أضواء
غداً(اليوم) يتفضل صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح بافتتاح الفصل التشريعي الثاني عشر في تاريخ الكويت، في إصرار وإيمان من القيادة السياسية على أهمية المشاركة السياسية في تطوير البلاد والنأي بها بعيدا عن الشخصنة والأثرة. وبعد الافتتاح مباشرة نحن على موعد لنعرف من سيكون الرئيس العتيد لمجلس الأمة الجديد. ومع إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة الأربعاء الماضي وقبلها نتائج انتخابات مجلس الأمة، بدأت تأخذ مجراها لدى كثيرين التفسيرات والتكهنات والشائعات التي بُنيت عليها بعض المواقف السياسية. وكما تنبئنا خبرتنا السياسية -وبشكل يكاد يكون مطلقا- لم تتشكل حكومة كويتية جديدة إلا وصار حولها حديث رافض لها أو مرحب أو قابل بها، مثلما لم تجر انتخابات برلمانية إلا وأصبح لتركيبة مجلس الأمة الجديد رافضون ومرحبون. تلك طبيعة ثابتة للديمقراطية، فهي تتيح للأفراد والجماعات التعبير عن آرائهم والبوح بمكنوناتهم مهما كانت عليه هذه الآراء من اختلاف. اليوم أريد أن أتحدث عن تركيبة الوزارة التي أصبح النقاش حولها حاراً، بعد أن ناقشنا في السابق نتائج مجلس الأمة، وقبل أن نناقش الوزراء - كأفراد- بشر غير معصومين، قد يصيبون في أعمالهم وقد يخطئون، إلا أن المحاسبة على الخطأ تأتي بعد ارتكابه، وبعد بيان أوجه الخطأ الذي تتوافق عليه الأكثرية ويقبله العقل. وهناك أدوات دستورية تحمي وتحقق ذلك. الفيتو المسبق على اسم أو ممثل تيار هو فيتو عاطفي، وأكاد أقول غير ديمقراطي، بل له علاقة بالاستبداد عن طريق استبعاد الآخر ونبذه، وهي صفة تتعارض مع مبادئ الديمقراطية. المجتمع الكويتي، وإن كانت له أرضية اجتماعية متقاربة، فهو سياسيا متنوع الاجتهادات، لذلك فإن الوزارة -لكونها تتعامل بالسياسة- هي بالطبيعة متنوعة، أو بالتعبير السياسي الأكثر دقة هي ائتلافية، وهي بالمناسبة ليست ظاهرة كويتية، فالتوجه في العالم هو توجه نحو الائتلاف الذي يجعل كل -أو معظم- مكونات المجتمع التعددي أو المتنوع تشارك في تسيير دفة الدولة لأنها حاضنة للجميع، وليس المقام هنا لضرب الأمثلة، ولكن أهل المعرفة مطلعون على الكثير من التجارب السياسية حولنا. وما تشكيل الحكومة الكويتية إلا نتيجة طبيعية لما يزخر به المجتمع من تنوع واختلاف في الاجتهاد السياسي. إذا استبعدنا موقف النظريين المثاليين من جهة، وكذلك موقف المنضوين تحت لواء فكرة نبذ الآخر واستبعاده، وهؤلاء قلة في المجتمع عادة رغم صوتهم العالي ولهم مقاييس محددة في التطبيق الديمقراطي، يبقى الائتلاف الواسع سبيلا إلى التوافق لتسيير عجلة المجتمع ومصالحه، وهو الأكثر عقلانية وقبولا على أرض الواقع. الائتلاف الكويتي في السابق القريب كانت له مخاطره، وقد فقدنا شخصيتين لهما باع في العمل السياسي ومرتبطان بتشكيلات سياسية، هما السيدان إسماعيل الشطي وشريدة المعوشرجي. كل منهما ترك العمل العام بطريقة مختلفة، لكن تركهما كان نتيجة مباشرة للفهم الضيق للجماعة السياسية التي يتقاربان معها. تلك المخاطر قائمة وهي أن تُمثل شريحة في الائتلاف الحكومي، ولكنها تطمح إلى إطاحة ممثلي الشرائح الأخرى، تحت مسميات مختلفة، وهي مخاطر نابعة إما من قصور نظر سياسي وإما من مسعى لاستفادة فجّة من الفرص المتاحة كسباً للشعبوية، إلا أن السبب الرئيس فيها، في تصوري، هو البعد عن الفهم الجماعي والمشترك للعمل السياسي، وهي ظاهرة خبرناها حتى في التكتلات السياسية داخل المجلس أو خارجه، وفي الكثير من المواقف لا يلتزم أفرادها بموقف سياسي موحد، وتفرز تفرعات تصغر إلى درجة أن تبقى على فرد أو أفراد، متى ما كان للشخص أو المجموعة رأي آخر مخالف!! وتلك معضلة سياسية كؤود تواجه المجتمع الكويتي، ومن الأفضل أن تناقش بعيدا عن الشخصانية أو التأزيم. من المتوقع - والأمر كذلك- أن يتخلى بعض من هو مُمثل في الوزارة الحالية، من الشرائح السياسية، عن شخص ممثله في أول اقتراب حقيقي لمطبات سياسية عميقة، بافتراض أن الشارع يفضل ذلك الموقف، إلا أنه موقف مخلّ، وقد يؤدي إلى أن يصبح عدد الوزراء السابقين أكبر من عدد المكتب السياسي لذاك الجمع أو التيار السياسي! هذه التشكيلة التي تنبئ عن الطيف السياسي الكويتي، إن لم يكن هناك رأي عام شجاع مكوَّن من قِبل أفراد داخل المجلس وخارجه للدفاع عنها، قد تتعرض لما تعرضت له تشكيلات أخرى مماثلة، وبالتالي العودة إلى مرحلة التأزيم المقيت الذي ملّه الشارع الكويتي، بدليل امتناع ثلث الناخبين عن ممارسة حقهم في الانتخابات الأخيرة. لقد اختار الناخب الكويتي ممثليه، وعليهم القيام بما يجب، وهو تسيير دفة العمل العام وتسهيل المصالح العامة وتحقيقها في تجربة الدوائر الخمس التي توقع لها نظريا الابتعاد عن المثالب أو عن بعضها في الممارسات السابقة، وأن يجري تحكيم العقل قبل العاطفة والقبول بالتنوع تحقيقا للتوافق، وتقديم قيم المشاركة بعيدا عن المشاكسة والمكاسرة. ونحن على أبواب المجلس الجديد هل نتعظ بما هو سابق أم ترانا سنواجه الخيار الآخر، وهو تكفير أكبر بالممارسة؟ ننتظر قليلا لنعرف الجواب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعن / صحيفة (أوان) الكويتية