مدينة شعارها العمل ورداؤها النظام في كل شيء ، أنها مدينة دبي التي تأخذ العيون أخذا ً، وتسحر الألباب بأبراجها العالية وهندست مبانيها الرائعة . وهذا برج (( خليفة )) الذي يعد من أطول وأفخم الأبراج والذي يعد من العجائب السبع في العالم الذي يلامس وجه السماء والذي يحتوي على 75 مصعدًا ، و 10 سلالم كهربائية متحركة وتحيطه حديقة غناء وتنبثق منها نوفير تتراقص مياهها بدلال يمنة ويسرة .دبي وقصور الخلفاء العباسيين ومنذ أنّ وطئت قدماي مطار دبي الدولي الذي فيه كل شيء يبرق ويلمع ومنظم ، كنت أرى على مدى البصر خضرة لا تنتهي وأنا في طريقي إلى المدينة . ولقد قفز إلى ذهني عبارة قرأتها عن القصور البديعة التي تفنن فيها الخلفاء العباسيون عندما كانت في أوج قمتها وصفها أحد المؤرخين القدامى ، قائلا : بأنّ الناس تبني قصورهم في الدنيا ولكن الخلفاء بنوا الدنيا في قصورهم أي أنهم جلبوا الدنيا بكل متاعها إلى داخل قصورها وهذا دليل على مدى ما وصلت إليه الخلافة العباسية من ازدهار واسع وعريض . ومدينة دبي على غرار قصور خلفاء بني العباس ، فالدنيا بنيت فيها . والحقيقة أنّ مدينة دبي أو بعبارة أخرى العاملين فيها أشبه بخلية نحل لا يهدؤون ولا يستكينون ، ومنذ بزوغ خيوط أنوار الفجر ، تجدهم يشمرون سواعدهم فيتوجهون إلى أعمالهم ، فالبعض يتجه إلى مكتبه أو محل عمله في مدينة دبي والآخر منهم ينطلق من المدينة إلى مدينة العين أو رأس الخيمة أو أبوظبي ، فدبي تعتبر منصة انطلاق للحركة التجارية في الإمارات بصورة عامة . ولفت نظري عند صلاة الفجر ، كنت أشاهد عدد من المصلين يرتدون البدل ، وعلى سماهم الوقار ، والأبهة ، وبمجرد الانتهاء من الصلاة سرعان ما يركبون سيارتهم الفخمة على أخر طراز ، وقد كتبت عليها العين أو رأس الخيمة أو أبوظبي . وهنا أيضا ً إمارة الشارقة ، وعجمان تموجان بالحيوية التجارية ولكن ليست على مستوى مدينة دبي التي تحتل الصدارة الأولى في النشاط الاقتصادي في الإمارات العربية المتحدة . منطقة الجُميرا والواقع أنّ مدينة دبي مدينة تتلألأ بالجمال والرواء ـــ كما قلنا سابقا ً ـــ وأجمل مناطقها ــــ وإنّ كانت كل مناطقها جميلة ــــ هى منطقة (( الجميرا )) ـــ بضم الجيم وسكون الميم ــــ الذي تحتوي على مباني من دور أو دورين على الأكثر ( الفلل ) وفيها تفنن أصحابها في بنائها بصورة غاية في الجمال والذي يزيد في جمالها بأنها تضم في داخلها حدائق بديعة تشرح النفوس وتريح العين من مناظرها الخلابة ، وترى العصافير وهى أكبر من العصافير الذي نشاهدها في اليمن ، تقفز من غصون الأشجار ، وتترامى إلى أسماعك زقزقتها كأنها تغني أغنية جمال الروح ، فتدغدغ الأحاسيس وتهز أوتار القلوب . والبيئة الذي في حولك في منطقة الجميرا بيئة نظيفة خالية من عوادم السيارات أو أي شيء يعكر صفوها أو يخدش وجهها النضير . الحفاظ على هويتها والحقيقة أنّ مدينة دبي لها وجه آخر غير وجه حركتها التجارية ونشاطها الاقتصادي الذي لا يهدأ وهو تراثها وتاريخها ، فالمدينة يتجلى فيها تاريخ مليء بالأحداث الجسيمة . في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي لعبت دورًا كبيرًا على مسرح التاريخ ، فقد وقف حكامها في وجه سياسة إنجلترا ـــ التي كانت سيادة البحار في البحار دون منازع ـــ التي حاولت تكرارًا ومرارًا بأنّ تسلبهم حقوقهم الشرعية في حكمها أو بعبارة أخرى أنّ تجعلهم يدورون في فلكها. ويذكر التاريخ انه تم التوقيع على عددٍ من الاتفاقيات والمعاهدات بين أمرائها وإنجلترا في أواخر القرن ( 19 م ) . ولكن هذا لم يسلبهم حكمهم ، ويطمس هويتم الخليجية العربية الأصيلة. ولاحظت أنّ الكثير من الصور المعلقة في جدران مكاتب الشركات أو المحلات تظهر فيها صورة قديمة عن مدينة دبي ، كمبانيها ذات الطراز العتيق من قلاع ، وحصون ، وأسواقها المشهور التي كانت تقام كل أسبوع أو شهر أو سنة والذي كان يتقاطر عليها الكثير من التجار المحليين من مختلف مناطق الخليج العربي . والجميل هناك بأنّ المسئولين على الحياة الثقافية حريصين كل الحرص على الحفاظ على شخصيتها التراثية والتاريخية الضاربة جذورها في أعماق التربة الخليجية العربية .احتوت المدينة على أكثر من مائتي جنسية أبرزها الجالية الهندية ، والباكستانية وغيرهما من شرق آسيا . وكيفما كان الأمر ، فعندما تنظر إلى أبراج دبي الصماء التي تخترق هامتها السحب ، ومبانيها الضخمة التي تلقي في روعك الرهبة ، والجاليات الأجنبية التي تعمل في بياض النهار ، وسواد الليل ، تشعر أحساس عميق بأنّ دبي مدينة لا تعرف الدموع . والواقع عندما تمكث ، وتستقر في تلك المدينة الرائعة التي تعد نموذج لمدن العالم في الجمال ، والنظام ، والأبهة بأنها مدينة تضم في ثناياها الدفء ، والحنان الكبيرين ، وأنّ مواطنيها دائمًا يصافحونك بابتسامة رقيقة وعذبة .
|
تاريخ
دبي مدينة لا تعرف الدموع
أخبار متعلقة