أضواء
منذ ستة أشهر - أو تزيد - وأنا أقرأ أخباراً يصعب تصديقها عن عمليات للقرصنة تتم أمام الساحل الصومالي، وهي عمليات حقيقية لم نكن نسمع عنها إلا في قصص البحارة وأفلام المغامرات - وكنا نعتقد أنها توقفت بتوقف عصر الكشوفات الجغرافية. ولكن الحقيقة هي أن الوضع المزري في الصومال أفرز عصابات بحرية تتصيد السفن التجارية الداخلة والخارجة من مضيق باب المندب (أهم خط بحري يربط الشرق بالغرب). وفي حين سمعنا عن اختطاف سفن إيطالية وألمانية وكورية، لم نكن نتصور دخول سفينة سعودية ضمن قائمة الضحايا (ربما بسبب طبيعة تفكيرنا التي تعتمد دائماً على أن ما يحدث لغيرنا لا يحدث لنا). غير أن سفن القراصنة استولت يوم الأحد الماضي على ناقلة سعودية ضخمة تابعة لأرامكو محملة بالنفط المصدرإلىمريكا.. وهي سفينة ضخمة (تدعى نجمة الشعرى) تتسع لمليوني برميل من النفط تم تحويل مسارها إلى ميناء أيل الصومالي.. والعجيب فعلاً أن تتم هذه العمليات في عصر الانفتاح الدولي وإمكانية تتبع أي سفينة عبر الأقمار الاصطناعية. ولكن الواقع يقول إن أعمال القرصنة - حول العالم - طالت في السنة الماضية فقط 440 سفينة تقدر غنائمها بخمسمائة مليون دولار (وهو رقم لم يكن يحلم به قراصنة القرن السابع عشر)! فحتى ثلاثمائة عام مضت كانت أعمال القرصنة في أوج نشاطها وكان ينظر إليها كقدر محتوم من الصعب تلافيه. وبلغت من الرواج حداً أن بعض الدول الأوروبية وظفت قراصنة كبار للنيل من اقتصاديات الدول الأخرى. (كما فعلت بريطانيا مع أسبانيا في عهد الملكة إليزابيث الأولى)! ومع بداية القرن التاسع عشر أثمرت الجهود الدولية في الحد من أعمال القرصنة البحرية.. غير أن تزايد نمو التجارة العالمية في القرن العشرين ترافق مع عمليات قرصنة “مقننة” تعتمد على زوارق وتقنيات رصد حديثة جداً. أضف إلىذلك تحمل سفن القراصنة أسلحة متطورة وتندرج تحت شبكات عالمية - منظمات - في حين لا تتوفر هذه المزايا التقنية للسفن التجارية وتمنعها القوانين الدولية من حمل أي نوع من الأسلحة الدفاعية! .. وفي عام 1990م بلغت أعمال القرصنة قرابة التسعين حادثة، وفي عام 1996م وصلت إلى 187حادثة، وفي عام 1997م إلى 229وفي عام 2003تجاوزت 412حادثة (وهذه الأرقام هي المسجلة رسمياً ويعتقد أنها أقل من نصف العدد الحقيقي لما وقع فعلاً)! وتتنوع استراتيجيات القرصنة بما يتناسب مع جغرافية المنطقة ونفوذ الدولة التي تحدها؛ فبعض الدول - كالبرازيل والصومال - لا تملك خفر سواحل بمعنى الكلمة، فأصبحت بحارها الإقليمية مسرحاً لعمليات القرصنة والاختطاف. وهناك مناطق تتجاور فيها الدول إلى حد تلامس مياهها الإقليمية (كتركيا مع اليونان وماليزيا مع أندونيسيا) بحيث تستطيع سفن القراصنة الهرب إلى المياه الإقليمية للدولة المجاورة في حال طاردتها السفن الحربية للدولة الأخرى. ومن المناطق التي تعتبر خطرة هذه الأيام السواحل الصومالية وجزر الفلبين وأندونيسيا وبحر الصين الجنوبي وخليج تايلند وغرب أفريقيا وشمال أمريكا الجنوبية!! على أي حال؛ الأوضاع في القرن الأفريقي تشير إلى أن اختطاف “نجمة الشعري” لن يكون الأخير من نوعه في المنطقة، ومن شأن تكرار مثل هذه العمليات التأثير على سمعتنا وربما قدرتنا على تصدير النفط مستقبلاً.. وفي الحقيقة من المقلق أن تبدأ أمريكا وأوروبا في الحديث من الآن عن “ضرورة حماية السفن التجارية في البحر الأحمر”..البحر الذي تحده الدول العربية من كل جانب!![c1]*عن / جريدة ( الرياض ) السعودية[/c]