أعلنت جماعة الإخوان المسلمين خوض انتخابات مجلس الشوري وهي رافعة شعار «الإسلام هو الحل»، في تكرار لنفس الخطأ الذي جري في انتخابات مجلس الشعب وعبر عن مشكلة فكرية وسياسية أكثر مما هي مشكلة قانونية ودستورية.والحقيقة أن رؤية الجماعة في هذه المسألة تقوم علي أن « الإسلام هو دين ودولة »، وأن رؤيتهم السياسية مستمدة من الإسلام، وأنهم يعتبرون العودة إلي المبادئ الإسلامية عودة لقيم النهضة والتقدم والإصلاح، وأنهم يعتبرون أن الإسلام منهج شامل للحياة لا يقتصر علي الأمور الدينية فقط، إنما يشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.واختار الإخوان أن ينتموا إلي المشاريع الفكرية والسياسية الكبري ، واعتبروا أن انتماءهم إلي مرجعية دينية إسلامية سيعطيهم ربما « حصانة خاصة » من تعثر مشروعهم ، كما جري للمشاريع الكلية المقابلة الماركسية والقومية، وأيديولوجية المحافظين الجدد في أمريكا.وبعيدا عن التناقض الذي تضمنه الدستور المصري بين مادتيه الثانية والخامسة، بالنص في الأولي علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ورفض تأسيس حزب سياسي علي أساس الانتماء لهذه المادة الثانية، فإن مشكلة التمسك بهذا الشعار تعكس إصرارا علي النظر إلي الإسلام باعتباره نصاً، أو قيمة عليا لن تتباين في التطبيق من مجتمع أو من نظام إلي آخر، فخبرة «الإسلام هو الحل» التي شاركت في السلطة عن طريق انقلاب في السودان كانت سلبية وتراجعت الآن عن كل الشعارات والأوهام التي طرحتها في التسعينيات من أجل استمرار بقائها في السلطة، وحركة طالبان التي حكمت أفغانستان كانت نتائجها كارثية، بالمقابل فإن خبرة « الإسلام هو الحل » في تركيا وإيران ــ علي ما فيهما من تناقض ــ كانت إيجابية لامتلاكهما آليات ديمقراطية، ونفس المؤشرات تدل عليها تجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب، والتيارات التي تبنت الإسلام الحضاري في ماليزيا وقدمت نموذجا للإنجاز الاقتصادي والسياسي.والواقع أن عصر الشعارات والمرجعيات الكلية التي تطبق بمعزل عن الواقع السياسي المعاش قد انتهي من الحياة السياسية في العالم كله بشرقه وغربه، فلا أحد يقول في أي مجتمع ديمقراطي إن الاشتراكية هي الحل أو الليبرالية هي الحل، إنما التحدي الحقيقي هو كيف يمكن أن يستلهم هذا الحزب أو ذاك التيار من الاشتراكية أو الليبرالية أو الإسلام أفكاراً سياسية محددة للنهضة والتقدم. ويبدو أن إحساس البعض بأن الانطلاق من « مرجعية إسلامية » مقدسة سيعني نجاحا تلقائيا في حل مشكلات الواقع، بصرف النظر عن المضمون الذي ستحتويه هذه المرجعية، وهو أمر يسهم في تغييب وعي المواطن العادي عن مشكلاته الحقيقية التي لن تواجهها إلا رؤية سياسية إصلاحية مؤمنة بالعدالة والديمقراطية والاستقلال الوطني والحضاري، وهي الأفكار التي أعلن الإخوان مرارا أنهم يتبنونها ومع ذلك لم يستخرجوا منها شعارهم الانتخابي. والحقيقة أن التاريخ الإسلامي والإنساني كله لم تطبق فيه العقائد والأفكار الكلية من خلال ملائكة أو أفراد معصومين عن الخطأ، لأنهم مسلمون أو مسيحيون مؤمنون، وحين حدث ذلك واعتبر البعض أنفسهم حراس العقيدة الدينية أو السياسية، أو حراس الثورة والدين، كانت النتيجة هي كوارث حقيقية شهدها العالم بدءا من مراحل كثيرة في التاريخ الإسلامي والغربي، مرورا بما جري في بلدان أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، وانتهاء بأفغانستان والسودان والعراق وسوريا وغيرها من النظم الاستبدادية.لقد أخطأ الإخوان بطرح شعار « الإسلام هو الحل » مرة أخري ، وأعادوا الاعتبار لطريقة انتهت في الفهم السياسي، خاصة أن الجميع يعرف بمن فيهم الإخوان، أن شعار «الإسلام هو الحل» ليس حلا، إنما الحل في رؤية سياسية واجتماعية وثقافية حديثة يتبناها الإخوان، ويكونون قادرين علي الدفاع عنها وتقديمها بشكل ديمقراطي للمواطنين.والحقيقة أن الإحالة إلي شعار عام وفضفاض مثل « الإسلام هو الحل »، قد تتناسب مع حالة الإخوان في بداية الثمانينيات حين كانوا يتلمسون طريقهم في الساحة السياسية الشائكة، فأسسوا التحالف الإسلامي ورفعوا شعار « الإسلام هو الحل » في انتخابات ١٩٨٧، ولكنه لا يتناسب مطلقا مع الحالة الحالية بعد أن اكتسبوا خبرة سياسية كبيرة وأصبح لديهم ٨٨ نائبا في البرلمان وخاضوا معركة انتخابية اتضح فيها كفاءتهم التنظيمية وقدرتهم علي التعبئة والحركة، وبدأوا حاليا يعدون برنامجا سياسيا حديثا تمهيدا لتأسيس حزب سياسي، ورغم ذلك يصرون علي إحالة الناخب إلي شعار يعرفون هم قبل غيرهم أنه بلا مضمون عملي في الواقع.إن الخبرة التي اكتسبها مؤخرا الإخوان المسلمين من خلال دورهم النقابي والسياسي تؤهلهم أن يقدموا اجتهادا سياسيا عميقا وشعارا سياسيا براقا، وليس شعارا دينيا عاما وفضفاضا، ويجتهدوا في بناء رؤية سياسية واضحة منسجمة أو مستمدة من ثوابت الإسلام بدلا من حالة الاستسهال المريح التي يقدمها شعار «الإسلام هو الحل»، بصورة تحول دون تقديم اجتهاد سياسي وانتخابي قادر علي مواجهة تحديات الواقع الحالي.لقد حان الوقت أن يملأ الإخوان المسلمين هذا الشعار العام والفضفاض بمضمون ما، يعبر عن اجتهادهم السياسي، والأولويات التي يعطونها من أجل إصلاح هذا الواقع المأزوم، فهل يعتبرون العدالة هي الحل، أم الديمقراطية أو حتي الشوري هي الحل، هذه هي المضامين التي علي الإخوان أن يملأوا بها شعاراتهم الانتخابية لا أن يظلوا جامدين خلف شعار طرحوه منذ عشرين عاما دون أدني تغيير.المؤكد أن مستقبل الإخوان مرتهن بقدرتهم علي امتلاك خطاب سياسي مساو لقدراتهم التنظيمية، وأن يجتهدوا اجتهادا حقيقيا لا غموض فيه، لأن يكونوا الطرف الأبرز في مسيرة بناء تيار إصلاحي عريض يضم قطاعا من نخبة الدولة بجوار تيارات المعارضة الإصلاحية الجديدة، كما أن رغبتهم في بناء حزب سياسي مدني لابد أن تسبقها خطوات تطمئن النخبة المدنية العريضة في مصر، وربما يجدون أنفسهم في يوم قد لا يكون بعيدا أمام استحقاقات تأسيس حزب مدني، وصياغة برنامج سياسي قابل للتحقق، لا أن يبقوا أسري شعارات قديمة ومرجعيات سيطبقها بشر، وبالتالي سيخرجونها من إطارها المطلق والمقدس، ويحولونها إما إلي سياسات ورؤي نسبية تسهم في نهضة هذا الوطن، أو إلي حارس جديد للاستبداد. [c1]كاتب مصري[/c]
|
فكر
لماذا الإصرار على شعار «الإسلام هو الحل»؟
أخبار متعلقة