حسن بن سالمأعلنت وزارة الداخلية السعودية مؤخرا عن قائمة تضم 85 مطلوبا وهذه القائمة هي الأكبر عددا منذ اندلاع أحداث العنف بالمملكة عام 2003م حيث يفوق عددها عدد المطلوبين في القوائم الثلاث التي سبق الإعلان عنها على مدى خمس سنوات والتي استطاعت الأجهزة الأمنية القضاء على معظم المذكورين فيها, وقد أصدرت منظمة الشرطة الدولية الانتربول تعميم دولياً هو الأول من نوعه بخصوص ملاحقة 85 شخصا قالت إنهم إرهابيون مشتبه بانتمائهماً لتنظيم القاعدة وقال الأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية معلقا على ذلك بأنه «لم يسبق أن قام الانتربول بطلب ملاحقة مثل هذا العدد الكبير من الأشخاص الخطيرين في وقت واحد» .الجديد في هذه القائمة الأخيرة عن سابقاتها أنها ضمت ما لايقل عن تسعة أشخاص عادوا من معتقل غوانتناموا وخضعوا بعد عودتهم لعدد من البرامج الإرشادية والمناصحة من أجل تأهيلهم للانخراط في المجتمع ولكنهم عادوا من جديد. يتراوح متوسط أعمار المطلوبين في القائمة مابين 20 و35 سنة أي أن عددا ليس بالقليل منهم لا ينتمون عمريا إلى مرحلة الجهاد الأفغاني , إنما هم نتاج أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما سبقها من إعلان زعيم تنظيم القاعدة في نهاية التسعينات شن الحرب على المصالح الأمريكية خصوصا أن بعض من ذكروا في القائمة لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة أثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر ! هؤلاء الشباب المغرر بهم قد تغذوا على ثقافة العنف والبغض والكره لكل ما له صلة بالغرب عموما وبأمريكا خصوصا بعد أن كانت بوصلة العنف لسلفهم تتجه لعدو مختلف نتيجة الحرب الأفغانية والشيشانية.إن ورود أسماء أفراد في سن مبكرة في مثل هذه القوائم ينذر بالعديد من المخاطر من أهمها تشكل جيل انتحاري قابل للتحول إلى قنابل بشرية في أي لحظة وذلك لافتقارهم لأي مكتسبات شخصية تذكر داخل التيار الجهادي سواء على الصعيد العلمي أو الإعلامي أو الميداني , لذلك تحرص قياداتهم في مثل هذه الظروف على صناعة مجتمعات تعيش في عزلة عن جميع المتغيرات الحادثة في المحيط الاجتماعي العام بحيث يكونون قادرين على إبقائهم تحت سيطرة الخطاب الجهادي لأطول فترة ممكنة حتى يتم شحنهم بمبادئ التضحية والفداء ضد أوطانهم ومجتمعاتهم !هذه المقدمة تعيدنا مجددا للحديث عن التساؤل الكبير الذي لا يزال أكثرنا يثيره من حين لآخر وهو هل سينتهي العنف؟؟وللإجابة عن هذا التساؤل نقول إن ظاهرة العنف والتكفير لدينا لم تكن مجرد ردة فعل فحسب لما يجري من تغيرات أو تطورات على ارض الواقع بل إن ثمة تنظيراً وتأصيلاً وتقعيداً يشرع للعنف والإرهاب وهذه الشرعية قد تم تغذية أفكارها وآرائها من نتاج سلفي يضم في طياته ألوانا متنوعة من ضروب التشدد والتكفير والذي تطور مرورا بعدد من المراحل والأحداث بنصوص ونقولات أشبه ما تكون بخزان بارود قابل للانفجار في أي لحظة .لقد تمكنت الأجهزة الأمنية من تحقيق نجاحات كبيرة في القضاء على رموز وأتباع الفكر الضال طيلة السنوات الماضية ولكن في المقابل وهو الأهم هل تمكنا على المستوى الفكري والعقدي من القضاء أو الحد من الفكر الجهادي المتبني للعنف والتكفير ؟!لاشك أن ثمة بونا شاسعا بين ما تم تحقيقه من نجاحات على المستوى الأمني في مقابل ما يمكن ذكره من نجاحات على الصعيد الفكري وذلك لان الفكر المغذي للتطرف والتشدد هو فكر يعيش بيننا منذ أمد بعيد وليس بوارد أو دخيل علينا كما قد ينظر له البعض , ويظهر ذلك جليا بالنظر في الآراء والنصوص والفتاوى التي يستند إليها دعاة العنف في قضايا الولاء والبراء وتكفير الحكام والتعامل مع الأخر الكافر في كتبهم وأدبياتهم , فنحن نجد أنها ذات النصوص والفتاوى التي تدرس في مناهجنا وفي حلقات أهل العلم , فهولاء الذين انخرطوا في التيارات المتشددة قد تخرجوا من بعض تلك الحلقات فهم لم يأتوا ببدع من القول كما يقال, فإطلاق الوصف لما يحمله هذا الفكر من آراء ومعتقدات بالشذوذ هو قول ليس في محله خاصة أننا نستخدم ذات الآراء والنصوص ولكننا نعبر عنها بأنها عقيدة صحيحة عند استخدامنا لها وان استخدمها أهل العنف قلنا إنها فكر شاذ ومنحرف!! لقد استمعت إلى فتوى صوتية قبل عدة اشهر لأحد كبار العلماء لدينا ومن المشهود لهم بالتقدير وبالمنزلة والمكانة العلمية وهو أحد أبرز تلامذة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فقد سئل من بعض طلبة العلم من إحدى الدول العربية السؤال التالي : هل يجوز لنا أن نمدح حكامنا مع كونهم لا يمنعون عبادة القبور والأضرحة ولا يمنعون عمل السحر وهم يحكمون بالقوانين الوضعية ومع ذلك كله هل يجب على المسلم أن يمدحهم؟ الإجابة: «إذا كانوا يقرون عبادة القبور فهم مشركون وان كانوا يقرون السحرة فهم ليسوا مسلمين من أقر الشرك فهو مشرك إذا كانوا يرضون بعبادة القبور فهؤلاء مرتدون وأما من يعمل المعاصي التي دون الشرك فهذا ظالم لا يجوز الخروج عليه ,أما الكافر فيجوز الخروج عليه مع القدرة ووجود البديل المسلم وكون الكفر صريحا واضحا لا لبس فيه» مثل هذه الفتاوى لاشك أن لها دوراً كبيراً في تغذية الفكر الجهادي بقضايا التكفير والقتل ولو كانت مثل هذه الفتوى صادرة من أحد أتباع هذا الفكر لاتهمناه بالخارجية والدعوة للعنف! هذا القضية تدعونا لإعادة النظر مجددا تجاه ما تتضمنه المناهج التعليمية في المدراس والجامعات الشرعية وكذلك ما يتم طرحه في المحاضرات والدروس الشرعية والفتاوى عبر أشرطة الكاسيت ومواقع الانترنت والتي تصنع توجها أحاديا تميل للعنف والتشدد وترفض التسامح مع المختلف فكريا وثقافيا .لقد تبنى بعض الكتاب في الآونة الأخيرة تجاه المذكورين في هذه القوائم الشعار القائل بأنه لا حرية لأعداء الحرية وأن العنف يواجه بعنف مثله ولقد أثبتت التجارب من حولنا فشل تلك الأساليب التي قد تولد مزيدا من العنف بينما المطلوب هو المحاكمة العادلة لكل من ثبت تورطه في قضايا العنف والتكفير ولقد بدأت المحاكم الشرعية لدينا بمحاكمة أعداد كبيرة من أولئك المتورطين والمتهمين بقضايا الإرهاب والتي سيكون لها دور كبير في محاصرة ذلك الفكر , وأما المتأثرون والذين قد يكون لديهم تعاطف لسبب أو لآخر بسبب ما تحكمه الظروف المحيطة بنا فهولاء سواء كانوا دعاة أو خطباء أو غيرهم من المتحمسين فيجب احتواؤهم ليخرجوا من نهج الشدة والتطرف إلى خيار الاعتدال والتسامح وليخرجوا من سراديب الظلام إلى ساحات الضياء والنور.لقد كشفت القائمة الأخيرة بتعدادها الكبير أن العنف مازال خطرا قائما وأن المؤهلين للانخراط في أعمال العنف قد يزداد ويجب عدم الركون فحسب للنجاحات الأمنية والتي تؤتي نتائج على الأمد القريب ولكن طالما أن هناك مصادر تغذي العنف أيدلوجيا وفكريا وماليا فإن مسلسل قوائم الموت قد يستمر طالما أننا لم نقع على مكمن المشكلة.[c1]كاتب سعودي[/c]
|
مقالات
قراءة لظاهرة العنف والتكفير في المشهد السعودي
أخبار متعلقة