بمناسبة الذكرى الـ (168 ) لغزو واحتلال عدن
[c1]* عد ن ومنذ عهود..وحدوية وجوهرة الخليج وبحر العرب [/c]عبدالعزيز ثابتمنذ مستهل القرن الثامن عشر الميلادي اعترت الدولة المركزية في صنعاء عوامل الضعف والتمزق وتقوضت هيبتها، وأخذت بالانهيار التدريجي بفعل التنافس المحموم والعقيم على الإمامة، الأمر الذي قاد بالنتيجة إلى تشجيع الحكام المحليين، خاصة البعيدين عن العاصمة على التمرد، ورفع راية العصيان والانفصال.وكان حاكم لحج من أوائل أولئك الحكام الذين تمردوا وأعلنوا الانفصال عن الدولة اليمنية، فنصب من نفسه سلطاناً على لحج عام 1728م، ومن ثم استولى على عدن والحقها بحكمه وظلت كذلك حتى الغزو البريطاني.ذلك الضعف والتمزق والانشغال المهين بالعصبيات واشعال الفتن المختلفة التي وقفت الإمامة والأسر الطامعة والمتطلعة إلى الحكم وراءها، قد الحق الضرر الفادح بالشعب اليمني إضافة إلى تشكيلة عوامل مهدت بلا شك لوقوع البلاد تحت براثن الغزاة والمحتلين البريطانيين .. والاتراك (للمرة الثانية) في النصف الأول من القرن التاسع عشر.ففي سياق صراع المصالح الامبراطورية التي كانت مستعرة بين بريطانيا وفرنسا من جهة وللحيلولة دون نجاح محمد علي باشا حاكم مصر في توسيع سيطرته ونفوذه، ليشملا الجزيرة العربية كلها، وصولاً إلى الحاق عدن بدولته، التي كان يتطلع إليها باعتبارها مفتاحاً للسيادة على البحر الأحمر ومداخله الجنوبية من جهة أخرى .. في هذا السياق العام قامت بريطانيا بغزو عدن واحتلالها في 18 يناير 1839م.. وبذلك فرضت هيمنتها الاستعمارية على عدن أولاً.. ثم بسطتها على كل جنوب اليمن بإماراته ومشيخاته وسلطناته الضعيفة والمتصارعة .. وليتم بعد ذلك تقسيم اليمن سياسياً بين بريطانيا وبين الاتراك عام 1905موإذا كان ذلك الغزو الاستعماري قد اضحى طي التاريخ الذي ولى، وغربت معه الامبراطورية نفسها التي وصفت يوماً بان الشمس لا تغرب عنها.. فأن أحداثه سوف تظل محفورة في ذكرة الشعب اليمني كعنوان بارز للاطماع المتوحشة للأنظمة الرأسمالية التي راحت تتقاسم فيما بينها.. وكرمز لاستعلائها العنصري، وهمجيتها العمياء والدموية التي عانت منها أمم وشعوب الأرض كلها ـ وفي المقدمة منها شعوبها هي بالذات ـ وتجرعت بسببها ألواناً من المآسي والمحن.. وغرقت كثيراً منها في بحار من الدماء والآلام والأحزان.ولذلك يجدر أن نشير هنا ولو باشارات عابرة إلى بعض تلك الآراء والطروحات التي روج ويروج لها منظروا الاستعمار والعنصرية لتبرير الغزو والاحتلال لعدن ولسواها.. التي لاتزال متداولة من قبل البعض، وتلقى صداً هنا وهناك، أما اقتناعاً أو جهلاً أو مكايدة.. انها آراء وطروحات مثيرة للجدل بحيث لا يمكن للمرء غض الطرف عنها، وبخاصة حين توظف بوعي لتزيين جرائم الاذلال والاستعباد والمهانة وارتهان إرادة الشعوب والأمم وتجميلها أمام أنظار أجيالنا الفتية واستهجان، بل والاستخفاف أحياناً بمقاومة الغزاة والدفاع عن الكرامة والحرية، واعتبارها عملاً لا مبرر له، إن لم يكن عملاً إرهابياً .. مطلوب تقديم الاعتذار عنه إلى المحتلين والغزاة وليس العكس.ومن تلك الآراء والطروحات مثلاً القول:1) إن ممارسات المحتلين والغزاة كانت “حضارية” ومتمدنة نابعة من الهدف الأساس وهو تحضير الشعوب الهمجية.ونحن نقول إن كل وقائع الحياة خلال الـ 129 عاماً من عمر الاستعمار البريطاني تدلل على عكس ذلك تماماً.. ابتداءاً من استخدامه القوة المسلحة لانتهاك سيادة البلاد واستقلالها ومصادرة حريتها مروراً بتكريس التخلف والجهل والعصبيات المختلفة على امتداد ما كانت تسمى بالمحميات الشرقية والغربية، وانتهاءاً باستخدامه القوة الغاشمة والإرهاب البوليسي والنفسي لاجهاض الثورة والحيلولة دون تحقيق الانتصار ونيل الاستقلال.لا يمكن الانسياق وراء آراء وطروحات كتلك وإلا كان ذلك معناه تجن لا مبرر على أنفسنا وعلى التاريخ.ذلك أن الأمة التي تدعي أنها حرة ومتمدنة حقاً لا يمكن ان تسمح لنفسها بان تستعبد الأمم والشعوب الأخرى، وأن تنهب ثرواتها وتوقف تطورها وتلجمه.. ولا ننس هنا حقيقة أن الأمة التي ترزح تحت نير الاستغلال والاستعباد من قبل طغاة المال والاحتكارات لا يمكن ان توصف بأنها حرة ناهيك عن أن ناتج عمل تلك الأمة المتمدنة المستلب إنما يعد في نهاية الأمر طاقة توظف لاستعباد أمم أخرى أقل تطوراً، “إن شعباً يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً”.الغزاة المستعمرون يدعون أنهم لم يستعبدوا شعوبنا إلا لأنهم يريدون “حباً ورأفة بنا نقل رسالتهم الحضارية إلينا!.. إن كانوا يقصدون نقل قشور حضارتهم لمسخ أرواحنا وارتهان إرادتنا وإلغاء عقولنا ووقف تطورنا الطبيعي.. أو على الأقل جعلنا أتباعاً أذلاء نعتمد في خبزنا وملبسنا ومعاشنا وطاقاتنا على فتات موائدهم فأنهم والأمر كذلك محقين.. وقد أفلحوا حتى الآن في ذلك إلى حد ما.. أما ان كانوا يقصدون إتاحة الفرصة أمامنا لنقل واستيعاب أفضل ما في حضارتهم، وبإرادتنا الحرة، بمعنى أستيعاب ونقل العلم والتقنية المتقدمة، وإتاحة الفرصة أمامنا كاملة ـ وهذا هو الأمر الأهم ـ لو ضعها بعد ذلك موضع التطبيق العملي في بلداننا .. فذلك هو ما نشك فيه إن ذلك بالأساس مرهون بإرادتنا نحن وتصميمنا نحن على امتلاك ناصية العلم والمعرفة والتقنيات المتقدمة واكتساب عوامل القوة المختلفة وتشغيل عقولنا الراكدة في هذا المجال على غرار ما فعلته وتفعله شعوب كثيرة تتصدر الآن ركب التقدم وتشارك في صنع حضارة العصر.أما الاستعمار .. فعلى سبيل المثال فقد ظل يحتل بلادنا 129 عاماً وهي مدة قياسية ماذا فعل في مجال نشر العلم والمعرفة والتقنية وما يتطلبه ذلك من بناء المؤسسات العلمية والاقتصاد الإنتاجي الذي يحقق الأمن والكفاية والعدل .. إنه لم يفعل إلا في حدود ما يتطلبه الاقتصاد الخدماتي المحدود، الذي وظف للوفاء بحاجاته ومصالحه .. ونحن لا نلومه على ذلك، قدر ما نلوم أنفسنا .. هكذا الشأن في معظم البلدان .. إنه لا يمكن للمستعمرات يسمح لأي بلد أن يقوم بتطوير قواه المنتجة تطويراً شاملاً اعتماداً على العلم والمعرفة والتقنيات المتقدمة وتحقيق تنمية شاملة مستقلة، ومستدامة يعتمد عليها في توفير الأمن الغذائي والاجتماعي والسياسي والعسكري والثقافي.إنه سيلجأ حتماً إلى مختلف الوسائل لوقف ولجم أي تطور، لإعادة البلاد إلى ربقة التبعية له، وهذا ما فعلوه مع بلداننا العربية منذ قيام دولة محمد علي باشا مروراً بدولة عبدالناصر .. وهذا ما يفعلونه الآن باسم “إعادة هيكلة الاقتصاد” تهميداً لإعادة أو لاستمرار ارتهان بلداننا وتبيتها تحت لواء “العولمة” المصطلح الأكثر حداثة للاستعمار والاستعباد والنهب وباسم نشر الديمقراطية والحرية اعتماداً على القوة الهمجية والغزو والاحتلال والهيمنة الإعلامية.ولعل قيام الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس بغزو واحتلال عدن وسواها من البلدان لم يكن تعبيراً عن رسالة حضارية للبريطانيين بقدر ما كان تعبيراً عن رسالة استعباد ونهب، هدفهما السعي إلى تحويل العالم إلى مجر سوق مفتوحة لتصريف منتجاتها ومصدراً للبضائع والمؤن والمواد الخام الرخيصة بما يضمن لها مواصلة التراكم المالي المطلوب لازدهارها على حساب دماء وعرق وثروات الشعوب المغلوبة على أمرها.فعلى سبيل المثال من عام 1757م إلى عام 1780م فقط سحب البريطانيون من البنغال في الهند نقوداً وبضائع تقدر بـ 38 مليون جنيه استرليني (زهاء 4 مليارات لاسعار الحالية) وقد بلغ الخراب أشده واجتاحت البنغال مجاعة لا سابق لها مات بسببها بضعة ملايين .. ومع ذلك ارسل الحاكم العام الأول للبنغال (هستينكس) تقريره إلى لندن يقول فيه: “رغم هلاك ثلث سكان البنغال على الأقل ورغم انخفاض المساحة المحروثة بالتالي بلغت الضرائب المحصلة عن عام 1771م حتى أكثر من الضرائب المحصلة عن عام 1768م” وللأسف .. أجيالنا الفتية لم تدرك “نعمة” الممارسات الحضارية للاستعمار البريطاني كما أدركتها الأجيال السابقة ونعمت بها!. ومع ذلك يمكنها ان تنعم بمشاهدة ابرز آثارها مثلاً على الأرض العربية في فلسطين التي وقعت تحت براثن الانتداب البريطاني عام 1920م اثر الحرب العالمية الأولى ـ وفقاً لاتفاقية “سايكس- بيكوـ لاقتسام الوطن العربي بين بريطانيا وفرنسا ـ وحيث سبق لها وأن أعطت وعداً لليهود، بإقامة دولة لهم في فلسطين قلب الوطن العربي فقد عملت بكل السبل والوسائل على تشجيع هجرة اليهود إليها وتنظيمهم عسكرياً واقتصادياً وتمكينهم التدريجي من السلطة، وتوفير الظروف الملائمة لقيام دولة إسرائيل عام 1948م على حساب اجتثاث القسم الأعظم من الشعب الفلسطيني وطرده خارج وطنه وتحويله إلى شعب مشرد من اللاجئين.وكانت تلك احدى جرائم العصر المدوية والعنوان الأكثر تعبيراً عن “مدنية وحرية وحضارة” بريطانيا بل وحكومات الغرب عموماً.. والأكثر تعبيراً عن السعي الحثيث لتمزيق الوطن العربي كهدف وزرع اسفين في قلبه يضمن استمرار استنزاف قواه والحيلولة بينه وبين الحرية والتقدم والتكامل والوحدة وذلك هو ما عبر عنه بوضوح تام رئيس القسم الخارجي للإدارة البريطانية في الهند “غرانت” رئيس القسم السياسي بوزارة شؤون الهند هرتسل عندما كان الحديث يدور يومها حول وعد بريطانيا للشريف حسين بتنصيبه ملكاً على العرب كثمن لتعاونه مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فقد أكدا في مذكرة لهما إلى الحكومة البريطانية “نحن لا نحتاج إلى العربية المتحدة بل إلى العربية الضعيفة المتفرقة المقسمة إلى كثرة من الإمارات الصغيرة الخاضعة لسيادتنا والمحرومة من إمكانية الاتحاد ضدنا”كما يمكن مشاهدة “نعمة” الممارسات الحضارية الغربية من خلال الوضع المأساوي الراهن في العراق الذي دمرت دولته واستبيحت سيادته تحت شعار الحرية والديمقراطية، وحيث اشتعلت نيران العصبيات العشائرية والطائفية والعرقية بفضل الغزو والاحتلال الأمريكي ـ البريطاني ليتحول العراق إلى بركة من الدماء النازفة وإلى أشلاء ممزقة أرضاً وشعباً وإلى ثروات منهوبة دون حساب أو رقيب.وكوسيلة لافتة للنظر من وسائل بريطانيا “التحضيرية” لعدن، كان استقدامها على عجل، وبعد ثلاثة أشهر فقط من احتلالها نواة أقليات أجنبية (مئات الأسر) أبرزها الأقلية اليهودية(3) .. وكان ذلك جزءاً من تسديد دين لليهود اليمنيين الذين كانوا يمدونها قبل احتلال عدن بالمعلومات عن الأوضاع العامة في اليمن.. هذا إضافة إلى ما يوفره لها وجود مثل هذه الأقليات من حجج ومبررات طالما وظفتها هي والدول الغربية عامة، للتدخل في شؤون البلدان الأخرى تحت شعار حماية الأقليات العرقية او الدينية.وعموماً فنحن لا نتعامى عن واقع بريطانيا الحضاري الرائد والرفيع فهو واقع موضوعي من صنع مجتمع حي وطموح سواء اعترفنا به أم لم نعترف .. ولكن ذلك شيء والوقوع في وهم أن سلوكها الاستعماري كدولة بالنسبة إلينا كان حضارياً شيء آخر تماماً .. فالكيل بمكيالين لايزال سمة من ابرز سمات الأنظمة الغربية تجاه شعوب أمتنا وقضاياها ومصالحها.2) القول بان ازدهار عدن إنما يعود فضله إلى الاستعمار البريطاني ولولاه لما حدث .. أنما هو قول فيه مبالغة وفيه تجاهل للوظيفة المحدودة التي رسمتها بريطانيا لعدن أولاً وتجاهل ثانياً للنضال الوطني من أجل التغيير والحرية والاستقلال ومن أجل تحقيق المطالب الحيوية والملحة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.تاريخياً .. ظلت عدن كميناء استراتيجي لليمن مزدهرة على الدوام خلال تعاقب الحضارات اليمنية القديمة قبل الإسلام، الأمر الذي جعل المؤرخين اليونان ثم الرومان من بعدهم يسمون بلادنا “باليمن السعيدة” اعترافاً منهم بازدهارها الحضاري وغناها الاقتصادي وسحرها الغامض والأسطوري في أزمان قيض فيه لليمن أن تحتكر تجارة أثمن وأندر بضائع تلك العهود وبخاصة البخور واللبان.وظل الأمر كذلك في عهد الطاهريين الذين كان عامر بن داود آخر حكامهم على عدن وهو الذي استقبل الأتراك العثمانيين وفتح لهم أبواب عدن للتزود بالمؤن حين أعلموه بانهم كلفوا بمطاردة القراصنة البرتغاليين في خليج عدن وبحر العرب وقد استضافوه ونائبه فوق أسطولهم الحربي الذي رسا في ميناء صيرة ليغدروا به ويعدموه شنقاً على متن أحدى سفن الأسطول ثم نزلوا المدينة واباحوها لنهب جنودهم وغادروها بعد ان عينوا حاكماً عليها من قبلهم.يمكن القول والحال كذلك أن عدن لم يتعثر ازدهارها إلا عندما تعرضت لمخاطر الاستعمار البرتغالي أولاً وقرصنته في حوض المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن ومحاولاته المتكررة والفاشلة لغزو عدن واحتلالها .. ثم عند وقوعها ثانياً تحت براثن الاحتلال التركي الأول لليمن عام 1538م الذي جعل من المخا ميناءاً رئيسياً بدلاً من عدن تحت دعوى قربه من العاصمة صنعاء وان حمايته ممكنة في وجه القراصنة البرتغاليين أكثر من عدن!.ولم يقيض لعدن ان تعود إلى طريق الانبعاث والازدهار مجدداً إلا اثر الاحتلال البريطاني لها عام 1839م.لقد كان المطلوب من عدن وفق استراتيجية المحتلين البريطانيين ان تقوم بوظيفة محطة لتموين السفن بالمؤن والوقود، وأن تصبح مركزاً تجارياً لإعاشة قوات الاحتلال وكمنطقة إعادة توزيع للسلع المستوردة على المناطق المجاورة، وأن تغدو قاعدة لحماية الطريق البحري من وإلى مستعمراته في شرق أفريقيا والخليج العربي والهند وتأمين مصالحه البترولية في المنطقة لاحقاً.. وهو وضع املاه موقع عدن الاستراتيجي.تلك الاستراتيجية نجم عنها بالنتيجة ازدهار ضمن حدود معينة لا تتعداها، وفي عقود متأخرة من عمر الاستعمار الذي استمر 129 عاماً وهنا لابد أن نتذكر أن عدن ظلت ما يقرب من 100 عام تعامل كمستعمرة ملحقة تدار بواسطة الإدارة البريطانية في بومباي ثم انتقلت إدارتها إلى اختصاص الحاكم البريطاني في الهند.ومنذ عام 1937 فقط أصبح لعدن نظام خاص بوصفها مستعمرة التاج البرطاني.أما المحميات الشرقية والغربية التي ربطتها بريطانيا بمعاهدات الحماية والاستشارة فقد بقيت على عهدها حبيسة التخلف والجهل والفقر والمرض والعزلة.وإذا كانت بريطانيا قد شجعت زراعة القطن في بعض مناطق لحج وأبين فان ذلك كان بالأساس لتعويض حاجة مصانع الغزل والنسيج في مانشستر إلى هذه المادة الخام، خاصة بعد فقدانها القطن المصري بعد قيام ثورة يوليو 1952م.ولنتذكر ايضاً انه حتى شركة مصافي الزيت البريطانية التي أنجزت عام 1954م لتكون من ابرز المنشآت الاقتصادية الإنتاجية في عدن، لم تكن لتوجد لولا تأميم مصافي النفط في عبدان، اثر ثورة مصدق ضد نظام الشاه في إيران والتي رأت بريطانيا فيها بل والغرب كله تهديداً مباشراً لمصالحها ومناطق نفوذها الاستراتيجية.لماذا نتذكر ذلك.. هل لاننا نريد التعامي عن كل ما هو إيجابي وجد في عهد الاستعمار البريطاني ولا نريد سوى الالتفات إلى الجوانب السلبية فقط؟ طبعاً كلا.. فنحن نقدر حق التقدير الكثير من الإيجابيات في المجالات المختلفة، وفي المقدمة ما أحدثته الإدارة الاستعمارية من تطوير لعدن في المجالات القانونية والإدارية الحديثة، وفي مجال التعليم والخدمات والتجارة والبنية التحتية وسواها .. وهو أمر لا يمكن مقارنته بما كان سائداً يومها من تخلف في سائر مناطق اليمن جنوبها والشمال.ولكننا نقول ذلك حتى لا نتعامى عن رؤية الحقائق كما هي دون مغالاة أو انتقاص، وحتى لا تتحول سيئات المحتل إلى حسنات وحتى لا نغرق في أوهام المقارنات والاسقاطات غير الموضوعية، خاصة في ظل مشاعر الغضب المشروعة التي تنتابنا تجاه ظاهرة الفساد وفي ظل خيبات الأمل المريرة التي منينا بها في عهود ما بعد الاستقلال، خاصة واننا كنا نتوقع الأفضل والأجمل ونتطلع إلى مراكمة وتطوير كل ما ورثناه من إيجابيات وإلى التخلص من كل ما هو سلبي ومعيق.[c1]عدن.. وحدوية وبامتياز: [/c]شهد القرن العشرون وبخاصة منذ عقوده الوسطى بزوغ نجم عدن ـ جوهرة خليج عدن وبحر العرب ـ كواحدة من المدن الحديثة الحية في الوطن العربي، جذبت إليها الأنظار وشدت إليها الرحال لتاريخها الاسطوري المشهود، ولمكانتها المتميزة ولأدوارها البارزة في تاريخ اليمن الحديث ولريادتها في تحمل مسؤولية إيقاظ اليمنيين من سباتهم.. وغفلتهم.. ورفع وعيهم وتنظيم صفوفهم للنهوض وتحطيم اغلال العبودية والتجزئة والجهل والفقر والمرض.تلك الريادة التي كان لها صداها المثير والإيجابي وتأثيرها الواسع والعميق على مختلف مناطق اليمن بل وعلى مختلف المناطق المجاورة.لقد كانت عدن ـ دون أدنى مبالغة ـ وطنية ووحدوية بامتياز ودون منازع.ففي عدن وجدت ولأول مرة في تاريخ بلادنا الحديث منظمات مدنية مستقلة وحركات وتنظيمات سياسية ونقابية وثقافية وتعليمية نشطة ومبادرة تربت في أطرها وبتأثيرها صفوف واسعة من القادة الذين نشطوا بين صفوف الجماهير اليمنية ملهمين إياها قيم ومثل الحرية والكرامة وتكريم العقل والوحدة الوطنية والقومية، ومنظمين قواها المستيقظة والمتطلعة للنضال في سبيل طرد الاستعمار البريطاني والدفاع عن الثورة اليمنية التي قامت ضد النظام الإمامي في 26 سبتمبر 1962م واتزاع الاستقلال الوطني وإعادة توحيد الوطن على طريق النهوض والتنمية والتحديث.وواضح لكل منصف ومتابع أن معظم النخب السياسية والفكرية والثقافية والتربوية في عدن ترسخت لديها قناعات عميقة بمبادئ ومثل وقيم الحرية والوحدة وعت ضرورتها وتجسدت بوضوح من خلال نضالها الدؤوب لرفض التجزئة وتطلعها الجاد نحو استعادة وحدة الوطن اليمني كخطوة على طريق وحدة شعوب الأمة العربية.. بما هي ضرورة لابد منها لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والتنموية في عالم اليوم.ومن هنا كان منطلق عدن في لعب دورها الريادي المتميز الذي اثمر عملياً من خلال:1ـ تربية وإعداد صف واسع من القيادات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية كان لها تاثيرها ودورها البارز في مختلف مراحل تاريخ اليمن الحديث وحتى اللحظة واحتضانها لكل المناضلين من مختلف مناطق اليمن الذين وجدوا فيها ملاذاً آمناً ودافئاً .. ومكاناً مناسباً يتسع لنشاطاتهم المختلفة.2ـ المشاركة الواعية في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر منذ اللحظة الأولى لقيامها ومواجهة دعاة الانفصال والعصبيات القبلية والإقليمية.3ـ قيادة الثورة على الاستعمار البريطاني وطرده فمثلما دخلها غازياً مستعمراً وبقوة السلاح في يناير 1839م خرج منها مطروداً وبقوة السلاح في 30 نوفمبر 1967م.4ـ دورها المجيد والريادي في إعادة توحيد جنوب اليمن في إطار نظام سياسي موحد على انقاض 123 إمارة وسلطنة ومشيخة وقد مثل ذلك الحدث التاريخي خطوة حاسمة بعد ما يقرب من 3 قرون متطاولة من التمزق والتجزئة على طريق إعادة الوحدة السياسية والجغرافية لليمن.5ـ سعيها الحثيث مع شركائها في صنعاء من أجل تحقيق الوحدة اليمنية، والذي توج بقيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م وارتفاع علم الوحدة ليرفرف لأول مرة تحت سمائها.6ـ نضالها الواعي ومنذ وقت مبكر في تاريخها الحديث في سبيل ترسيخ مثل وقيم ومبادئ التمدن والوطنية وإيقاظ وتعزيز الروح الوحدوية والانفتاح على الآخر ومحاربة نزعات الانغلاق والتقوقع وأهواء العصبيات القبلية والمناطقية والأسرية والإقليمية بما هي نتاج للجهل والجهلة ومطية للفتنة والشر ومناقضة لروح وجوهر الشعب اليمني الذي يعتز ايما اعتزاز بأفضل ما في تاريخه، والذي يتجلى بمشاركته المشهودة من خلال هجراته المتعاقبة منذ ما قبل الإسلام بكثير في تعريب المنطقة الممتدة من شواطئ المحيط الأطلسي غرباً وحتى الخليج العربي شرقاً واكسابها طابعاً عربياً.. والذي توطد وتبلور بشكل حاسم وأكثر من أي وقت مضى مع بزوغ فجر الإسلام وقيام دولته العربية الإسلامية المترامية الأطراف .. ثم بضربه المثل في الانفتاح على الشعوب المجاورة وبروح من الاحترام العميق والتفاعل الحي المتبادل معها والذي كان من نتائجه اقتناع كثير من الشعوب بالدين الإسلامي بما هو دين السماحة والانفتاح والإنسانية والعقل وانتشاره بعد ذلك بسرعة مدهشة بين غالبية أهلها.[c1]مقترحات لتخليد مآثر عدن دوراً وآثاراً [/c]إن الحديث عن ذكرى غزو عدن واحتلالها في يناير 1839م إنما هي مناسبة ملائمة كي ننظر إلى عدن، بل إلى مدننا اليمنية كلها ـ بما هي جواهر ثمينة ومتلألئة في جبين اليمن ـ نظرة تقدير واحترام تليق بها وبتاريخها ومآثرها وآثارها وخصائصها المميزة المتنوعة والفريدة التي يبرز من خلالها وبوضوح تام ثراء التاريخ اليمني وسمو إبداع اليمنيين الذين نسجوه واشتركوا في صنع مآثره وأمجاده.ومن هنا فاننا نضع أمام القيادات والهيئات المسؤولة في المحافظة وأمام النخب الفكرية والثقافية والاجتماعية .. بعض الآراء والمقترحات المتواضعة ـ بما هي اجتهاد شخصي ـ وذلك فيما يتصل بمدينة عدن تعبيراً عن احترامنا وتقديرنا لتراثها وآثارها ومآثرها ومستقبلها الواعد وذلك على النحو الآتي:1ـ إقامة نصب تذكاري يخلد مقاومة الشعب اليمني للغزاة المستعمرين منذ أن وطئت اقدامهم أرض مدينة عدن، والذي تكلل بعد حوالي 129 عاماً بطردهم وانتزاع الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 67م.وبهذا الصدد يمكن مطالبة بريطانيا مثلاً بإعادة المدافع النحاسية التي استولى عليها “ هنس” لدى احتلاله عدن التي وصفها في إحدئ رسائله التي نشرت في صحيفة “الأيام” بعضها في مستهل عام 2002م بانها “غالية الثمن وجميلة المنظر” وقرر ارسال اثنين منها كهدية تليق بالملكة فيكتوريا التي أعيد تمثالها إلى مكانه القديم في حديقة مدينة التواهي.2ـ إقامة نصب تذكاري يخلد الدور الوحدوي البارز الذي قامت به أو شاركت فيه مدينة عدن، سواءاً فيما يتصل بإعادة توحيد جنوب الوطن في إطار نظام سياسي موحد في 30 نوفمبر 1967م أو فيما يتصل بإعادة توحيد اليمن بشطريه في 22 مايو 1990م وإقامة الجمهورية اليمنية ورفع علمها في قلب عدن.3ـ إعادة بناء بوابة العقبة، بما هي معلم تاريخي متميز لمدينة عدن وجزء لا يتجزأ من مجمعها الأثري المحيط.4ـ بناء متحف بحري للسفن العربية الشراعية القديمة التي اشتهرت بها عدن والتي كان ميناء عدن يزدحم بها وظلت بقاياها حتى الاستقلال خاصة في المعلا ـ دكة-.5ـ إعادة تأهيل المجمع الاثري لعدن وبخاصة:أ) الأسوار والابراج والقلاع التي توشك أجزاء من بعضها على الانهيار.ب) الأنفاق: البغدة الصغرى والبغدة الكبرى في جبل حديد.ج) والصهاريج بما في ذلك الدروب السبعة في هضبة عدن.د) المساجد والمشاهد الاثرية.هـ) الكنائس والمعابد الهندوسية والفارسية والمقابر التاريخية.6) المحافظة على النمط المعماري المميز لمدينة عدن، ومنع أية استحداثات أو ترميمات تخل بطابعها المميز وتشوهه واستصدار لوائح منظمة بهذا الصدد.7) البحث والتنقيب عن الوثائق التاريخية المتعلقة بعدن وحتى قيام دولة الوحدة، والعمل على تجميعها وتوثيقها وترجمتها وإعادة نشرها بما في ذلك تلك الوثائق المحفوظة والموجودة على سبيل المثال في “الأرشيف الوطني في الهند” والأرشيف البريطاني والتركي والمصري وسواه لان مثل تلك الوثائق التاريخية من شأنها ان توفر لنا ولا شك مادة لا غنى عنها للدارسين والباحثين بما هي مصدر من المصادر التاريخية تمكننا من قراءة وإعادة قراءة تاريخنا بصورة موضوعية.8) تعيين هيئة لتنظيم حملة تبرعات أهلية توظف لصالح إنجاز تلك المشاريع والطموحات وإعادة تأهيل آثار عدن ومتاحفها وأحيائها وتسويقها من ثم داخلياً وخارجياً.