تعيش الفتاة المصرية بين مطرقة العنوسة وسندان شفقة الأسرة والمحيطين. وكلما اقتربت من نهاية العقد الثالث من عمرها طاردتها كلمات الشفقة والتي تكون أشبه بطلقات الرصاص. و بين نصيحة الأهل والمحيطين بضرورة الموافقة على أول من يطرق الباب هرباً من شبح العنوسة الذي طال أكثر من تسعة ملايين فتاة واصرارها على الانتظار للظفر بفارس الأحلام -الذي رسمت صورته منذ نعومة أظفارها -تعيش الفتاة حالة من الحيرة والقلق. بعضهن فضل البقاء في سجن العنوسة على دخول القفص الذهبي مع شخص لا تقتنع به شريكاً للحياة لكن الأغلبية فضلت الخيار الأخير.. فكانت النتيجة أن حملن لقب "مطلقة" بدلاً من "عانس"!!وتشير احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الي ارتفاع حالات الطلاق خلال الـ 50 سنة الاخيرة من 7 الى 40 بواقع 240 حالة طلاق يومياً. وقد بلغت أعداد المطلقات في مصر حوالى 2.5 مليون مطلقة والكارثة أن النسبة الاكبر من هؤلاء تخص المتزوجات حديثاً ممن تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين عاماً. وفي السياق نفسه أكدت دراسة ميدانية حديثة أجريت في أحياء مصر ذات الكثافة السكانية العالية ارتفاع معدل ما يعرف "بالطلاق العاطفي" وهذا النوع من الطلاق غير مسجل حيث يتم الطلاق دون أوراق رسمية.واذا كان الطلاق بالنسبة للرجل مجرد كلمة قد ينطقها لحظة غضب ويرفض التراجع عنها حفاظاً على كرامته فانها بالنسبة للمرأة مزيد من القيود علي حياتها الشخصية. وان كان الطلاق بالنسبة للمرأة في كثير من الأحيان خلاص من زواج تعيس الا انها لا تلجأ اليه الا بعد الوصول الى ذروة اليأس والالم ..وربما تحتاج الى فترة تطول او تقصر لتعود الي طبيعتها.. وقد لا تنجح في ذلك!ورغم ان المطلقة تسعى جاهدة للتأقلم مع وضعها الجديد الا أن الامر في كثير من الاحيان يكون بالغ الصعوبة في ظل نظرة الشك والريبة التي تطاردها من أفراد المجتمع ما يجعلها تشعر بالذنب على جرم لم تقترفه .وتزداد المشكلة تعقيداً اذا كان لديها أطفال حيث ستتنصل أسرتها من مسؤوليتهم ما يرغم الأم في كثير من الأحيان على التخلي عن حقها في رعايتهم اذا لم تكن عاملة او لا يوجد مصدر رزق كاف لأن ذلك يثقل كاهلها ويزيد من معاناتها اما اذا كانت عاملة فستوضع تحت "ميكروسكوب" دقيق يرصد كل حركاتها ويفسرها كما يحلو له. بعيون شاردة حزينة تروي ايمان تجربتها المأساوية" لطالما حلمت بفارس الأحلام الذي سيخطفني فوق حصان أبيض وأعيش معه اسعد ايام حياتي ، بحثت عنه بين الزملاء في الجامعة دون جدوى فجميعهم يبحث عن " المصاحبة "والتسلية وهوما كان يزعجني بشدة ويجعلني خائفة من الدخول في أي علاقة عاطفية خلال سنوات الدراسة . تخرجت من الجامعة لاشق طريقي في الحياة العملية التي كانت بالنسبة لي نافذة للعالم الذي طالما حلمت به ..لأكون كيانا هرباً من تقاليد أسرتي المحافظة التي ترى أن البنت مصيرها بيتها وزوجها وأن العمل لن يضيف الى حياتها اي جديد بل سوف يعطلها عن تكوين أسرة. وبالفعل تمت خطوبتي من الشخص الذي وجدوا انه مناسب بعد أن خارت قواي وفشلت في الاستمرار في المقاومة . تم الزواج بالفعل لاصطدم بالواقع فالرجل الذي تزوجته حول حياتي الى جحيم وجعلني على يقين من أن الوحدة والعنوسة أفضل بكثير من الزواج بشخص دون اقتناع . لم احتمل الحياة معه وقررت الانفصال والمفاجأة التى لم أكن أتوقعها أنه لم يتردد فى الموافقة وسرعان ما استجاب لطلبي خاصة بعد أن تنازلت عن كافة مستحقاتي المادية والآن أنا أحمل لقب "مطلقة"."سما"- فتاه لم تنه عقدها الثالث بعد - تنظر الى الأمر ببساطة غير معهودة خاصة وأنها حملت ذلك اللقب المرعب قبل أن تكمل عامها الأول كزوجة تقول بهدوء " هناك تضخيم للمشكلة دون مبرر، فالطلاق أمر طبيعي ويمكن أن يحدث بين أي زوجين دون أن يعني وجود عيب في اي من الطرفين كل ما في الأمر أن طباعهما كانت مختلفة ولم يحتمل كلاهما العيش مع الآخر . هناك العديد من العيوب التى لا يكتشفها كل طرف الا بعد الزواج وهوما حدث في تجربتي الشخصية حيث ارتبطت بشخص كانت تربطني به علاقة حب ، وعندما تزوجنا كنت أسعد انسانة فى الوجود ولكن للأسف الشديد تغير الوضع بمرور الأيام والشهور ودون الخوض فى تفاصيل دقيقة عندما تأكدت من استحالة استمرار الحياة معه لم أتردد في طلب الانفصال الذي تم بعد مرور عام على زواجنا ولا يعنيني أن أحمل لقب " مطلقة " طالما لم أقترف جرما أخجل منه .الدكتور هاشم بحري أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر وصاحب أكثر الدراسات العلمية جدلا فيما يتعلق بالطلاق يتحدث عن الظاهرة قائلا : نسبة الطلاق في ارتفاع بوجه عام وتلك الظاهرة لم تكن موجودة من قبل وابرز أسبابها يكون ذات طابع اجتماعي ومنها عدم التوفيق في الاختيار لأن الاندفاع في اختيار شريك الحياة يؤدي الى مفاجأة وصدمة بعد الزواج بسبب اختلاف الطباع والمزاج والميول فتحدث قطيعة نفسية لا يستطيعان التعايش معها ثم يحدث الطلاق.ايضاً هناك عوامل بيولوجية اي عدم التوافق الجنسي بين الزوجين خاصة وأن الزواج نظام اجتماعي جنسي, فالجنس حاجة طبيعية مثل الطعام والشراب وعدم التوافق الجنسي بين الزوجين قد يؤدي الى فتور في العلاقة الزوجية التي هي في الاساس علاقة واقعية متكاملة الاركان وحدوث خلل في اي ركن من ركائزها قد يؤدي للفشل.وترى الدكتورة عزه كريم - أستاذ علم الاجتماع والرئيس الأسبق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -أن هناك آثار اجتماعية تحاصرالفتاة بعد الطلاق فالمجتمع ينظر اليها دائماً على أنها متهمة وليست ضحية كما يشعر أهل الفتاة انها اصبحت عبئاً عليهم وخاصة انها تحمل لقب "مطلقة" فلن تتمتع بقدر الحرية التي كانت متاحة لها من قبل.. اضافة الى ذلك فان زميلاتها وصديقاتها يؤثرن تجنبها.وتشير الدكتورة عزة الى أن الطلاق ينتشر بين الطبقات الراقية اكثر منه في الطبقات الفقيرة وذلك بسبب انعدام المسؤولية التي ينعدم معها أهم الاسس والمبادئ التي تكفي لإقامة أسرة او بيت .وتضيف: نسبة الطلاق في الطبقات الفقيرة قليلة مقارنة بمثيلاتها في الطبقة الراقية وذلك بسبب النظرة المشوهة التي تتعرض لها الفتاة المطلقة في المجتمع الذي دائماً ينظر بعين الشك فلا تجد مفراً سوي التحمل حتي لا تحمل لقب مطلقة.
هربا من العنوسة نحو الطلاق
أخبار متعلقة