لا أكاد أبالغ إن قلت إن عددا كبيرا من المساجد في اليمن قد تحولت من مساجد تؤسس على التقوى إلى مساجد تؤسس على جرف هار وبالتالي تقود الناس إلى الفتنة. و الدليل على ذلك أن هناك سباقا بين المذاهب و التيارات الفكرية بل حتى الأحزاب السياسية والدول الإقليمية علىإقامة المساجد و احتكار إدارتها لتحقيق أهدافها الخاصة و بذلك فإنها تمارس الضرار والتفرقة بين المؤمنين. ألا ترى أن هناك تشوها في بناء المساجد يتمثل في إقامة عدد من المساجد في منطقة جغرافية واحدة لا تحتاج إلا إلى مسجد واحد. إن ذلك يدل على استخدام المساجد للكسب المذهبي أو الفكري أو السياسي. و لقد ترتب على ذلك أن أصبح ارتياد مسجد من المساجد يشير إلى التصنيف المذهبي أو الفكري أو السياسي. و بعض الناس قد يقع ضحية لذلك دون أن يشعربذلك فقط لأنه اعتاد أن يصلي بمسجد معين لأنه يقع قريبا من بيته. تستغل المساجد كمحاضن لأصحاب الأجندات المتطرفة أو الأفكار الضالة. فالتردد على المساجد لا يمكن أن يمثل أي قرينة على التأثر بالأفكار الضارة، لأن في الأصل أن التردد عليها علامة من علامات الإيمان. و حتى في حال وجود أي قرائن على انحراف البعض فان متابعة ذلك من قبل الأجهزة الأمنية صعب للغاية حتى لا تتهم بالعلمانية و محاربتها لرواد بيوت الله. و الالتقاء في المساجد تحت أي ذريعة يمثل غطاء فعالا يستخدمه أصحاب الأفكار الضالة أو المتطرفة. ففي الظاهر فان الالتقاء يتم تحت مبرر المواظبة على الصلوات المكتوبة او قراءة القرآن أو الذكر أو الاعتكاف أو أي شيء آخر. لكن في الباطن قد يتم لهدف الإعداد لأعمال مضرة و غير مشروعة. يستخدم البعض المساجد لاستقطاب صغار السن تحت مبرر تعليم القرآن أو العلوم الشرعية أو حتى تقوية الطلاب في المناهج الدراسية. لكن في الواقع يتم ادلجتهم و بدون علم من أولياء أمورهم. و يتم التحفظ على ذلك و لا يتضح الأمر إلا بعد أن يقدم بعض هؤلاء على تصرفات غير مقبولة إما في بيوتهم أو في الأماكن العامة وفي هذه الحالة فإن من تم تجنيدهم يكونون قد تعرضوا لعمليات غسيل مخ يصعب تخليصهم منها. يمارس الخطباء دور التعبئة الخاطئة و ذلك من خلال توجيه خطب الجمعة للترويج لأفكارهم ولايديولوجياتهم و من خلال تشويه مناوئيهم و من خلال تضخيم الأحداث العادية. و الأكثر أهمية من خلال تزييف الوعي. فمن المفترض أن يكون الخطيب معلما و ليس داعية فتنة. فالمعلم يوصل للآخرين المعلومات الصحيحة التي تمكنهم من اتخاذ القرارات الصحيحة بأنفسهم. و لذلك فان عليهم أن يكونوا متوازنين في طرح الموضوعات و في إعطاء آرائهم حولها. فلا بد من إنصاف أصحاب الرؤى التي يختلفون معها و عليهم أن يسندوا ترجيحاتهم لأي من الآراء المناقشة بالحجج و البراهين. أما دعاة الفتنة فإنهم يصورون آراءهم بأنها حقائق مطلقة و أن من يعارضهم لا دليل لديه و من اجل ذلك فإنهم يشوهون آراء معارضيهم و في سبيل ذلك فإنهم لا يترددون في اجتزاء الحقائق و المعلومات بما يخدم توجهاتهم. و لا شك في أن ذلك هو تضليل بكل ما تعنيه الكلمة و لذلك فهو نوع من ممارسة الإضرار و التفرقة بين المؤمنين. تستغل المساجد في اليمن لتوفير التمويل للجهات التي تسيطر عليها. و يتم ذلك من خلال ممارسة العديد من أساليب النصب و الاحتيال. فأول هذه الممارسات جمع الزكوات بهدف توزيعها على المستحقين و لا يوجد أي إشراف على ذلك مما يسهل تحويلها إلى أغراض أخرى. و يتم الإعلان عن وجود منظمات خيرية غير مرخص لها و لا يوجد لبعضها أي وجود في الواقع بهدف جمع التبرعات لها و يتم استخدام ما يتم جمعه من أموال بحسب ما تراه إدارة المسجد. تبني مشاريع خيرية مثل إفطار رمضان أو كسوة العيد أو دعم المجاهدين أو اللاجئين و لا يوجد أي تقييم عن حجم الأموال التي تجمع بهذه الطرق و لا الكيفية التي يتم إنفاقها بها. تعمل المساجد على إشاعة اليأس بين الناس من خلال التركيز على الترهيب و تجاهل الترغيب بهدف حث الناس على الالتحاق بهم أو اعتناق أفكارهم أو التبرع لهم. و لا شك في أن الأضرار التي تترتب على خطاب مأزوم كهذا تتجاوز هذه الأضرار إلى أضرار نفسية و سياسية و اجتماعية مدمرة. فمن ينصت لمعظم خطباء الجمع سيدرك حجم اليأس الذي يلحقه هؤلاء بالمصلين. فالحياة كلها سيئة و فساد و القيامة على وشك أن تقوم و عند قيامها فالناس كلهم سيساقون إلى النار. إنهم لا يدركون أن القرآن قد احتوى على كل من الترغيب و الترهيب. ووفقا لذلك فهناك من هم مرشحون للجنة و من هم مرشحون للنار مع أن رحمة الله أوسع. ولذلك فان الحياة فيها الخير وفيها الشر و الأمل في المستقبل هو أمل في الله و ليس يأساً من الله. على الرغم من أن القرآن قد اعترف بوجود بعض الوجاهة في وجهات النظر التي لا يتفق معها ولكنه لم يغمط من حقها حيث قال «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم». فقد يكون في بعضها خير لكن ما جاء به القرآن أكثر خيرية. لكن الكثير من الخطباء يعتبرون كل وجهات النظر المخالفة لوجهة نظرهم باطلة. و لذلك فإنهم لا يأبهون لوجود المصلين وقد يختلفون مع وجهات نظرهم فلا يترددون في نعتهم بأبشع النعوت. و الدليل على ذلك أن بعض الخطباء يأخذ كل الوقت الذي يحتاجه في قول ما يريد و إذا ما حاول احد من المصلين أن يناقشه في بعض ما يقول فإنه يضيق صدره و يرد «إن أردت أن تسمع ما اقول فأت إلى هذا المسجد و إلا فان عليك أن تذهب إلى أي مسجد آخر» و كأن هذا المسجد ملك له يتحكم به كما يشاء. و لذلك فان الكثير من الخطباء و المحاضرين في المساجد يتعاملون مع المصلين بأنهم عصاة ومذنبون و مقصرون و لكنهم ينسون أنفسهم فقد تكون تصرفاتهم مثل تصرفات من ينتقدونهم. و الدليل على ذلك شدة لهجة خطابهم للمصلين وللحاضرين و كأن أقوالهم و نصائحهم أوامر يجب تنفيذها وإلا تعرض من لا ينصاع لها للعقوبات الإلهية. و لا شك في أن ذلك يعد من باب تزكية الخطباء و المحاضرين لأنفسهم أو مذاهبهم أو أحزابهم. لا شك في انه قد ترتب على تصرفات هؤلاء أضرار و مفاسد كثيرة. فمن ذلك اتساع التعصب المذهبي أو الفكري أو الحزبي و لا شك في أن ذلك يهدد الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعي. من الواضح أن خطابات متطرفة كهذه قد عملت على تبرير أعمال الإرهاب و التطرف. فإذا كانت مؤامرات الغرب على هذا النحو و إذا كان حكامنا خاضعين لهم إلى هذا الحد و إذا كان المسلمون يمنعون من ممارسة دينهم و عبادتهم و يرغمون على تغيير دينهم على هذا الشكل فإن ما يقوم به البعض من إرهاب مبرر بل انه قد يكون واجبا. ان عدم التأكد من الإشاعات و الأخبار و تقديمها في الخطب و المحاضرات على أنها حقائق في حين أنها ليست كذلك في الواقع يعمل على تعميق تفكير المؤامرة. و كأن ما يحدث في هذا العالم مسئول عنه النصارى و اليهود و بالتالي فإن الله عاجز عن إيقافهم عن بغيهم و فسادهم. و لا شك في أن مثل هذه الممارسات تعمل على إرهاب المسلمين و تصوير انه لا يوجد أي خيار لمواجهة هؤلاء و أن أفضل شيء في ظل هذا العجز هو الاستسلام لهم و القبول بما يريدونه. هذا من ناحية و من ناحية فان الترويج لمثل هذه الشائعات يجعل الغرب يصدق ادعاءات بعض المعادين للإسلام و المسلمين بان الصدام بين الغرب و الإسلام حتمي و لا يمكن تجنبه بأي حال من الأحوال. و لا شك في أن استمرار مثل هذه الممارسات سيفرض على الوطن الدخول بمواجهة مع الغرب بدون أي مبرر او فائدة. و ينتج ذلك من استخدام الغرب لمثل هذه الشعارات لتطلب من الدول التصادم مع مواطنيها و إلا سيتم اعتبارها بلداناًحاضنة للإرهاب. إن الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة تكمن في تحزيب المساجد و في استخدامها كغطاء لنشر التمذهب و تأجيج الطائفية. و كذلك فإن من ضمن أهم أسبابها جهل بعض الخطباء وانفرادهم في إدارة المساجد و بدون أي رقابة لا حكومية و لا مجتمعية. و لذلك فإنه من أجل القضاء على هذه الظاهرة او على الأقل التخفيف منها لا بد من تحريم الحزبية على أئمة المساجد و خطبائها و كذلك فإنه لا بد من اشتراط توفر مؤهل جامعي في الشريعة الإسلامية و التدريب الكافي لكل من يريد ان يمارس الخطابة. و الأهم من ذلك يجب ان لا تتبنى المساجد أي مذهب إسلامي بعينه لان المصلين فيها هم من جميع أتباع المذاهب الموجودة في اليمن. و من اجل إيجاد رقابة على تنفيذ هذه الشروط فانه لا بد من تشكيل لجان من أبناء الحي المصلين لاستلام و إدارة أي مسجد من مساجد الحي. فلا شك في أن اختيار أبناء الحي لهذه اللجنة سيعمل على أن تكون ممثلة لكل المذاهب و التوجهات الفكرية فيه و بالتالي فإنها ستدير المسجد بما يتوافق مع القواسم المشتركة لها كلها. وإلى جانب ذلك فإن هذه اللجنة هي صلة الوصل بين وزارة الأوقاف و المسجد و بين المصلين في المسجد و كل من إمامه وخطيبه. وستعمل هذه اللجنة على تنظيم عملية الدروس و المحاضرات التي يمكن أن تتم فيه و كذلك عملية جمع التبرعات و تحديد نوع وكيفية الأنشطة الاجتماعية التي يمكن أن تقام به. إنني اعتقد أن الإسراع بتنظيم عملية إدارة المساجد بما يجنبها أن تكون مصدراً للفرقة والشقاق ضروري جدا. و ما لم فإننا سنكتشف أننا قد قصرنا في حقوقنا و حقوق أبنائنا و حقوق الوطن عندما تنفجر هذه المساجد كقنابل تدمر كل شيء. إنني لأدعو الله ان لا يأتي اليوم الذي يحدث فيه ذلك لا في المستقبل القريب و لا المتوسط ولا البعيد.
|
فكر
مساجدنا..قنابل موقوتة!
أخبار متعلقة