قل لي أي مقهى ترتاد أقل لك من أنت المقاهي في البلدان العربية منتديات وأمكنة للتأمل والتقاء الأصدقاء، وأيضا فسحة لالتقاط الأنفاس لدى الغرباء والباعة الجوالين، فضلا عن دورها كمركز للاسترزاق وتجمع أصحاب الحرف كالبنائين والمبيضين والسباكين والنجارين، وأضيف إليهم العاطلون الذين يبحثون عن العمل من خلال إعلانات الصحف، وكثير من هذه المقاهي تحمل اليوم يافطات لأشهر الأفلام والروايات العربية، بل وأسماء لشخصيات سياسية وتاريخية، وهي اليوم على حالها وبنفس الصورة التي كانت عليها منذ عقود من الزمن، والتغير الحاصل فيها إحلال الفضائيات محل الراديو وغياب الحكواتي الذي كان من الطقوس الرئيسية في معظم مقاهي مصر والشام. ومع تطور العصر اخذ المقهى شكلا أكثر رقيا وحل عليه مصطلح جديد ومستعار من الإنجليزية هو الـ "الكوفي شوب"، الذي تقدم فيه المأكولات والمشروبات الساخنة، وتتوفر فيه الألعاب الجديدة كالبلياردو وتنس الطاولة، إلى جانب الموسيقى الحية التي يقوم بعزفها فرد أو أكثر كما تقدم فيه الموسيقى الشرقية وذلك لإضفاء جو من الرومانسية. بطبيعة الحال رواد المقهى التقليدي الشعبي يختلفون عن رواد "الكوفي شوب"، ففي الأول شرائح مختلفة من المجتمعات البسيطة والمتوسطة ومنهم أيضا الموظفون والمثقفون، بينما رواد المقهى الحديث هم غالبا من النخب الاجتماعية والثقافية وذوي الدخول العالية، والفارق بينهما أن المقهى الشعبي ينتشر في كثير من الأحياء والمناطق الشعبية والاهم انه ارخص ماديا، بينما المقهى الراقي ينحصر وجوده في المراكز التجارية والفنادق و المناطق السياحية ويعامل رواده بالأسعار السياحية. في هذا التحقيق نلتقي مع نماذج مختلفة من رواد المقهى الشعبي و(الكوفي شوب)،ونتعرف منهم أكثر على الطقوس المختلفة التي يمارسونها في المكان الذي يختارونه. [c1]ملتقى الفنانين [/c]علي الشاعر صاحب »كوفي شوب وانترنت" يقول: "لا يمكن الجزم بأن مرتادي المكان هم من شريحة المجتمع الغنية أو من ذوي الدخل الكبير، فمن خلال مشاهدتي لرواد المكان أرى هناك شرائح مختلفة غالبيتها من الشباب الذين ينتظمون في مواعيد الحضور حيث يلتقي الأصدقاء لتبادل الأحاديث والآراء أو لمناقشة قضاياهم، والبعض منهم يختار زاوية من زوايا الانترنت لممارسة هوايته، والملاحظة التي شدتني أكثر أن هناك شريحة من المثقفين منهم الشعراء والفنانين يلتقون في مواعيد محددة و الحوار الذي يدور بينهم حول اهتماماتهم المختلفة". وفي صلاح مسؤول " كوفي شوب" في احد الفنادق يضيف معلومة مختلفة ويقول: " نوعية الرواد عندنا غالبيتهم من الجنسيات الإفريقية وبعضهم القليل من العرب، ومعظم حديثهم يدور حول التجارة والاستيراد والتصدير، وربما هم من تجار الترانزيت أو مندوبي الشركات والمؤسسات التجارية، أما الشريحة العربية الصغيرة فهي تستمتع بالموسيقى الشرقية التي تبث معظم أيام الأسبوع ويشارك في عزفها فنان عربي". [c1]اهتمامات متباينة [/c]محمود مدير مقهى شعبي يصنف رواده من الشرائح المختلفة: العامل العادي والموظف والتاجر، وهم من الجاليات العربية المختلفة، يقول محمود: " نظرا لاختلاف الجاليات ونوعية اهتماماتها فقد قمنا بنشر الشاشات التلفزيونية في كافة أروقة المقهى وهى كبيرة جدا حتى نلبي رغبات واهتمامات كل جنسية، فهناك من يفضل متابعة الأخبار والآخر يشاهد مباريات كرة القدم بينما البعض يفضل لعب الطاولة على أنغام الموسيقى الشرقية". أبو عامر مسؤول احد المقاهي الشعبية ويعمل في هذا المجال منذ ما يقرب من عشرين عاما، يقول مستندا إلى خبرته: " مرت علي أنواع كثيرة من الرواد، والذي لفت نظري أن شريحة الشباب ومتوسطي العمر هم الأكثر ارتيادا، فالشباب يجتمعون كشلل وجماعات وغالبا يبدأ حضورهم من بعد العصر ويجلسون حتى ساعات متأخرة من الليل، بينما متوسطو العمر وبعض كبار السن يأتون في المساء ولا تطول جلستهم لأكثر من ساعتين أو ثلاث، وهذه الشريحة عادة ما يدور حديثها حول قضايا العمل ومنهم عاطلون عن العمل ويبحثون عن وظيفة " . [c1]شباب عصري [/c]إبراهيم محمد إبراهيم احد رواد 'الكوفي شوب" يقول: " المكان يختلف كليا عن المقهى الشعبي، فالجو أكثر رومانسية، واعتقد أن حديث الأصدقاء يكون أكثر تركيزا ويدور في قضايا العمل والسفر وأحيانا عن المستقبل، بينما حديث المقهى الشعبي غالبا يكون غير جدي ويغلب عليه المزاح والتنكيت". وتقول خديجة محمد: " قمنا إنا وصديقاتي بتحديد يوم في الأسبوع نلتقي معا في احد المراكز التجارية العامرة بـ " الكوفي شوب"، واعتدنا أن يكون يومنا هذا يوم إجازة بعيدا عن هموم العمل ومشاكله، لذلك غالبا مايدور حديثنا عن همومنا الخاصة وهي هموم الفتاة، والبعض منا لا يتردد في الحديث عن علاقاته العاطفية، واعتقد أن المكان يساعد على إدارة حديث عن خصوصياتنا". وتضيف خلود الشحي: "اتفق مع صديقتي فالمكان يساعد على أن تأخذ الفتاة حريتها أكثر فى المقاهي العصرية، بينما ارتيادنا للمقاهي الشعبية أصبح مريبا بعض الشيء، بينما "الكوفي شوب" حضاري وبعيد عن الشبهات". ويشرح الدكتور صالح الخليفي الواقع الآني للمقاهي، ويقول: "اعتقد أن الناس تنطلق من البيئة التي تعيشها، فالإنسان البسيط يفضل الأمكنة البسيطة كالمقهى الشعبي، والإنسان غير العربي يفضل "الكوفي شوب" لأنه يتلاءم وطبيعته أو الحياة التي تعود عليها في بلده، والملاحظ أن غالبية كبيرة اليوم من الشباب العرب يرتادون" الكوفي شوب " في المراكز التجارية ليجمعوا أكثر من هدف واحد مثلا (الشوبينج) و (الكوبتشينو)". دبي / جميل محسن
الـ " كوفي شوب" ملتقى الرفاهية والنخب.. و" الشعبي " للبسطاء والعامة
أخبار متعلقة