الفنان المتميز محمد صالح عزاني
[c1]* تجليات الأداء العميق وعذوبة اللحن الرقيق * اتسمت تجربة العزاني الإبداعية "بخليط من المشاعر والاحاسيس الفنية والإنسانية الصادقة * عندما يغني العزاني يأخذ جمهوره لحالة أشبه ما تكون بعملية "تنويم مغناطيسي" [/c] قليلة تلك التجارب التي خلقت لتحيا وتظل بما يميزها من قيم إنسانية وجمالية راسخة بأفئدتنا ووجداننا وعقولنا لاتزول رغم صعوبة وحجم المعاناة التي عادة ما تلازم مثل هذه التجارب الإبداعية الخلاقة غير النمطية خاصة في مجتمعاتنا العربية المتخلفة التي لاتقدر كما يجب وينبغي قيمة ومكانة هذه القدرات والمواهب منذ بداياتها الأولى، بل أن المسألة تحتاج في واقعنا الثقافي الإبداعي كي نمنحها "صك الاعتراف والموافقة" زمناً طويلاً وثمناً باهضاً محسوباً من عمر حياة تلك الموهبة أو من على شاكلتها.الحقيقة أن الفنان المتميز محمد صالح عزاني واحد ممن تنطبق عليهم هذه المقدمة فالكل يعلم أنه ظهر كموهبة فذة في وقت مبكر جداً من حياته الفنية وقد سبقه بالظهور كثير من المطربين وايضاً رافقه بفترة ظهوره العديد من زملائه واترابه في المهنة، وبطبيعة الحال جاء من بعده آخرون.. ولكن العزاني رغم قصر عمره الفني استطاع أن يختط طريقاً ومسلكاً يخصه بل أنه نحت في الصخر ليؤسس لنفسه مكانة فنية مرموقة استطاع بها أن يختزل سنوات طويلة من عمره الفني الحافل ليجعل من تجربته الغنائية والموسيقية مثلاً يحتذى به ويشار إليه بالبنان فيصبح الرقم "الصعب" في سماء الغناء اليمني الأمر الذي عجز عن تحقيقه الكثير في الأوساط الفنية ، وتلك هي مشكلة العزاني مع "حزب أعداء النجاح" ماحققه من نجاحات متسارعة مطرده فلم يستطع الواقع في تلك الفترة من أن يجاريه بخطواته الفنية الواثقة المتلاحقة بل أن كثيراًمن "الأصنام" الثقافية والإبداعية وقفت في فترة ما "ضد مشروع الفنان محمد صالح عزاني الغنائي والموسيقي".فكيف يمكن لك أن تتخيل حجم المعاناة التي اصطدم بها العزاني مرهف الإحساس مع الواقع المؤلم "المصنم والجامد" ليخوض تجربة إنسانية وفنية شاقة قاسية جداً رمت به الى متاهات أدرك بها البداية ولم يستطع أن يدرك النهاية، دليلنا على صحة ما نقول أن العزاني أكثر أبناء جيله نجاحاً وأقلهم توثيقاً لأعماله في أجهزة الإعلام التلفزيون والإذاعة فلم يتمكن العزاني من التوثيق والتسجيل إلا في البدايات الأولى من حياته الفنية ومن ثم انقطاع طويل ليعود بعدها للتسجيل والتوثيق بعد وساطات وتدخلات من الطيبين ولكن في اللحظات الأخيرة من عمره الفني المثمر الحافل والجميل وبعد أن داهمه المرض والإحباط لكننا حتى في حالته الأخيرة لم نشاهد العزاني إلا مبدعاً.. خلاقاً.. رائعاً.. شامخاً.. شكل الفنان محمد صالح عزاني ثنائياً ناجحاً مع الشاعر الغنائي الرائع أحمد بومهدي.قدم الفنان محمد صالح عزاني مجموعة متميزة من الأعمال الغنائية في بداياته الأولى تركت علامة مهمة وخصوصية متفردة في مشواره الفني إذ أنه شكل مع الفنان الملحن القدير فيصل عبدالعزيز ثنائياً رائعاً ومن الأعمال التي نتذكرها لهم على سبيل المثال /فين التقينا/ أيش من أسرار/ مثل الآمال وفي الواقع نشعر أن هذه الأعمال الجميلة تستحق عناء الدراسة والبحث لاحقاً.تتلخص تجربة الفنان محمد صالح عزاني الغنائية والموسيقية وتنقسم إلى ثلاثة محاور هامة:أولاً:"العمق في الأداء"كان الفنان محمد صالح عزاني يمتلك صوتاً جميلاً عذباً أخاذاً ممزوجاً بخليط من المشاعر والأحاسيس والانفعالات الانسانية والفنية وكان من الفنانين القلائل الذين يتمتعون بحضور ابداعي فني مسرحي قوي ومؤثر على كافة المستويات في توصيل الأغنية فيصل في كثير من الأحيان الى حالة من "التوحد" الإبداعي مع المستمع والمتلقي لأعماله واغانية فينصهرا ليشكلا معاً مشهداً غنائياً منسجماً متناغماً قوامه الصدق في ملامح وتعابير صوت العزاني وقوة وسلامة مخارج الألفاط التي تمكنه من اقناع كل من يستمع إليه بأنه بالفعل يعاني من حالة إنسانية ما وجدت في مضمون النص الغنائي الذي يتعاطاه وللعزاني نبرات صوتية حباه الله بها غاية في الشفافية والوضوح تمكنه من القيام بعملية أشبه ما تكون "بتنويم مغناطيسي" يصل إليها في دورة أدائه لاغنياته الرائعة مع المستمع والمتلقي الذي يجد نفسه لايستطيع أن ينصرف بعينيه وبأذانه من متابعة أداء العزاني الساحر والاخاذ ومن هنا يأتي سر نجاح العزاني في أدائه العميق بأغنياته التي نتذكر منها : تسألني كيف الحال/ ظن أني نسيته أتفقنا/ بعد ايه ترجع لحبي/ ساعة ما نظرتك/ فين التقينا/ اشتقت لك مثل الآمال/ أنا وهو انظلمنا.ثانياً الأعمال الغنائية التي قدمها لكبار الملحنين"قدم للعزاني في بداية مشواره الغنائي نخبة من ألمع الملحنين الكبار في ساحة الغناء ا ليمني بذلك الوقت الحاناً خالدة مكنت صوت العزاني من الظهور بقوة وثبات ومن أشهر هؤلاء الفنانين الاساتذة محمد مرشد ناجي/ محمد محسن عطروش/ محمد المحسني/ فيصل عبدالعزيز/ إلا أن الفنان محمد صالح عزاني استطاع أن يكون شخصية مستقلة وبصمة خاصة تحسب له بخروجه من جلباب وعباءة تلك الاسماء المؤثرة الكبيرة المعروفة بمدارسها ومناهجها في ساحة الغناء اليمني فلم يكن مقلداً أوتكراراً لأحد لكنه قدم تلك الألحان لاساتذته بكل صدق وأمانة ليضيف لها احساسيسه ومشاعره وتجربته المستقلة وقد نجح بذلك تماماً إذ أننا لايمكن أن نتذكر عندما يغني العزاني إلا حضوره اللافت والمبهر وصوته الحنون المتألق.ثالثاً" ملحن من الطراز الأول"مما لاشك فيه أن الفنان محمد صالح عزاني قد تدرج وتدرب عبر مراحل فنية متلاحقة سبق أن تحدثنا عنها في البداية وعن التسلسل الذي مر به العزاني في حياته الفنية كصوت متميز ثم مؤد يمتلك قدرات نادرة وبالطبع هذه التراكمات أوصلته بجدارة ليكون ملحناً بارعاً متميزاً امتلك بالفعل أدواته الفنية وأبحر بها بفضاءات غنائية موسيقية رحبة_.تأثر الفنان محمد صالح عزاني "الملحن" بكل المدارس التي سبقته وعلى وجه الخصوص مدرسة الأستاذ/ محمد مرشد ناجي والاستاذ/ محمد محسن عطروش والمحسني والاستاذ/ فيصل عبدالعزيز ونستطيع ان نقول أنه تمكن من استيعاب وهضم كل هذه المدارس الكبيرة في فن التلحين ليخرج لنا "بخلاصته وتجربته المتفردة" كملحن شكلته كل تلك التجارب الموسيقية وصقلته لتصنع منه ملحناً من الطراز الأول.تميز بقدرته في توظيف كثير من الإيقاعات الشعبية والنغمات المتداولة كمورث غنائي وإكسائها بجمل موسيقية مليئة بالطرب والشجن الجميل المحبب للقلب مثال على ذلك الحانه في أغنياته: ظبي شفته/ الطير الأخضر/ ناقش الحنة شلني يا دريول/ يا أهل ذي الساكن/ يا حبايب/ ابدع الفنان محمد صالح عزاني ايضاً في الجانب الآخر بأسلوب جديد أظهر فيه قدراته الغنائية والموسيقية ذات الأبعاد والاشكال الفنية المختلفة المتناغمة بشكل موسيقي فيه كثير من التعابير الإنسانية والجمالية وقد نجح العزاني بتوصيلها كملحن عبر نبرات صوته الدافئ والحنون واستطاع العزاني كملحن حديث العهد أن "يمنح حنجرته وصوته الذهبي ما كانت تستحقه من ألحان" رائعة وجميلة فلم نشعر نحن كمتذوقين أن هناك فارقاً كبيراً قد حصل أو خلل حدث في مسيرته الفنية بعد أن تولى مهمة التحلين لنفسه وبعد أن توقف عمالقة التلحين من تعاملهم معه ومن وجهة نظري أن ذلك أمر لم يكن بسيطاً وسهلاً على الأطلاق استطاع أن يجتازه العزاني كملحن بتفوق ونجاح منقطع النظير ومن الأعمال الجميلة التي تؤكد موهبته كملحن من الطراز الأول على سبيل المثال لا الحصر اغانيه: ظن أني نسيته / أتفقنا/ بعد أيه ترجع لحبي/ بلادي الى المجد/ بالنار والحديد.استخدم الفنان محمد صالح عزاني المقامات الشرقية الأصيلة في أعماله الغنائية الموسيقية مثل مقام "الرصد" ومقام "البيات" ومقام "الحجاز" بالاضافة الى مقام "الحسيني على درجة لا".** ومن أهم الشعراء الذين تعامل معهم العزاني الأساتذة/ محمد سعد عبداللّه/ محمد عبداللّه بامطرف/ أحمد بومهدي/ مصطفى خضر/ محسن بريك/ عمر عبداللّه نسير وآخرون.كان للعزاني دوراً مهماً ومميزاً في الغناء الوطني فمن منا لايتذكر اغانيه الشهيرة "بلادي إلى المجد" واغنيته الرائعة "بالنار والحديد" في الأخير أتمنى أن أكون قد وفقت في اقتطاف بعض من خمائل وزهور حديقة العزاني الغنائية الموسيقية رائعة البهجة والجمال.