صبـاح الـخيـر
المعارضة ، وليس الإعراض (!) .. هي أساس كل حكم قوي يعتمد العدالة الاجتماعية منهاجاً للحكم .. ويسلك بالناس طريقاً إلى الرقي والنهضة التنموية بعيداً عن فجاج الفساد .. وسعياً مع الإصلاح السياسي والتنموي الشامل ! .وهذه المعارضة لا يمكن أن تكون مقبولة إلا إذا كانت قوية وفاعلة وقادرة على صناعة الرأي العام بما تمتلكه من علم وحكمة وخبرة وتجربة .. وهي التي عناها الخليفة الثاني ، عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه - عندما خاطب رعيته فقال : "إن رأيتموني على حق فأعينوني .. وإن رأيتموني على باطل فقوّموني " .والناظر في سيرة رسول اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ) يتملكه الإعجاب وهو يقرأ قصة توزيع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعض الفيء على الناس .. فأخذ إعرابي نصيبه فرأه قليلاً .. فجذب ثوب رسول اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : يا محمد زدني ! فليس هذا المال مالك ولا مال أبيك ؟! فاستل عمر بن الخطاب سيفه صارخاً : دعني يا رسول اللَّه أضرب عنقه ! فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : دعه يا عمر ، إن لصاحب الحق مقالاً (!!) .لقد ضرب الرسول - عليه الصلاة والسلام - اصدق الامثال من نفسه الشريفة ليعطي الحكام والأقوياء من بعده درساً نافعاً في تقبل النقد والمعارضة من كل إنسان ، مهما كان حجمه (!) .. فلا يستصغرون ضعيفاً .. ولا يحتقرون فقيراً .. وكذلك ليشجع المستضعفين على المطالبة بحقوقهم .. ولكي يجرئهم على من غلب الظن بانحرافه عن جادة الصواب، كائناً من كان (!) .هذا هو القسط والعدل من القول في المعارضة والحكم فالإفراط والتفريط في أي من الطرفين يؤدي الى تمييع الهدف الذي شرعت المعارضة من أجله ألا وهو خلق جيل تنموي يساعده الوعي المتنامي ويساعد هو على البناء والتنامي .. وعند الخلل في أي من الطرفين فإن ذلك ينعكس سلباً على السلطة والشعب وتذهب الأمور مياعة أبعد مما يتصوره العقل او تحده التقديرات ! .والناظر في حد اللَّه تعالى الذي انزله في مسألة قذف المحصنات المؤمنات.. حينما قامت المعارضة المتمثلة بجماعة المنافقين يجد أن هذا القذف يمس الأعراض ويطال سمعة أشخاص لذلك لم يشرعه الدين بل أوجب حداً هو ثمانون جلدة في حق كل من تقول على نساء المؤمنين بدون بّينة .. وقال عز وجل في آية شاملة من سورة النور : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب آليم في الدنيا والآخرة .. " .وهذا يشبه حال المعارضة الكسيحة التي تعتمد التشهير بالخصوم على صفحات الجرائد ومواقع الإعلان أساساً لعملها الهدام فتعمد إلى بث الأكاذيب ونشر إعلانات الاحباط والتشويه بما يضر ولا ينفع ويفسد ولا يصلح وما ذلك إلاّ لفقر التربية على القيم الأصيلة والثوابت المؤكدة من مجمع الأخلاق والفطرة والدين والحياة !! .وبوسعي القول الآن : إن الذي نراه من معارضة في بلادنا ما هي إلاّ مهزلة من مهازل العصر .. فهي لم تبدع أكثر من صحف مريضة تتقيأ على صفحاتها وأعمدتها خُرّاجها الموبوء الذي يكشف من كوامن مريضة في دواخلهم .. فهم لا ينطقون إلاّ ويلاً ولا يقولون إلاّ شراً ! .. ولم يساعدوا يوماً في خلق اتباع مسلحين بالوعي يستطيع الوطن أن يفاخر بهم ويقول هذه معارضتنا ؟ كشفت زيف الزائغين .. ودجل الغالين .. وانتحال المبطلين !! .وهم لا يرون الا وطناً أسود عبثت به الوحوش وعانت فيه الكواسر .. ومات فيه كل حي من ضمير ودين وخلق وكرامة ؟ .فأي كلام هذا يمكن أن يصدقه سامع ؟ فضلاً عن أن يكون واقعاً ؟! ولكن المعارضين لا يفقهون .إن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قدس العدل أينما كان .. وقال لأصحابه عندما هاجروا إلى الحبشة : إنكم سوف تحلون بأرض ملك لا يظلم عنده أحد ؟ فكان كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) .وكان بذلك النجاشي ملك الحبشة أقرب الناس إلى هذه العصابة المؤمنة بعدله وقسطه !!فالقريب إذن هو من قربته الإنسانية ، وإن بُعد لغة وديناً وبلاداً (!) .. والبعيد كذلك من أبعده الظلم ، وان قرب ديناً ولغة ووطناً ونسباً (!) .والرجل الصالح في نظر الإسلام هو من شعر بالتبعات ، وقام بواجبه نحو الإنسانية بصبر وشجاعة .. اما أن يتظاهر بالدين .. ثم يعمل أعمالاً مجرمة فان الحق والدين يبرآن منه ومن أعماله .. وما أروع قول ابن تيمية - رحمه اللَّه - : إن اللَّه يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة (!) .. ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة (!!) .. وان الدنيا قامت بالحق والعدل وليس بالظلم والطغيان !! .ولهذا السبب أظن ظناً غالباً لا يخالطه ريب صلى رسول اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ) على النجاشي لما مات .. وحكاية إسلامه لم يستطع اثباتها أحد سوى استنباطاً من الصلاة عليه يوم موته ! فتأمل ذلك جيداً . ومن هنا أرتقى العدل والانصاف من الحكام مرتقى صعباً لا يبلغه إلاّ فحول الملوك الذين آثروا الآخرة على الأولى الفانية وفضلوا ما عند اللَّه على ما عند الناس ولم يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير !! .ويسعني القول الآن كذلك .. أن أطالب بحرارة بعدول الرئيس علي عبدالله صالح عن قراره عدم ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة .. وذلك انطلاقاً من كونه رجل لمّ اللَّه على يده شمل اليمانيين .. وأرسى على يديه أعمدة الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد أن بدأ مُحالاَ أن يكون في بلد عصفت به دوامات الصراع والقتل والتشطير والفساد .. فالقدر العضيم الذي تحقق في عهده لا ينكره إلاّ من عناه اللَّه بقوله : " ومن كان في هذه أعمى .. فهو في الآخرة أعمى .. وأضل سبيلاً " .وهو الذي في نظري يستطيع كذلك أن يخلق معارضة قوية صلبة تساعد وطناً وشعباً يتوقان إلى العلياء وإلى القضاء على كل بؤر الفساد .. وإلى التحليق في سماء المستقبل .يمنٌ حرٌ .. وشعب سعيد .