صباح الخير
محمد الأميرعندما كان عمدة لمدينة باريس أطلق الرئيس الفرنسي ـ حالياً ـ جاك شيراك اسم الشاعر الأوكراني شافتشينكو على إحدى الساحات العامة الرئيسية في باريس، بعد أن بلغ به الولع والتأثر حده بهذا الشاعر.فقد قرأ جاك شيراك أشعار هذا الشاعر النابغة مترجمة إلى لغته الفرنسية ـ رغم إنه يجيد اللغة الروسية التي تعلمها في أمريكا أثناء دراسته هناك على اعتبار إنه يجيد الإنجليزية وكان في شبابه طموحاً ويتطلع إلى أن يكون مميزاً بين أقرانه ـ واللغة الأوكرانية تعد من لهجات اللغات السلافية.وما يهمنا ان تأثره العميق بهذه الشخصية الشهيرة جعله يتحمل تبعات قراره هذا من الجدل الذي لاقاه من الصحافة الفرنسية.ولا شك أن ِشيراك قد انتصر لقراره بالجدل أيضاً، هذا الجدل الذي لا يتآتى عادة دون خلفية ثقافية مكينة تدل إيجاباً على مدى التفاعل الثقافي ورقي المجتمعات.وعلى هذا فقد قام الكثير من الباريسيين والفرنسيين عموماً بشراء كتب وأشعار شافتشينكو هذا.فقد أحدث هذا القرار من قبل شيراك حراكاً ثقافياً فاعلاً لفترة من الزمن.ولأن القرين بالقرين يذكر ترى ماذا يمكن أن يحدثه من حراك ثقافي هذا النصب لبرج ايفل الذي أقيم مصغراً على ناصية في مشروع كورنيش المعلا.ولا ضير هنا من المعنى الذي يحمله ان كان ثمة تفسير يقنعنا أكثر مما يفهم منه ان نتعمق في سطوح المعرفة لا غير.ولا أحد يستطيع ان يقف ضد المد الحضاري فالامتداد الحضاري لا يغيب أحداً حيث تتداخل العلوم والفنون والآداب بين مختلف الحضارات والشعوب ويتم التقارب بينها حداً بلغ أوجه وذروته في عصرنا هذا.إلا أن الرموز والمعالم والآثار والتراث علماً ومعلماً أشبه بخاتم الهوية للشعوب.ولا يجوز لأحد أن يأخذ عشوائياً رمزاً مدنياً أو تاريخياً او حضارياً عن آخر هكذا وبلا سبب مقنع.وقد يكون من حقك ان تفعل ذلك في حدود أسوارك الخاصة.أما ان يوضع هذا في شارع أو ساحة عامة او متنزه فهو عرضة للسؤال والتساؤل.ونحن ـ هنا ـ نريد الملامح التي نعشقها وعلى من يضع (بدعة) كهذه ان يجيب عن الأسئلة وافظع من هذا ألا تكون ثمة أسئلة، مما يعني ان السلبية في تقبل الأشياء ناتجة عن عدم معرفة خالصة.فأي امتداد حضاري لمستنسخ مصغر عن برج ايفل في منتزه بالمعلا ولا يوجد أثر لتوأمة بين المدينتين.ولماذا هذه الانتقائية في برج ايفل الذي لا يعني الكثيرين. ونتجاهل تراثنا وكأنه لا يعنينا فغالبية أطفالنا لا يعرفون حتى اللحظة معبد بلقيس بعد.لماذا جنحت مخيلة هذا إلى برج ايفل ولم يحفل بانتقاء رمز لقصر الحمراء بغرناطة الذي يعد مفخرة القصور الأوروبية لقرون من الزمان حتى اليوم وقد صممه وشيده اليمنيون الأندونسيون ولم يدر بخلده منارة المحضار بحضرموت.اننا نجل برج ايفل الذي يعد ثالثة عجائب العالم الحديثة.إلا اننا نريد الملامح التي نعشقها من هذه الأرض وألا نفقد الأماكن والمعالم الحبيبة ألفتها. نظل نعانق سلاسل كثبان الرمل الناعمة. ولا نريد لتاريخنا ان يزداد ذبولاً .. فالأطفال الذين سيذهبون غداً إلى المنتزه لا يزالون يلعبون بدمى شقراء الشعر زرقاء العينيين ولم نصنع ألعاباً من بيئتهم بعد.ويشاهدون (توم وجيري) في المساء حيث لم يستطع ربع احتياطي العالم من نفطنا ان يمول بضعة دقائق لافلام كرتونية يظهر بها الجمل بطلاً بعد ويغلقون أعينهم ليحلموا ببطولة أوسكار.وليس ثمة داع لان نزيد الطين بلة ونصرفه لتأمل برج ايفل وهو لم يعرف بعد أين تقع دمون.. ولا ماهي كندة. ولا يجب ان نوغل بعيداً فحدود معارفنا تبدأ في ذهنية الأطفال وتظل عندها زمناً طويلاً.