الذكرى 25 لرحيل الفنان علي الانسي 21 مارس 1981م-21 مارس 2006م
[c1]لن نجمع التراث الغنائي عبر الموظفين .. وإنما بجهود الفنانين الحقيقيين!! [/c]خمسة وعشرين عاماً منذ رحل ذلك الفنان العظيم ( علي بن علي الانسي ) عن دنيانا الفانية .. رحل جسداً ،ولكن روحة وابداعاته وصوته المميز ظلوا،وسيظلون لزمن طويل قادم في وجدان شعبنا اليمني الذي احبة الانسي وغنى لافراحة وانتصاراته .. وترجم عواطفه ومشاعره الى اغنيات تزداد تألقاً وشعبية كلما مرت عليها السنوات من منالم يطربه صوت علي الانسي ولم يرقص على الحانه ولم يردد معه اناشيده الوطنية .. إنه من الفنانين العمالقة التي انجبتهم الارض اليمنية!! بعض الناس تعرفهم لفترة طويلة .. ومع هذا تحس انك لاتعرفهم ولا يتركون لديك اي اثر والبعض الآخر/تلتقي بهم مرة واحدة فقط ولكنك لاتحس انهم غرباء عنك بل تحس انك تعرفهم منذ زمن طويل .. ومهما غابوا عنك يظل اثرهم باقياً في نفسك!!ومن هذا النوع النموذج الثاني .. كان الفنان الراحل علي الانسي !!عبدالقادر خضر فرغم اعجابي الكبير بأعماله الفنية .. ورغم زياراته العديدة لعدن منذ ستينيات القرن الماضي .. وزياراتي العديدة لصنعاء ،ورغم انني التقيت صحفياً وتلفزيونياً بجميع الفنانين الكبار فانني لم التقي بعلي الانسي شخصياً الا في شهر مايو من عام 1980م.. التقيته مرتين فقط،وافترقنا على وعد اللقاء القريب .. ولكن هذا لم يحدث بكل اسف .. لقد رحل الفنان المبدع بعد اقل من عام من لقائنا الاول لم يستطع قلبة الرقيق ان يتحمل الام المرض.. لم يستطع ان يستمر في خفقاته فتوقف عن النبض !!اعود بذاكرتي الان الى عام 1980م عندما كنت في صنعاء في مهمة صحفية حيث كان اسم الفنان علي الانسي على رأس قائمة الفنانين الذين قررت الالتقاء بهم .. فليس معقولاً إن نتحدث عن الاغنية اليمنية دون ان نلتقي بعلي الانسي ولكن مرافقي قال بنبرات اسف:الاستاذ علي الانسي مريض .. وربما يكون من الصعب مقابلته! قلت له : ان كانت هناك صعوبة في لقائي له كصحفي يريد اجراء حوار معه فلا بأس على الاقل من زيارته كمعجب بفنة !!قال سنحاول:في تلك الايام قبل ربع قرن كان (شطرنا الشمالي من الوطن اليمني) يستعد لاستقبال الرئيس السابق (علي ناصر محمد)ضمن محادثاته الوحدوية التي كان يجريها مع اخية الرئيس (علي عبدالله صالح).. فاقترح الاستاذان يحي العرشي وزير الثقافة والاعلام والاديب الشاعر الاستاذ حسن اللوزي الذي كان يشغل منصب نائب وزير الاعلام والثقافة بان اعد واقدم سهرة فنية تجمع بين فنانين من مختلف المناطق اليمنية احتفاءً باللقاءات الوحدوية التي كانت تعقد انذاك وبفضل دعم وتوجيهات الاستاذ اللوزي بدانا الاعداد لتلك السهرة الوحدوية..كنت اتمنى ان يكون الفنان الكبير علي الانسي ضمن الفنانين المشاركين في هذه السهرة الوحدوية ولكنه كان مريضاً كما قيل لي وبينما كنت استعد لتسجيل السهرة اخبرني المرافق اننا سنقوم عصر ذلك اليوم بزيارة الفنان علي الانسي في منزله فشعرت بسعادة انني سالتقي به اخيراً..في منزل بسيط كبساطة صاحبة قابلت علي الانسي وسط مجموعة من اصدقائه الذين قدموا لزيارته .. قلت له : كنت اتمنى ان تشاركنا السهرة التي نعدها لتلفزيون صنعاء...قال : انا اتابع باهتمام معظم سهراتك التفلزيونية،وهي تعجبني جداً ..وصدقني ياأخي عبدالقادر بودي ان اشارك ولكني مثلما ترى مازلت اشعر ببعض التعب..وهنا سألني احد الموجودين عن الهدف من تقديم السهرة ؟.. وما ان قلت له عن الهدف الوحدوي للسهرة حتى قام الانسي من مكانه الى حيث يقبع عوده وقال :اخي عبدالقادر :ساحضر للمشاركة في هذه السهرة!!وعندما قال احد اصدقائه : غير معقول فانت لاتزال مرهقاً .. اجابه..طول عمري وانا اتمنى الوحدة .. اغنيها واغنى بها وهاهي بوادرها اتيه بلقاء قادة اليمن وتطلبون مني ان لا اغني ؟! .. لا يا اخوان انا اعرف ان صوتي مرهق نتيجة المرض ،ولن يكون في المستوى المطلوب الذي تعوده الجمهور مني ولكن يكفي مشاركتي في هذه المناسبة الوحدوية العظيمة!!وفي يوم التسجيل مررنا عليه في منزلة فوجدناه هو وابنه الصغير الذي كان يشكو من الحمى .. فقال لنا انه سيأتي بعد ساعة الى مبنى التلفزيون لانه سيذهب بابنه المريض الى الدكتور/ ابنه هذا اصبح الان المطرب اسامة علي الانسي واتى علي الانسي الى التلفزيون وشارك في السهرة التي استمر تسجيلها اكثر من ثمان ساعات وكان يغني لليمن الموحد رغم انه كان مريضاً وابنه الصغير نائماً في غرفة ضيوف التلفزيون يشكو من الحمى !! وكانت تلك اخر مرة يغني ويظهر على شاشة التلفزيون حيث توفاه الله بعدها باشهر قليلة.. والغريب انه كان يسجل تلك الليلة الاغاني الوحيدة له بالالوان لان كل اغانية المسجلة كانت باللونين الابيض والاسود نتيجة عدم اهتمام المسئولين في تلفزيون صنعاء بتسجيل اغنيات هذا الفنان العظيم بالالوان وباخراج يليق باسم وفن علي الانسي !!اشترك معي في تقديم السهرة الفنية الاعلامية الرائعة( امة العليم السوسوة) ومجموعة من الفنانين الكبار من مختلف المحافظات اليمنية وبعض الاصوات الشابة فوجدتها فرصة لاسألة عن راية فيها ؟ .. فقال :بعضها يبشر بخير ولكنها كما يبدو مستعجلة على الشهرة ان امام هذه المواهب وقتاً طويلاً لتصبح في المستوى المطلوب !! قلت له : ولكن هذه المواهب تشكو عدم رعايتكم كفنانين كبار لها وتشجيعها على الظهور والنجاح ؟!قال اسمع ياعزيزي عبدلقادر الفنان الحقيقي يعرض فنه على الناس رغم كل العقبات .. لاشك انك بحكم موقعك كصحفي تعرف الكثير عن تاريخ حياة فنانينا الكبار كنا هنا في صنعاء نغني في السر ابان الحكم الامامي كان الفن محرماً وحراماً وكل من يغني كافر عقابة السجن والجلد .. ورغم هذا كنا نغني ونصل باعمالنا الى الناس .. لم تكن هناك ميكرفونات ولا اذاعة ولا تلفزيون ولاحفلات ساهرة .. ورغم هذا فقد كانت اغانينا تصل الى كل المناطق اليمنية ... لم تكن هناك معاهد موسيقية ولا ادارة تهتم بالفن ورغم هذا كنا نقدم للناس فناً جيداً !! وفي عدن .. لم يكن هناك اية امكانيات ولارعاية عندما ظهر القعطبي والماس والقمندان وجمعة خان .. ورغم هذا فأغانيهم خالدة !! وهكذا الامر بالنسبة لأحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد وغيرهم .. لقد استطاعوا ان يفرضوا انفسهم من خلال فنهم ،لامن خلال رعاية الآخرين .. ان الفنان الحقيقي يفرض اعماله الفنية على الجمهور.. أما (المتغني) فمهما قدمنا له من امكانيات ودعم وفرص فان الجمهور سينفر منه!!ان جمهورنا حساس ويعرف الجيد من الرديء .. ومثلما قابلنا نحن بحب وتشجيع فانه سيقابل ايضاً كل فنان جيد بنفس الحب والتشجيع!!قلت له : والتراث الغنائي يا استاذ علي؟قال : الحديث عن التراث الغنائي طويل ومتعب .. ولكن في رأيي انه كثر الحديث عن التراث دون الاهتمام الفعلي به .. واصبح التراث مشوهاً على ايدي البعض الذين يدعون انهم يجددونه !! التراث لايحتاج الى تجديد واضافات بل يجب تقديمة كما هو .. يمكن ادخال بعض الالات المناسبة والمتطورة ولكن دون تشويهة ومسخة!!التراث الغنائي الاصيل لن نجمعة عبر لجان من الموظفين ولكن عبر الفنانين الحقيقيين !قلت له : ويمن الوحدة .. ماهي امنيتك له ؟قال بحماس : الوحدة الفعلية بين الشعب اليمني حقيقة موجودة على مر الزمن .. لم تستطع كل الظروف ان تفرق بين اليمانيين!صمت لحظة .. وقل بأسى:اخاف ان اموت قبل ان اغني لليمن الموحد .. هل تدري ياعبدالقادر انني اوصيت بعض اصدقائي في حالة موتي قبل تحقيق الوحدة اليمنية ان يضعوا وروداً على قبري يوم ان تتحقق جمهورية اليمن الموحد .. على ان يقطفونها من بساتين عدن ولحج!!واليوم .. وقد تحقق حلمنا في توحيد الوطن اليماني وبعد مرور سته عشر عاماً على ارتفاع علم (الجمهورية اليمنية) خفاقاً .. نضع هذه التحية الخاصة لقادمة من بساتين عدن والحوطة .. على قبر علي الانسي في صنعاء الغالية !!