د.علوي عبدالله طاهرولما كانت وسائل الإعلام الغربية بما تمتلكه من تقنيات حديثة قد نجحت في السنوات الأخيرة من الدخول إلى كل بيت عربي ومسلم عبر البث الإذاعي والتلفزيوني الفضائي، فإن المادة الإعلامية الغربية والأمريكية بدأت فعلاً تصل إلى الملتقي في العالمين العربي والإسلامي دون حواجز تذكر،بل بسهولة ويسر ومعنى هذا أن هناك اختراقاً ثقافياً قد حصل لمجتمعاتنا العربية والإسلامية،وهو مالم يعد في مقدور المؤسسات الحكومية والأهلية أن تقاومه أو أن تقف في وجهه أو التخفيف من آثاره،وهو أخطر بكثير مما كان يعرف سابقاً بالغزو الثقافي الذي كان من الممكن مقاومته والتصدي له.وليس بخاف أن وسائل الإعلام الغربية والأمريكية تؤكد على تراب الخيارين الاقتصادي والسياسي مع ما تروح له من قيم ثقافية وسلوكيات وأنماط عيش غربية وأذواق في الملبس والمأكل وصولاً إلى صياغة تفاصيل الحياة اليومية،وكل ما يتعلق بها من شؤون تخص أفراد والأسرة وعليه فأننا- نحن العرب والمسلمين- قد صرنا نسج في بحر هذا العالم المتلاطم الأمواج،والمتلبد بالصراعات في ظل العولمة،وأصبح وضعنا لا يحسد عليه،فلا حول لنا لاقوة في عالم تتحكم فيه قوى العولمة التي تسعى بجد وقوة لنشر قيم العولمة والترويج لها،وفي ظل هذا الواقع ظهرت بعض الدعوات لتحرير الرغبة الإنسانية من كل القيود وإبعاد كل ما هو غيبي عن حياة الإنسان،وبالتالي تقدم للإنسان أهدافاً جديدة تتمحور حول السعي الحثيث لتحقيق الرغبات الشخصية دون الاعتبار لقيم الحق والخير والعدل،التي بشرت بها الأديان وعلى وجه الخصوص الإسلام،والأخطر من ذلك أم المواد الإعلامية العربية صارت آثارها المدمرة بدأت تظهر وتنتشر في أوساط مجتمعاتنا شئنا أم لم نشأ،فظواهر التفسخ الأخلاقي والتفكك الأسري وظهور جرائم لم يكن لمجتمعاتنا الإسلامية معرفة بها،كل ذلك يدل على أن هذه الظواهر بدأت تخترق مجتمعاتنا،ولسنا قادرين على مواجهتها بأساليبنا التقليدية،وقد بدأت بالفعل صياغة الأذواق والاهتمامات والأهداف،وبالتالي فنحن أمام عولمة أو أمركة حقيقية في طريقها للتوسع والتفلفل والانتشار،ولا أحد يعرف إلى أين ستصل،وماهو الحجم الحقيقي الذي ستأخذه تداعياتها السلبية على الهوية الحضارية للأمة العربية الإسلامية.ونحن العرب ليس في مقدورنا لوحدنا أن نقف في مواجهة العولمة،ذات الأمواج المتلاطمة،بل إننا سنفرق في بحر العولمة المتلاطم الأمواج ما لم نتدرب عللا السباحة،ولا بد لنا في هذا الصدد أن نمتلك وسائل الوقاية من الفرق في بحر العولمة،ومن مقتضيات السباحة الما هو ألا يسبح المرء وحده،بل لا بد أن يكون له شركاء في عملية السباحة يؤازرهم ويؤازرونه،ويأخذ كل منهم بيد الأخ.وانطلاقاً من هذا المفهوم،ولتحاشي الفرق في بحر العولمة المتلاطم الأمواج،بادرت جامعة إربد الأهلية في المملكة الأردنية الهاشمية الشيقة بالدعوة لإقامة مؤتمر دولي حول:(الوطن العربي وتحديات العولمة) دعت للمشاركة فيه عدداً كبيراً من العلماء والباحثين في الجامعات العربية المختلفة،وغيرها.وتحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت طلال المعظمة عقدت عمادة البحث العلمي في جامعة إربد الأهلية مؤتمرها العلمي الدولي حول الموضوع الآنف الذكر،وذلك في خلال الفترة 26-25 / 2007/4 م والتي كان لكاتب هذا التقرير شرف المشاركة في ذلك المؤتمر،بورقة بحثية ممثلاً لجامعة عدن،ولقد حملت ورقته عنوان(نحن العرب،كيف نتحصن من تأثيرات العولمة؟)نالت استحسان الحاضرين،واشترك إلى جانبه نخبه من كبار العلماء والباحثين العرب الذين توافدوا من مختلف الأقطار العربية،وكان لحضورهم أثراً كبيراً في إنجاح المؤتمر العلمي،إلى جانب التحضيرات الجيدة والتنظيم الرائع الذي قامت به اللجنة التحضيرية للمؤتمر برئاسة الدكتور حازم بدر الخطيب عميد البحث العلمي في الجامعة،وقد خلص المؤتمر إلى جملة م التوصيات والمقترحات في المجالات الاقتصادية والثقافية والمعرفية،وهي على النحو التالي:(المحور الاقتصادي)-1تشجيع الإنتاج المصرفي لدى المصارف العربية لتعزيز القدرات التنافسية.-2الاهتمام بالتنمية البشرية في الوطن العربي باعتباره وسيلة التنمية وغايتها.-3تنسيق المواقف والسياسات العربية تجاه منظمة التجارة العالمية والإتحاد الأوروبي والتكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية الأخرى من منطلق جماعي قوي وليس منفرداً.-4التأثير والتكييف مع عوامل الملكية الفكرية في ظل معطيات العولمة وقراراتها.-5تطوير وإعادة صياغة الاتفاقيات العربية بخصوص حركة تدفق رؤؤس الأموال وانتقال الأشخاص وتبادل الخبرات المالية والمعلوماتية.-6الاهتمام بالقطاع السياحي في الوطن العربي باعتباره أحد مرتكزات التواصل الاقتصادي والاجتماعي مع العالم الخارجي.-7 ضرورة استقصاء إمكانية تطبيق(بازل 2) على المصارف العربية.-8توحيد الجهود المبذولة بين الدول العربية من أجل الخروج بمكاسب جديدة من خلال الجولات التفاوضية وجلسات الانعقاد المستقبلية لمنظمة التجارة العالمية.-9ضرورة التنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية عند تنفيذ السياسات الإصلاحية بهدف تقليل السلبية للعولمة.-10 ضرورة دمج المصارف ذات الإمكانات الضعيفة بعضها مع بعض لإيجاد وحدات مصرفية ومالية عملاقة،ذات ملاءة حتى يتسنى لها القدرة والاستعداد للعمل في سوق مصرفية تسودها روح المنافسة الكاملة مع توثيق التعاون فيما بينها.-11 تنمية التفكير بوسائل تربوية متطورة تتلاقي مع روح العلم والتفكير النقدي وحرية الرأي مع الحفاظ على القيم الحضارية الإسلامية.-12 اعتبار الثقافة العربية والإسلامية وعاء للأصالة تستلهم التراث والذي يجب أن يكون واقعاً متفاعلاً لا ماضياً متحجراً.-13 تنمية الوعي الوطني والديني في استثمار الموارد البشرية والاقتصادية وعدم الابتعاد عن المنهج الإسلامي في الإنتاج والاستهلاك والاستثمار.-14 التأكيد على المفهوم التحريري للثقافة الذي ينطلق في صورة نداء للحوار بين الاتجاهات بفكرية السياسة المتعددة في الوطن العربي والعالم.-15 التفاعل الحي ومواجهة الضغوط التي تفرضها العولمة اليوم على السياسات المستقلة للتطور الاجتماعي والقومي والشعبي.[c1](المحور المعرفي)[/c]-1استثمار ما أفرزته العولمة من فرص للتعلم الذاتي والتعليم التعاوني والقدرة على توصيل المعلومة بطريقة سريعة وجذابة.-2تضافر الجهود بين الدول العربية لمواجهة الابتكار العالمي لإنتاج وتوزيع المعرفة وتوظيفها اجتماعياً.-3زيادة الاستثمار في التعليم ورأس المال البشري والذي تنعكس بذوره ايجابياً على انتشار وتوظيفها اجتماعياً.-4تفعيل العمل العربي المشترك في مجال الاستثمار بالتكنولوجيا.-5الاستفادة من تقنيات المعلومات وتكنولوجيا العولمة بصورة رسمية والعمل على تغذيتها المستمرة بالمعلومات النافعة للوقاية من اتخاذها وسيلة للانحراف.-6العمل على عقد دورات تأهيلية بتكنولوجيا المعلومات المستخدمة في النظام المحاسبي لزيادة وعيهم وإدراكهم لتطورات التكنولوجيا.-7استقطاب تكنولوجيا أنظمة المحاسبية المتطورة عن طريق المستثمر الأجنبي.-8ضرورة إزالة الحواجز الجغرافية لإتاحة حركة الحركة للسلع والخدمات ورؤؤس الأموال دون قيود لتمكين الدول من مواجهة المنافسة الشرسة في الأسواق التي تعتمد على التقنية الحديثة التي تدخلها في الإنتاج من السلع والخدمات.-9ضرورة اعتماد معايير إدارة الجودة الشاملة لتطبيقها في مواجهة المنافسة للمنتجات الأجنبية بنوعيتها وكلفتها وأسعارها وتخفيض تكاليفها.-10بناء قدرات اقتصادية تنافسية ونقل التقنيات الحديثة وتوظيفها في العمليات الإنتاجية وتقديم الخدمات من خلال الارتقاء بالجهود العلمية والتطبيقية.-11ضرورة عقد دورات إدارية متخصصة للمصارف في الدول العربية لضمان استمرار تطوير المعرفة وتحديثها.-12ضرورة السعي إلى بناء قيادات إدارية المصارف بفاعلية في ظل عالم يحكمه اقتصاد المعرفة.[c1](المحور الثقافي)[/c]-1إعادة ابتكار وتشكيل الهوية الثقافية العربية في سياق الأحداث والمجريات والتحولات التاريخية.-2ترسيخ ثقافة الاختلاف لا ثقافة الخلاف لدى الباحثين وقادة الرأي.-3إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية باعتبارها تجسد إحدى أعمدة هويتنا الأساسية وذلك أمام طغيان استخدام اللغات الأجنبية.-4ننشر ثقافة الحرية المواجهة المضبوطة في كافة نواحي الحياة كالحرية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية.-5التعارف بين النظم التعليمية العربية والإسلامية المختلفة لوضع تصور خاص يفيد في تحصين الثقافة العربية الإسلامية.-6تطوير الخطاب الإعلامي العربي بما يساعد في التوعية والحفاظ على الأصالة والهوية الحضارية العربية الإسلامية في مواجهة تحديات العولمة.-7العمل على رعاية الشباب وتوسيع مجالات اهتمامه وتحسين تعليمه وتوفير مستلزمات تنمية في المجالات المختلفة.
|
دراسات
الوطن العربي وتحديات العولمة
أخبار متعلقة