمتع بذلك الحق قبل التعديل أن يصدر قرارات بالقوانين ، بين دورات انعقاد مجلس النواب على أن يصادق عليها وتصدر بقانون ، وفي هذه الحالة رئيس الجمهورية غير مسؤول بشكل مباشر على تلك الإجراءات ، بل يتحمل المسؤولية الشخصية عنها الوزراء المعنيون بالاقتراح . والسؤال الذي يبرز هنا لماذا لم تقدر تلك المقترحات إلى مجلس النواب لإصدارها بقانون وفقاً لمتطلبات نص المادة (145) من الدستور.-2 طالما وان الدستور في نفس المادة يقيد إنشاء الوحدات الإدارية حصراً بقانون، تنعدم أي قرارات تخالف ذلك النص الدستوري وتكون معيبة المشروعية . فالوحدات بمختلف مستوياتها محافظات أو مديريات يجب أن تنشأ بقانون على سبيل الحصر حيث إنني في هذا الجانب لا أجد أي شرعية لأي من الوحدات الإدارية على مختلف مستوياتها إلا محافظة ريمة التي أنشئت بالقانون رقم (5) لسنة 2004م . ومن أهم العيوب الدستورية في نظام السلطة المحلية . وللأسف الشديد إن المواد الواردة في قانون السلطة المحلية النافذة رقم(4) لسنة 2000م الخاصة بالتقسيم الإداري غير دستورية وهي المواد (7،6،5) وليس من موضوعات ذلك القانون بل من موضوعات قانون التقسيم الإداري الذي ينظم الاختصاص الإقليمي لكل هيئات السلطة التنفيذية والمحلية وهيئات السلطة القضائية . وهناك قرارات أخرى تعاني من نفس العيوب لا مجال لاستعراضها بل حاولت أن أستعرض ذلك على سبيل المثال .ثالثاُ: أما نص الفقرة الثانية من النص الدستوري في المادة (145) والخاص (كما يبين القانون طريقة ترشيح وانتخاب واختيار وتعيين رؤساء المصالح فيها) هو نص يتعلق بتنظيم أجهزة السلطة المحلية من موضوعات قانون السلطة المحلية ، وليس من موضوعات قانون التقسيم الإداري ، ولما فيها رأي فقهي يخالف ما جاء به قانون السلطة المحلية الذي جعل من رؤساء الوحدات الإدارية - المحافظين والمديرين العامين للمديريات في المواد (82،39) وذلك الاتجاه مخالف لروح وصحيح الدستور والنظرية العامة للامركزية الإقليمية ، فمن غير المتسق أن يترأس الهيئات المحلية المنتخبة أعضاء معينون بقرارات إدارية ويتمتعون بالعضوية الأساسية فيها وهم أيضاً رؤساء للجهاز الفني والتنفيذي ، ومن ناحية أخرى وقع المشرع الدستوري في موضوع الخلط بين القانون التي يتمتع كل منها بمجال مستقل عن الآخر . المادة (146) من الدستور نصت على (تتمتع الوحدات الإدارية بالشخصية الاعتبارية ويكون لها مجالس محلية منتخبة انتخاباً حراً ومباشراً ومتساوياً على مستوى المحافظة والمديرية ، وتمارس مهماتها وصلاحياتها في حدود الوحدة الإدارية وتتولى اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية كما تقوم بالإشراف والرقابة والمحاسبة لأجهزة السلطة المحلية وفقاً للقانون، ويحدد القانون طريقة الترشيح والانتخاب للمجالس المحلية ونظام عملها ومواردها المالية وحقوق وواجبات أعضائها ، ودورها في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية وجميع الأحكام الأخرى المتصلة بها، وذلك بمراعاة اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية كأساس لنظام الإدارة المحلية ) يعد ذلك النص من أبدع ما توصل إليه المشرع الدستوري ويفوق الكثير من التشريعات العربية . وحدد المركز القانوني للمجالس المحلية المنتخبة إلا أننا نحدد جملة من الملاحظات القانونية على طبيعة ذلك لضمان ركن الاستقلال بكل عناصره كما سبق لنا تحديدها.أولاً: يلاحظ من ذلك النص أن المشرع الدستوري قد منح الشخصية الاعتبارية للوحدات الإدارية وتتركز ملاحظاتنا في هذا الجانب. عندما حدد في نفس المادة (146) منه ابتداءً على أن تتمتع الوحدات الإدارية بالشخصية الاعتبارية ومجالس محلية منتخبة . وجسد ذلك النص في الفقرة (ب) من المادة (5) من قانون السلطة المحلية ، وأفصح المشرع في القانون المدني النافذ في نص المادة (87) محدداً أنواع الأشخاص الاعتباريين حيث جاء بعدد من الأشخاص وهي الدولة والمحافظات والمدن والمديريات والوزارات والمصالح، وأعتبر أن أهم أركان الشخص الاعتباري أن تكون له ذمة مالية مستقلة ، وأهلية في الحدود التي يعنيها سند إنشائه أو التي يقرها القانون ، وكذلك حق التقاضي وموطن مستقل طبقاً لما هو مبين في قانون المرافعات ونائب يعبر عن إرادتها ويمثله في التقاضي.وما يهمنا في هذا المقام المحافظات والمديريات ، فهي المستويات الإدارية التي جاء بها قانون السلطة المحلية ، لذلك يتضح لنا جلياً أن الشخصية الاعتبارية هي حق ممنوح للوحدات الإدارية المديريات والمحافظات ، ولكن ربط المشرع الدستوري والقانوني بين التقسيم ، وما يشوب ذلك التقسيم الإداري من عيوب قانونية حتى اليوم لانعدام التقسيم الإداري بقانون خاص، وما هو موجود حالياً هو تقسيم عرفي وتركه لم يتم تشريعها حتماً ستنعكس تلك العيوب الدستورية التي تم التطرق إليها في موضوع التقسيم الإداري على الشخصية الاعتبارية وحدودها الإدارية . وقد كانت لي عدة آراء في هذا المجال وبالذات في الشخصية الاعتبارية ، فإذا كانت الدولة هي الشخص الاعتباري في الأصل ، فالدولة هي عبارة عن مجموعة مؤسسات دستورية كائنة على إقليمها حيث إن الشخصية الاعتبارية هنا قد ارتبطت بتلك المؤسسات والهيئات المركزية مثل مجلس الوزراء ورئاسة الدولة ومجلس النواب ولم ترتبط بإقليم الدولة بل الشخصية الاعتبارية هي من سمات الدولة وترتبط بالسيادة ، وتعددت الأشخاص الاعتبارية الإدارية ، فأصبحت الوزارات والمصالح تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن شخص الدولة ، وهي عبارة عن مؤسسات ومصالح لها نشاطها وأشخاص طبيعيون يمثلونها ، فالسؤال الذي يبرز لماذا منحت المحافظات والمديريات الشخصية الاعتبارية ؟ وهي عبارة عن أقاليم جغرافية وليست مؤسسات أو هيئات لها نشاطها الملموس ومهامها ، ونجد أن المشرع في الدستور والقوانين يتعامل مع الوحدات الإدارية وكأنها هيئات أو مصالح ، وهذا في رأيي اتجاه غير موفق وكان لا بد من أن تمنح الشخصية الاعتبارية للهيئات المحلية المنتخبة ، أي للمجالس المحلية بشكل ثابت ، فهي المعبر الحي والحقيقي عن إرادة السكان المحليين ومصالحهم ، وهي تعتبر هيئات دستورية مهما تغير أعضاؤها لكنها هيئات تتحمل المسؤولية تجاه السكان المحليين وتجاه الغير ، وتكون لها ذمة مالية وأعمال باسمها ومواطنيها والوحدات الإدارية ، وهذا ما يجعل من غير الممكن أن تمنح المواطن ذاته الشخصية الاعتبارية كما ذهب المشرع إلى ذلك .والخلاصة ينبغي أن تمنح الشخصية الاعتبارية للمجالس المحلية المنتخبة لتعبر عن كل النشاط المحلي بما فيه والأجهزة التنفيذية ، ويمكن أن تمنح أي مرافق أو مؤسسات محلية تلك الشخصية الاعتبارية إذا توافرت فيها صفاتها القانونية .فالمجالس المحلية يجب أن تتمتع بالشخصيات الاعتبارية لتوافر كل الصفات بها ، وهي الوضع الطبيعي للاستقلال الإداري وكذا الاستقلال المالي مما يتطلب إعادة النظر في تلك النصوص الدستورية والقانونية .ثانياً : أشار المشرع الدستوري في سياق ذلك النص “ وتتولى المجالس المحلية اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية “ ، حيث يلاحظ أنه في إطار الاختصاص النوعي للمجالس المحلية قد قيد صلاحياتها في اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية ، وهذا أمر يقيد المجالس المحلية من حرية الإقرار ، على الرغم من أن سلطتها أساساً سلطة إقرار وليس اقتراحاً حيث يتطلب أن يكون لها إقرار البرامج والخطط التنموية والموازنات الاستثمارية على أن ترفع للمصادقة عليها ضمن الموازنة العامة للدولة بقانون من مجلس النواب .وأشار الدستور بالاعتماد على مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية لنظام الإدارة المحلية بينما يعد ذلك أسلوباً إدارياً بينما يتطلب الاعتماد أساساً على الاستقلال المالي والإداري .رابعاً : نصت المادة (147) من الدستور على (تعتبر كل من الوحدات الإدارية والمجالس المحلية جزءاً لا يتجزأ من سلطة الدولة ، ويكون المحافظون محاسبين ومسؤولين أمام رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وإقراراتهما ملزمة لهم ، ويجب عليهم تنفيذها في كل الحالات ، ويحدد القانون طريقة الرقابة على أعمال المجالس المحلية .لقد حدد الدستور ماهية المجالس المحلية واعتبرها جزءاً من سلطة الدولة وكذا الوحدات الإدارية ، بينما الأخيرة هي نطاق جغرافي إداري لنشاط الهيئات المحلية وليس لها صفة السلطة كما جاء في النص .فتلك المواد الثلاث تحدد الاتجاهات العامة لنظام السلطة المحلية ، وفي كل الأحوال لا تفي بأهمية ذلك النظام اللامركزي بل يتطلب أن تصاحبها التعديلات اللازمة من خلال المحور اللاحق .[c1] المحور الثالث : التعديلات الدستورية اللازمة لنظام السلطة المحلية :[/c]يتطلب نظام اللامركزية الإقليمية أن تكون لها اتجاهات واضحة المعالم في التنظيم الدستوري ويجب أن تكون على النحو الآتي :أولاً : تقسم أراضي الجمهورية اليمنية إلى وحدات إدارية بقانون يبين مستوياتها وعددها وحدودها الإدارية وتسمياتها والعلاقة فيما بينها والأسس والمعايير العلمية التي تقوم عليها .ثانياً : يكون لكل وحدة إدارية مجلس محلي نيابي منتخب انتخاباً حراً ومباشراً ومتساوياً يقود كافة الأنشطة المحلية ، يتمتع أعضاؤه بالحصانة النيابية ويكون مستقلاً إدارياً ومالياً ومتمتعاً بالشخصية الاعتبارية ، ويتولى إقرار الخطط والبرامج والموازنات المحلية لإحداث تنمية محلية شاملة ، ويشرف على كافة الأجهزة التنفيذية وينتخب رؤساءها ويعين أعضاءها ويحاسبهم. ويبين القانون طريقة الترشيح والانتخاب والتعيين والحقوق والواجبات لأعضائها ونظام عملها واختصاصاتها وتكون قراراتها حجة قانونية في نطاقها الإداري ويضمن لها الحماية القانونية.ثالثاً : تكون للهيئات المحلية موازناتها المحلية المستقلة بالاعتماد على إيراداتها المحلية والدعم المركزي، ويبين القانون المرافق السيادية في الوحدات الإدارية حصراً وأساليب الإنفاق المالي على النشاط المحلي بكل أشكاله.رابعاً : تنشأ في الوحدات الإدارية محاكم مستقلة عامة ومتخصصة، ويبين القانون طرق الطعن والتظلم من أحكامها إلى المحكمة العليا للجمهورية وتعيين هيئاتها القضائية وعزل ومحاسبة أعضائها وحصانتهم القضائية.خامساً : تعتبر الهيئات المحلية جزءاً لا يتجزأ من سلطة الدولة وتعمل على تنفيذ السياسة العامة للدولة وصيانة الممتلكات العامة، وخاضعة للرقابة السياسية والقضائية على تنفيذ القوانين وحسن الأداء لمهامها ويبين القانون أوجه تلك الرقابة.سادساً : لا يجوز حل المجالس المحلية بإجراء شامل إلا بقانون ويمكن حل أي من المجالس المحلية من مجلس النواب لأسباب يحددها القانون على سبيل الحصر. تعتبر تلك الأسس الدستورية لنظام اللامركزية الإقليمية ضماناً للاستقرار والاطمئنان في قيادة العملية التنموية ويفصل القانون الخاص تلك الأسس بما يتوافق وأركانها العملية.[c1]التوصيات :[/c]1- إصدار قانون من مجلس النواب بتشريع التقسيم الإداري الحالي بشكل مؤقت حتى إصدار القانون الخاص بالتقسيم الإداري.2- العمل على سرعة إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لنظام اللامركزية الإقليمية.3- تعديل قانون السلطة المحلية بعد إجراء التعديلات الدستورية اللازمة وفقاً لتلك المعطيات، ولنا في ذلك جملة من الملاحظات والتعديلات المقترحة لتعزيز التشريع في النطاق المحلي بوصفه قانوناً أساسياً من الدرجة الثانية.4- إجراء التعديلات اللازمة على القوانين الفرعية الأخرى لانسحاب التشريعات وتوحيد المصطلحات القانونية.
|
دراسات
الحكم المحلي من منظور التعديلات الدستورية لرئيس الجمهورية
أخبار متعلقة