العنوسة في اليمن
صنعاء /متابعات:العنوسة في اليمن كغيره من البلدان البسيطة والدول العربية، مشكلة اجتماعية تعاني منها شريحة واسعة من النساء. وبحسب دراسة حديثة حول العنوسة، فان أكثر من نصف مليون امرأة في اليمن تجاوزن سن الثلاثين ولم يتزوجن بعد. وأرجعت الدراسة، التي أعدتها الباحثة شروق بامقبل الأمر إلى سببين: الأول غلاء المهور. والثاني نظرة المجتمع السيئة للمرأة العاملة.لكن رغم محاولة مجاراة التطورات المحيطة، فإن تطور المرأة بات ـ على ما يبدو ـ يمثل لها مشكلة. فكثير من اليمنيين يعزفون عن الزواج بنساء ناشطات منخرطات في الحياة العامة، أو متعلمات وأستاذات في الجامعات، رغم تقلص المشكلة على مستوى أدنى من ذلك، لكن المشكلة تظل قائمة وان لم تصبح ظاهرة. وفي ذات الوقت تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى مشكلة العنوسة بمختلف صورها أو «الزواج المتأخر»، كما يحب البعض تسميته.المحامية والناشطة الحقوقية عفراء حريري، التي لم تتزوج حتى الان، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن العنوسة باتت تمثل فعلا ظاهرة في اليمن، خاصة في المدن كما هو الحال بالنسبة لعدن مدينتها التي تعيش فيها. وترى حريري أن العنوسة لا تسبب الكثير من العقد النفسية للنساء، وبالأخص لمن يعملن سواء في وظائف حكومية أو خاصة. وتقول «بالنسبة لي شخصيا لا أشعر بأن العنوسة عائق، وأنا انظر إليها بشكل عاد جدا لأنني أقضي معظم وقتي من الصباح وحتى الليل في عملي، محامية وناشطة في مركز الإيواء للبنات، وأحيانا لا أجد وقتا في آخر الأسبوع لألتقي بصديقاتي وزميلاتي إلا فيما ندر، وبالتالي فكل الحواس مرتبطة بالعمل».أما عن رأيها في نظرة المجتمع للعوانس، فتقول حريري إنها نظرة سلبية «خاصة عندما تكون المرأة حلوة فإنهم يطرحون مائة ألف سؤال وسؤال .. كيف ولماذا لم يتقدم إليها احد، وهي جميلة وحلوة، ولماذا لم ترتبط باعتبار أن الزواج هو السنة المفروضة على المرأة».وتعتقد حريري بأن المجتمع اليمني بصورة عامة لا يتقبل وضع المرأة أيا كان «لأنه يرفض أي دور جيد للمرأة واقصد هنا بجيد، الندية والتكافؤ في الدور الذي تؤديه المرأة للمجتمع، بدليل أن المجتمع ينظر إلى المرأة العانس بنفس النظرة إلى المرأة المطلقة».وتضيف: «مع الأسف الشديد فحتى الرجل المتعلم والمثقف مازال ينظر هو أيضا للمرأة بصورة سلبية، باعتبارها خلقت فقط لتكون تابعة له، وهذه هي المأساة، خصوصا في اليمن باعتباره مجتمعا قبليا وليس مجتمعا مدنيا». وتردف قائلة «لو تحررنا قليلا من الموروث الثقافي البليد والسلبي تجاه المرأة، ستحل كثير من مشاكلنا، على الأقل لن ندخل في أزمة الزواج المبكر». تتساءل « لماذا المجتمع لا يقيم المرأة إلا من خلال كونها زوجة.. لماذا لا يقيمها من خلال عملها الذي تؤديه؟».وتتحدث حريري عن انعكاسات سلبية ليس للعنوسة بحد ذاتها ولكن لنظرة المجتمع، ومن تلك الانعكاسات اضطرار بعض النساء اللواتي دخلن سن العنوسة إلى الزواج من شباب أصغر منهن سنا، وهي تعتقد أن هؤلاء الشباب لم يتزوجوا بنساء أكبر منهم إلا من أجل مصلحة وطمع . وتقول: «بعض النساء يعرفن ذلك ويقبلن به تجنبا لكلام الناس ولملء الفراغ. الانعكاس الآخر هو اضطرار كثير من الأسر إلى تزويج بناتهن مبكرا خشية العنوسة، وهو ما خلق ظاهرة الزواج المبكر المتفشية في اليمن هذه الأيام».لكن حريري في ذات الوقت تدعو النساء إلى عدم إتاحة الفرصة للعنوسة لتتسبب لهن بأزمات «إذا كان الغرض من الزواج فقط إشباع الرغبة، وان تكرس المرأة كل تفكيرها في ذلك، فهذه مأساة. يمكن للمرأة أن تغذي هذا الجانب بان تنشط في جوانب أخرى، وفي ما بعد تخف الغرائز تدريجيا. وكلما كان النشاط الذي تقوم به المرأة يخدم المجتمع، تلاشت النظرة السلبية تجاه المرأة العانس».وبسياق مختلف نوعا ما، تعالج بلقيس اللهبي- الناشطة اليمنية في مجال حقوق الإنسان والمرأة، التي تعد واحدة ممن يعانين من تأخر الزواج- المشكلة. وتعتقد اللهبي أن هناك أسبابا عديدة لتأخر سن الزواج في اليمن، كما تحب أن تسمي الأمر، منها تطور المجتمع والصعوبات المادية، والتغيرات الثقافية التي تواجه الفتى والفتاة، نتيجة تغير النظرة إلى منظومة الزواج، والفكرة عن شريك الحياة، وكذا ارتفاع اشتراطات الحياة وشكلها في المنزل ونوعية تربية الأولاد والتعليم .وتعتقد اللهبي أن هناك مفارقة بين الشاب والفتاة في اليمن: فأسرة الفتاة في اليمن ترى أن عزها يكمن في بيت زوجها وهذا لا يتم إلا إذا ارتفع مهرها، فيما الفتيات اللواتي نلن قدرا من التعليم وانخرطن في الحياة العامة ترتفع لديهن اشتراطات الحياة، فربما لا يشترطن مهورا عالية ولكنهن يشترطن معدلا مرتفعا للحياة ذهنيا وثقافيا، لكن بعض النساء يرضين الزواج سواء بكبار السن أو أن يكن الزوجات رقم (2) لكونهن تأخرن في الزواج.أما الشباب ـ بحسب قولها ـ فإنهم يبحثون في البداية عن الارتباط والزواج وتكوين عائلات، ثم بعد ذلك يبدؤون في التفكير في اشتراطات التناغم الفكري والثقافي ومستوى وكيفية تفكير المرأة وكيفية تربيتها للأولاد.وتتهم اللهبي في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: المجتمع الذكوري في التسبب بمشكلة العنوسة أو ظاهرة الزواج المتأخر في اليمن. وتقول «ما زال هناك الكثير من الشباب يتجهون إلى الزواج عبر أمهاتهم اللواتي تسيطر عليهن العقلية المتخلفة، التي تشترط امرأة تخضع تماما للزوج، وهذا لا يتوفر إطلاقا في الفتاة التي عاركت الحياة بدء بالتعليم وانتهاء بالمشاركة في الحياة العامة».وترى اللهبي أن النظام التعليمي في اليمن سبب رئيسي في مسألة النظرة إلى المرأة وتعليمها والنظرة إليها كزوجة، ومن ذلك نظام الفصل بين التلاميذ. كما ترى أن النظام التعليمي لا يمكنه تعديل أو تقويم النظرة إلى المرأة داخله لأنه «لا يخلق نقاشا مفتوحا بين الجنسين في فترات مبكرة من السن، بحيث يتم اختيار شريكة الحياة عن طريق مسؤولية مشتركة بين الشاب والشابة». كما تعتقد ان الاعلام بدوره لم يلعب دورا ايجابيا حتى الان: التلفزيون ومسلسلاته خصوصا لم تعد تخدم وجود المرأة كشريكة في الحياة. وترى اللهبي أن تعليم المرأة العالي هو الذي«يجعلها مخيفة للرجل»، سواءً: كانت المرأة مشاركة في المجتمع القبلي بشكل أو بآخر..أو كانت تشارك العديد من الرجال من العصبة والقبيلة، وكان مستوى مشاركتها متقارب مع الرجل: فلاح وفلاحة، قبيلي وقبيلية، لكن التعليم يخلق للمرأة مستوى عاليا جدا في ما يتعلق بمستوى ثقافتها ونوعية المجتمع المتخيل لديها، في الوقت الذي ما زال الشاب يهدف إلى الدخول إلى مستوى التعليم كوسيلة لرفع مستواه الاقتصادي ولا يتعامل معه كوسيلة كاملة للحياة. كما تحمل اللهبي الفكر الديني المتشدد المسؤولية تجاه وضع المرأة اليمنية، وتقول «لم أجد بين من يسمون بين قوسين رجال الدين المستنيرين، موقفا غير متشدد تجاه المرأة، يكونون مستنيرين في كل الاتجاهات إلى أن يصلوا إلى المرأة. فهم أولئك المتشددون تجاهها بلحاهم الكثة وقمصانهم وسراويلهم القصيرة».ويؤيد الدكتور عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء فكرة أن العنوسة باتت ظاهرة في اليمن، ويعتقد أنها موضوع بدأ فعلا يتحول إلى ظاهرة لا يعاني منها اليمن فقط وإنما دول المنطقة العربية بشكل عام، موضحا أن لفظ العنوسة لم يعد مستخدما تقريبا إلا في المنطقة، لأن العرب ينظرون دائما إلى أن مصير المرأة هو الزواج، وأن أي امرأة تتجاوز العشرينيات.. تعتبر عانسا.ويقول الشرجبي لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك نظرة دينية تقف وراء الأمر مثل الدعوة إلى الزواج من «الودود الولود»، التي يعتبرها الجميع تقريبا الفتاة الصغيرة، وكلما تأخرت المرأة في الزواج لا ينظر إليها الشباب أو لا ينظرون إليها كثيرا.ويعتقد الشرجبي أن الخطورة في عدم الالتفات إلى المرأة غير الصغيرة ينعكس على المرأة نفسها ونظرتها إلى نفسها، موضحا «على المستوى الشخصي الكثير من النساء يتحولن إلى شخصيات متبرمة محبطة لا يستطعن التكيف مع المجتمع الذي ينظر للمرأة العانس أو المتأخرة في الزواج بنوع من الشك والرصد لحركاتها.. بعض النساء يستطعن التكيف مع القضية وتقبلها، وبالأخص المشتغلات في المجال العام ولكن آثارها على المستوى العام مدمر».