أعدها للنشر/ مروان الجنزير:هناك عدة مفاهيم يطلق عليها تواجد قوى عسكرية عظمى في بلد غير بلدها كلفظ احتلال، غزو، استعمار، وهذه الكلمة الأخيرة جسدت واقع عدن في فترة من الفترات وذلك على يد الإمبراطورية البريطانية والتي وصفت في القرن التاسع عشر « بالإمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس»..فمفهوم كلمة استعمار يظهر جلياً في ما أوجدته بريطانيا من إنشاءات ومشاريع قد لايخدم بعضها سكان عدن في ذلك الوقت ولكن يخدم المشاريع والسياسات البريطانية فقط فالاستعمار يبني ويشيد لما يخدم مصالحه عكس ماكان عليه الاستعمار الفرنسي الذي جثم على الشقيقة الجزائر دون رحمة أو بصيص أمل يمكن ان تراه هذه الشعوب.[c1]بداية الحكاية[/c]كانت اليمن مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي مسرحاً للصراعات الاستعمارية التي كانت في الماضي تضرب وتحتل وتقتل سفنها ماوجد على مرمى البصر في البحر العربي أو البحر الأحمر بعد افتتاح قناة السويس 1882م تحقيقاً للغاية المرجوة وهي اتساع الرقعة الاستعمارية والتي كانت تمثلها انجلترا.فبداية احتلال بريطانيا لعدن كان في العام 1802 وذلك عندما عقدت شركة الهند الشرقية الانجليزية الأصل صفقة مع سلطان لحج وعدن حصلت بريطانيا بموجبها على امتيازات كبيرة أهمها السيطرة على أهم مرفىء تجاري وهو مرفئ عدن»صيره» قديماً.وحتى تجد الإمبراطورية الانجليزية موطأ قدم السيطرة على باب المندب ويظهر ذلك عندما أجبرت بريطانيا شركة الهند الشرقية في العام 1819م على وضع حامية عسكرية في ميناء المخا، وبسبب الرسوم الجمركية المتدنية على البضائع الانجليزية وخوف انجلترا على مصالحها في هذه المنطقة حيث رأت انه من الضروري إيجاد قاعدة ارتكاز لسفنها ولان يتحقق ذلك رأت في مرفئ عدن المكان المناسب لموقعة الجغرافي والملاحي الهام الذي بدأت مفاوضاتها مع سلطان لحج وعدن وشيوخ القبائل إلا إنها بات بالفشل ولم تر انجلترا من حل آخر سوى ابتكار غاية معينة مضمونها انجلترا من حل آخر سوى ابتكار غاية معينة مضمونها السفينة التجارية « داريا دولت» التي مكنت الانجليز بالخديعة من احتلال عدن، ففي يوم الـ19 من كانون الثاني «يناير» 1839م تم الاستيلاء على عدن حيث قتل نحو 139 جندياً يمنياً وجرح نحو 25 إما خسائر الانجليز فكانت 15 قتيلاً و211 جريحاً تقريباً حيث فر السلطان العبدلي إلى لحج، وفوق قلعة صيره ارتفع العلم البريطاني ، وأصبح القبطان هاينس أو ل وكيل سياسي لعدن التي أخضعت لمقر رئاسة بومباي .[c1]بعد الاحتلال[/c]حول الانجليز عدن إلى قاعدة للأسطولين التجاري والحربي وأخذت المدينة تتطور سرعة في حيث كان يعيش في عدن حتى لحظة الاستيلاء عليها نحو 600 شخص تقريباً ففي ديسمبر 1842 أصبح يوجد فيها مايعادل 19938 شخصاً بينهم 857 قادمون من أوربا، والبقية من دول الكومنولث ايضاً ومن سياسة المستعمر كان يحرص على بقاء المناطق الداخلية من السلطنات في حالة تشتيت مستمر وتخلف وعدم السماح بتسرب دول أخرى إلى هناك وهذا يظهر في استخدام المبدأ الشهير «فرق تسد».[c1]المعاهدة والصداقة[/c]في 18 يونيو 1839م عقدت « معاهدة صداقة» بين شركة الهند الشرقية وسلطان لحج اعترف بموجبها بالسيطرة الانجليزية على عدن، وفي 7 مايو 1849م عقدت معاهدة جديدة» للسلم والصداقة» ضمت فيها سلطان لحج حرمه ممتلكات الرعايا الانجليز على أراضي السلطنة، وفي العام 1854 سلم سلطان مسقط للانجليز جزر» كوريا موريا» الخمس والتي غدت اثر ذلك جزءاً من المستوطنة العدنية وفي العام 1857 احتل الانجليز جزيرة بريم «ميون» والتي أصبحت مستعمرة وفي العام 1815م احتلت القوات البريطانية جزيرة كمران وفي 1882 اشترى الانجليز من سلطان لحج مدينة الشيخ عثمان ثلة في العام 1888م اشتروا قسماً من الساحل الواقع بين عدن وشبه جزيرة البريقى والمعروفة بـ» ليتل أوف عدن».[c1]مقاومة القبائل[/c]منذ الوهلة الأولى لسقوط عدن بيد الانجليز لم تهدأ مدفعية السفن الحربية الانجليزية ولو لشهر واحد بسبب المقاومة المستمرة من بعض القبائل الذين كانوا يغيرون على المدينة بأسلحتهم البدائية.ففي العام 1839م توحدت جهود سلطنتي لحج والفضلي بمحاولة للاستيلاء على عدن إلا إنها منيت بالهزيمة ثم حاول سلطان لحج في الفترة (1840 إلى 1841) لكن اغلب محاولاته باءت بالفشل.إلا انه وفي العام نفسه هبت فلول الزعيم الديني اليمني إسماعيل بن حسن إلى اقتحام عدن، ولم يتمكن الانجليز من ردعهم إلا عندما استخدم سلاح المدفعية في أغسطس من العام 1846م.استطاع الاستعمار البريطاني منذ 1839 وحتى انطلاق الشرارة الأولى لثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 نهب ثروات جنوب اليمن وخص التعليم على فئات محددة من الشرائح الاجتماعية ايضاً حتى يضمن وجوده أطول فترة ممكنة شرعت الحكومة البريطانية في بومباي على تولي اكبر عمليات هجرة إلى عدن من الهند وباكستان والفلبين وذلك لتضمن لنفسها شريحة اجتماعية جديدة تستمع لها وترضخ لمطالبها.[c1]الكفاح المسلح لتحرير اليمن 1967-1963م[/c]عند بداية الستينيات من القرن العشرين تعتبر هذه الفترة فترة انهيار الحائط الاستعماري، وتنشيط حركة التحرر الوطني والعربي عامة ويظهر ذلك مع قيام الثورة في مصر عام 1952م ومن ثم دعم الثورات العربية ضد المستعمر، ففي جنوب اليمن ولدت الجبهة القومية كمنظمة سياسية جماهيرية لأجل النضال في سبيل التحرر الوطني باستخدام الأساليب المسلحة هذه المرحلة التي غيرت من الشارع اليمني وجعلته ينظر الى الاستقلال كحق شرعي منبهاً بذلك الاضطهاد الاستعماري، وسياسية الدوس على الحقوق الأولية ونزعة العداء للعروبة.مافجر ثورة الـ14 أكتوبر من قمم جبل ردفان وانطلاق الثورة المسلحة في 14 أكتوبر 1963م حيث اتسم بأهمية كبيرة بالنسبة لقادة الجبهة القومية وتأييد الرئيس جمال عبدالناصر لفكرة الكفاح المسلح حيث أبدى استعداده لتقديم السلاح للمقاومة في ردفان من خلال وجود القوات المصرية في شمال الوطن مما جعل أبناء ردفان ينتفضون بقيادة راجح بن غالب لبوزة كبداية للثورة المسلحة.ففي ذلك التاريخ صف جهاز الأمن البريطاني والذي كان يرأسه « جوليان بايجيت» آنذاك عدد أعضاء قبائل ردفان الخمس الرئيسية بـ35 إلى 40 إلف شخص بينهم 7-6 آلاف شخص قادرين على القتال وحمل السلاح حيث لقبوا بذئاب ردفان الحمر» لما يتمتعون به من قنص وحرب العصابات حيث كانوا يغيرون على أمكنتهم في الجبل بلمح البصر وفي مسافات طويلة ونتيجة لذلك كان يصعب القبض عليهم .. فعند بداية الانتفاضة المسلحة لجأت السلطات البريطانية إلى القيام بعمليات تنكيلية فاشلة بحق الردفانيين من بينها الخطط للقيام بعمليات حربية في عشية عيد الميلاد 1964م تحت تسمية «ناتكريكر» اشتركت في العملية في البدء 3 كتائب من الجيش النظامي الاتحادي وسرية آلية اتحادية وفصيلة خيالة (على دبابات من طراز» سنتوريون» وبطارية من مدفعية الحراسة الملكية وفصيلتان من السرية الميدانية للمهندسين الملكيين، هذا ما مجموعه حوالي 4-3 آلاف عسكري بالإضافة إلى مساندة القوات الجوية الملكية في خورمكسر والتي أرسلت الطائرات لقصف أراضي ردفان ووضعت القوات البحرية الملكية تحت تصرف قادة العملية، طائرات عمودية من طراز «»فييكس».برغم القساوة التي مارستها بريطانيا على سكان الأراضي في ردفان فهي لم تؤد إلى النصر بل إنها قوت من عزيمة المقاتلين مما دفع الجبهة القومية إلى إرسال السلاح مع بداية العام 1964م، وراح التأييد الإعلامي يشق طريقة إلى كسب الثقة وتقوية روح المناضلين عبر الاذعتين اليمنيتين صنعاء وتعز واذاعة وصوت العرب من القاهرة.سرعان ما امتدت أصداء الثورة في ردفان لتعم مع بداية عام 1965م كل نواحي المحافظات الجنوبية خصوصاً بعد استشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة ثم وصلت الثورة إلى كل شارع وكل قرية وإمارة وسلطنة، ففي عدن وحدها في نوفمبر 1967م انتقلت القوات البريطانية في عدن الى حماية معسكراتها وإحيائها السكنية وذلك نتيجة تنامي الثورة المسلحة في أحياء عدن خورمكسر التواهي حيث كان يجري في اليوم الواحد نحو 16 حادثاً اغلبها بقنابل يدوية تقذف على أفراد البوليس البريطاني وفي 3 نيسان 1967م وقع اكبر عدد من الاصطدامات بين فدائيين وعناصر من الأمن البريطاني في كل من:كريتر 24 مواجهة مع قوى البوليس قتل فيها ثلاثة أشخاص وجرح 15 آخرين بينما تتوزع باقي الإحصائيات على أنحاء أخرى من المدينة اعتقل 108 أشخاص وأكثر الصدامات ضراوة وقعت في الشيخ عثمان حيث قام الوطنيون بمحاولة للاستيلاء على الحي.. حيث بلغ مجمل أحداث ذلك اليوم 71 حادثة وإصابة 15 عنصراً من قوى الأمن البريطاني.لم يستقر لبريطانيا التواجد فخرج جيشها من عدن في 30 من نوفمبر 1967 تحت بنود وشروط وثيقة الاستقلال والحرية.
الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس غابت في عدن
أخبار متعلقة