في إحدى ليالي القاهرة الباردة ، كنت أمشي في ميدان طلعت حرب ، استوقفتني شخصية يمنية كانت ملء السمع والبصر ، والفؤاد ، وكانت تعد من أوائل رواد الحركة الوطنية اليمنية التي ذاقت العذاب الغليظ من نظام حكم الإمام يحيى ، وبعده ابنه الإمام أحمد . تفرست في هذه الشخصية التي وقفت تتأمل،وتتفحص الكتب المعروضة على ( فترينة ) مكتبة مدبولي المشهورة في القاهرة . ولقد ارتسمت على وجهها ملامح الهيبة ، وابتسامة رقيقة على شفتيها لا تفارقها ، ولقد اكتسى شعرها باللون الأبيض الذي زادها وقارًا على وقار . إنّ هذه الشخصية هو الأستاذ المناضل الكبير أحمد محمد نعمان رفيق الشهيد الكبير الشاعر محمد محمود الزبيري الذي استشهد على ثرى اليمن واختلطت دماؤه بترابها . اقتربت من الأستاذ أحمد نعمان سلمت عليه بإيماءة بسيطة ، انفرجت أساريره ، ، عرفني من أول وهلة ، حياني بحرارة لكونه يعرف العائلة التي ترتبط بعائلته علاقة حميمة في عدن أثناء هروبه هو والشهيد محمد محمود الزبيري من ولي العهد أحمد حينئذ في فترة الأربعينيات . [c1]مذكراته شهادة على عصره[/c]ومنذ ذلك التاريخ لم أقابل الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان ، كنت أتابع أخباره أول بأول ، تارة يكون في قمة الحكم ، وتارة أخرى يكون خارج الحكم ، أخذت السياسة تعصف بذلك المناضل الكبير يمنة ويسرة ، انزوى عن السياسة أو إذا شئت قل انزوت السياسة عنه . والحقيقة أنّ الأستاذ نعمان ـــ رحمه الله ـــ تعد حياته السياسية مرجعًا من مراجع تاريخ الحركة الوطنية اليمنية وكان يجب ويتوجب أنّ يكتب مذكراته منذ زمن بعيد لكونها تحمل شهادات قيمة وخطيرة على عصره لكونها كتبت هذه المذكرات من الأستاذ أحمد نعمان الذي عاش في قلب أحداث الحركة الوطنية التي تجسدت في ثورة 1948م . وتقلب في مناصب هامة بُعيد قيام ثورة 26سبتمبر ، واختلف مع رفاق الثورة أو قل إذا شئت اختلفت الآراء فيما بينهم . وفي الحقيقة لقد ظهر كتاب بعنوان (( مذكرات أحمد محمد نعمان ، سيرة حياته الثقافية والسياسية )) قام بمراجعتها وتحريرها الدكتور علي محمد زيد ، وأصدرتها : مكتبة مدبولي , وعلى الرغم من الجهد المشكور الذي قام به الأستاذ الدكتور علي زيد ، فإن صفحات المذكرات لا تصل إلى مستوى تاريخ الأستاذ أحمد النعمان صاحب الهامة العالية في الحركة والسياسة اليمنية وبعبارة أخرى أنّ الكتاب صفحاته مبتورة ومتآكلة حيث نجد فراغات واسعة في وقائع أحداث مذكراته . وكيفما كان الأمر ، فنأمل من أسرة الأستاذ الكبير المناضل أحمد محمد نعمان وكذلك الجهات المعنية في الحفاظ على التراث السياسي أنّ تحاول قدر إمكانياتها ، وقدرتها على إصدار مذكرات أحمد محمد نعمان تؤرخ حياته العلمية والعملية ، ونضاله في الحركة الوطنية ، ودوره الهام والخطير في السياسة لكون مذكراته جزءاً لا يتجزأ من نسيج تاريخ اليمن المعاصر أو بعبارة أخرى مذكراته شهادة على عصره ، فهل نأمل تحقيق ذلك ؟ .
|
تاريخ
مذكرات الأستاذ أحمد محمد نعمان
أخبار متعلقة