إن أحد أهم الأمور التي أثارت اهتمامي عندما توليت منصب وزير الخارجية البريطاني كان حجم التحديات التي تواجهنا جميعا اليوم. وهي تحديات تتجلى بشكل خاص إذا ما أخذنا أمثلة من الشرق الأوسط: فعلى الرغم من الدعم الدولي الصادق للتوصل إلى وجود دولتين لحل الصراع في الشرق الأوسط، وهو حل ينطوي على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وقادرة على البقاء وتتمتع بجميع مقومات الدولة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل تنعم بالسلام والأمن، فإن التحديات الكامنة أمام تحقيق هذا الهدف تبدو هائلة لا يستهان بها مثلما عهدناها من قبل. وبالنسبة للوضع الإنساني المأساوي في دارفور، فإن الفشل في إحراز أي تقدم في تسوية هذه القضية، على الرغم من الجهود الدولية الهائلة، يعني أن التاريخ سيحكم علينا بكل قسوة إذا ما فشلنا في الضغط على الأطراف لتسوية الخلافات في ما بينهم والتعاون في بناء هذه المنطقة التي مزقها الصراع. وفي العراق، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة العراقية والقوات الدولية، ما زالت أعمال العنف مستمرة، ونحن مستمرون بتحمل مسؤولياتنا في مساعدة الحكومة العراقية على خلق مستقبل أفضل لجميع العراقيين. وما برح قلقنا نحن وشركائنا في الشرق الأوسط يتزايد بشأن الدور المدمر الذي تلعبه إيران خلف الكواليس في المنطقة، والذي يؤدي لتفاقم حالة عدم الاستقرار في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو دور يجعل احتمال امتلاك إيران للأسلحة النووية أمرا أكثر رهبة. إن مثل هذه التحديات والعديد غيرها تتطلب أن تعمل حكوماتنا مع بعضها البعض بشكل غير مسبوق. فالتحديات التي من بينها التوصل إلى حلول عادلة وفعالة للصراع في الشرق الأوسط، والترويج للإصلاح السياسي والاقتصادي، ومعالجة العوامل الكامنة وراء الإرهاب، ومكافحة الفقر، ومعالجة تغير المناخ، هي جميعها تحديات هائلة ليس باستطاعة أي دولة أن تعالجها بمفردها. إننا نحتاج لبعضنا البعض، وعندما نعمل مجتمعين بفعالية سنكون أعظم تأثيرا مما لو عملنا بشكل منفرد. لكني أدرك تماما أن بناء الإجماع الدولي حول هذه القضايا ليس أمرا مفروغا منه. حيث تتطلب العلاقات وبناء التفاهم المشترك بذل الكثير من الجهود، كما أنني أدرك أن مسائل مثل مشاركة بريطانيا في حرب العراق أثرت سلبا على علاقاتنا مع شعوب منطقة الشرق الأوسط. وسوف أنتهز هذه الفرصة لأقول إنني متأكد تماما بأننا متفقون حول جميع القضايا الكبيرة والهامة التي أمامنا، ونتقاسم نفس الأهداف. إننا فخورون بعلاقتنا التقليدية مع دول الشرق الأوسط، وأريد أن أعزز هذا الدور الذي ينطوي على الشراكة والصداقة التي يوثق بها. وحتى لو اننا لم نتفق على كيفية تحقيق أهدافنا المشتركة، يجب أن يكون بمقدورنا الاستماع إلى وجهات نظر بعضنا البعض واحترامها. وهذا صحيح بشكل خاص بالنسبة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. القليلون فقط ممن يقرأون هذا المقال لا يتفقون مع رغبتي القوية في أن أرى الفلسطينيين يحصدون ثمار دولتهم، مع التوصل لتسوية عادلة حول قضايا القدس وحق عودة اللاجئين والحدود الآمنة. لقد شاهدنا جميعا بكل خوف في الشهر الماضي كيف حمل أتباع الفصائل الفلسطينية السلاح ضد بعضهم البعض. يجب أن تكون أولويتنا القصوى هي تقديم الدعم للرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض فيما هما يعملان على إعادة فرض القانون والنظام وتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتعين علينا أن نعمل على ضمان وضع حد لمعاناة أهالي غزة. لقد تركت أعمال العنف الأخيرة آثارها، لكن في النهاية وحدة الفلسطينيين التي تقوم على الالتزام بعملية السلام، تعتبر ضرورية لأجل قيام دولة فلسطينية قادرة على البقاء. وسوف تستمر المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في تقديم التمويل لجميع أفراد الشعب الفلسطيني، وإقناع الأطراف بالإيفاء بالتزاماتهم لأجل تحقيق مستقبل أفضل للجميع ـ لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. ويعتبر استمرار مشاركة الدول العربية مسألة ذات أهمية فائقة لأجل إحراز تقدم في هذه القضية. وتكتسب الجهود السعودية والمصرية التي بذلت أخيرا لكسر حالة الخلاف المستحكم وإعادة الأمور إلى مسارها، أهمية خاصة في هذا الصدد. وسنستمر أنا ورئيس الوزراء غوردن براون في التعامل مع هذه القضية على أنها من أولويات سياستنا الخارجية البريطانية بالعمل مع المجتمع الدولي. وتقوم استراتيجيتنا على أساس ثلاثي: أولاً، دعم غير محدود لحل وجود دولتين؛ وثانياً، دعم الأطراف الملتزمة بالسلام؛ وثالثاً، دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكن يجب ألا تغيب عن أذهاننا التحديات الكبيرة الأخرى التي تتطلب التوصل الى حلول عاجلة لها. فعلى سبيل المثال، سيكون العالم كما نعرفه اليوم عالما مختلفا تماما في غضون 50 إلى 100 عام في حال عدم وجود رد دولي عاجل لمعالجة تغير المناخ. فالمياه في الشرق الأوسط تمثل دائما قضية سياسية. وقد وصلت دول إلى حافة الحرب مع بعضها البعض بسبب مصادر المياه. فكما هو معلوم فإن مستويات المياه في أنهار كنهر الأردن ونهر الفرات ونهر النيل هي فعليا قضية حياة أو موت. وسوف يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه المشاكل. وكل ذلك يقدم حججا قوية لأجل التوصل إلى حلول متعددة الأطراف. فوجود مجتمع دولي متحد وعاقد العزم هو فقط القادر على تحقيق نجاح في معالجة قضايا تغير المناخ وانتشار الأسلحة النووية وحل الصراعات. والعديد من الدول في جميع أنحاء العالم الإسلامي لديها حصة كبيرة في ذلك، وهو ما يدعوني لاعتبار أن من الحيوي جدا تأسيس علاقات قوية ووثيقة مع المواطنين في جميع أنحاء المنطقة. توجد في الشرق الأوسط إمكانات اقتصادية وثقافية وبشرية هائلة. فقط عليك أن تنظر الى مستويات النمو المدهشة في كل من قطر والإمارات العربية المتحدة، واستمرار تحول المغرب تجاه تحقيق شمولية سياسية أكبر والمزيد من الانفتاح، واستمرار كل من الجزائر وليبيا باستغلال الفرص بشكل مطرد في إمكاناتهما الاقتصادية الهائلة. إننا نسعى من خلال شراكاتنا مع جميع دول المنطقة إلى استغلال علاقاتنا للترويج للاستقرار والإصلاح والرخاء لكي تحقق هذه الدول إمكاناتها على الساحة الدولية. وهذا يشمل سورية التي نحن على استعداد لأن نفتح ذراعينا للترحيب بها، والتي باستطاعتها من خلال أعمالها أن تبرهن على أنها شريك جاد في السبيل نحو تحقيق السلام. هذه بالطبع علاقة استراتيجية تكسب بريطانيا من خلالها الكثير بفضل التجارة، والزيارات التي تقوم بها شعوب الشرق الأوسط إلى بريطانيا للسياحة وإقامة علاقات تجارية والدراسة، ووجود المزيد من التفاعل لأجل تكوين فهم أكبر لثقافات وقيم بعضنا البعض. آمل أن أتمكن من خلال منصبي كوزير للخارجية أن نعمل معا على بناء علاقات بناءة تسودها الثقة.. علاقات تتيح لنا تقديم حلول حقيقية ودائمة لهذه القضايا. إنني أؤمن بشدة بأننا سننجح من خلال هذه العلاقات في خلق مستقبل أفضل وأكثر إشراقا لنا جميعا. [c1]* وزير الخارجية البريطاني[/c]
|
فكر
لماذا نحتاج إلى بعضنا البعض لمعالجة التحديات العالمية؟
أخبار متعلقة