عبد الجبار العبيدي إرث تاريخي خاطىء لابد من اعادة النظر فيه من جديد لننقذ الاجيال الحاضرة والقادمة من محنة الخطأ الكبيرالذي وقعنا فيه تاريخياً. هم سجلوها لنا ونحن نتحمل تبعاتها اليوم، بعد ان قرر الحاكم بقاءها في عقولنا حتى نبقى عبيدا له إلى يوم الدين، فهل نحن نبقى من الساكتين؟خوفا من سيف او رغبة في مال او جاه او سلطان، وديننا يأمرنا بالصراحة وقول الحق؟محنة لابد ان نتجاوزها لنعبر بالسفينة الى ساحل النجاة وندعهم يغرقون في بحر الظلمات. قصة اوردتها لنا مصادرنا التاريخية الاولية، ان كانت صحاً او وهماً لايهمنا. لكن الذي يهمنا كيف فبركوا الوهم الى واقع ليصبح منهجا لنا نعلمه لتلاميذنا في المدرسة ونزرع في عقولهم الخطأ الى اليوم دون خوف من الله والضمير. حين قالوا: ان العداء بين بني عبد شمس وبني هاشم قديم قدم ولادة الاثنين حين خرجا الى الدنيا من رحم واحد فكانت اصبع احدهما لاصقا بجبين الآخر، فكان لابد من فصلهما بالسيف، فتولد بينهما دم منذ الميلاد، الأزرقي، اخبار مكة)). قصة مفتعلة نقلتها المصادر دون تمحيص في نص ولا مقارنة في رواية. فقد كانا قبل الاسلام من الحلفاء المتعاونين، ولم يفسد تعاونهما من شيء سوى بعض الحاجات البدوية التي تنتمي للعادات الجاهلية التي تحصل بين العشائر والافخاذ فتعكر صفو امنهما، والأهم انهما من أمٍ واحدة هي عاتكة بنت مرة من قيس عيلان وابوهما ابن عبد مناف(ابن الكلبي، الانساب). بينهما الاحلاف التجارية التي سموها بالايلاف (سورة قريش4-1)، وبقيت العلاقة بينهما وطيدة حتى جاء الاسلام. فما الذي حدث؟ما كان الاسلام بقيادة ابنهم العظيم محمد بن عبدالله القريشي الهاشمي، الا هاجسا بأخذ الصدارة السياسية منهم أي من بني عبد شمس وحصرها في بني هاشم - هكذا تصوروا-، مثلهم مثل بني مخزوم. لكن امر العداوة قد انتهى بفتح مكة ولم يعد لها من آثر.، حين نادى الرسول بصوته الشريف (من دخل دار ابو سفيان فهو آمن), وحين نادى (أذهبوا فأنتم الطلقاء). آذن ما الذي حدث واستجد لتعود العداوة الى سابق عهدها ويصبح بني عبد شمس والامويين من اعداء هاشم ومحمد والاسلام بعد البعثة النبوية الشريفة. أنها النبوة والخلافة من بعدها؟ انها الخلافة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)وما جرت من اشكاليات كثيرة لازال سعيرها باقيا الى اليوم، مما دعا الشهرستاني ان يقول فيها:(أذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الامامة في كل زمان، الشهرستاني، الملل والنِحل ج1 ص268). والسؤال المطروح هو:هل ان اقامة الخلافة فرض على كل مسلم؟وهل أنها فرض عينٍ او كفاية؟مسألة شائكة الى اليوم بعد انتهائها على يد العباسيين (656)، والفاطميين(923) والعثمانيين(1343 هجرية). هذه التساؤلات تجرنا الى مثيلاتها في الصعوبة والى حاجتها الى دراسة مفصلة وعميقة ومجردة ونزيهة، لان الاحاديث النبوية الشريفة وردتنا في هذا الموضوع بصيغة خبرية، وليست طلبية كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (الائمة من قريش) وعندي ان هذا الحديث المنسوب للرسول بحاجة الى مراجعة وتدقيق ومقارنة، فالرسول(صلى الله عليه وسلم) لا يمكن ان يقول بمثل هذا القول المحدد، وهو الذي جاء بالشورى من الله، والشورى معناها الاعتراف بحق الجميع دون تمييز، والخلافة شورى بين المسلمين لمن يستحقها علما وصلاحاً. واذا ما صح الحديث فهو يدل على الافضلية وليس واجبا الزاميا كغيرها من صفات العلم والخبرة واللياقة الجسمية وأمثالها فيمن تنعقد له الخلافة. واعتقد انه ليس حديثا بل هو من المأثورات السياسية التي أضيفت الى الاحاديث كغيرها من الاضافات. ومن لديه النقيض فليأتنا بالثبت المحدد؟. ولو كان حديثاً صحيحاً لاعترضوا على الخوارج حين نصبوا عليهم عبدالله بن وهب الراسبي خليفة وهو غير قرشي لامارة المسلمين(محمد عمارة، الاسلام وفلسفة الحكم، ص 110 - 111). والخلافة في الاسلام جاءت مبتكرة وكانت ابتكارا موفقا، لكن النقص فيها انها جاءت بلا تقنين بعد ان غيب دستور المدينة(أنظر الوثائق النبوية لاحمد حميد الله)).. فقد كانت بحاجة الى دراسة وتنظيم. فالخليفة رأس الدولة فلا يمكن ان تترك المسئولية الكبرى دون تحديد مدة او مدى سلطان. وهكذا كانت فتحولت الى ملك عضوض مستبد بعد الراشدين تتناقله الايدي بالذهب والسيف، فهي آرثهم الخاطىء الذي لا يناقش. ورغم ان دولة الرومان المجاورة للعرب والمسلمين، كان لامبراطورها قانون لكنهم لم يستفيدوا من التجربة منهم رغم العلاقات الوطيدة معهم على عهد الامويين.، اوقل لم يريدوا ان تنتقل لهم الاسس القانونية لادارة الدولة، لانهم والرئاسة توأمان لا ينفصلان ما دام المال والجاه والسلطة بإيديهم بلا منازع.، ولان مات ابو بكر(رض) مبكرا وقتل عمر(رض) بعد عشر سنين فلم يعد في مقدمتها الا عثمان (صلى الله عليه وسلم)الذي اكتوى بأشكالياتها ومات مقتولا فيها، بعد ان ظن البعض يريدها له ولاتباعه دون معارض فناقشه الثوار بها فلم يقبل المناقشة حتى قال(اما ان اتبرأ من الامارة فأن تصلبوني أحب الي من ان أتبرا من امر الله وخلافته (الطبري ج4 ص 376 - 277).. مبدأ خطير هذا الذي طرحه الخليفة عثمان الذي أختير من بين(6) من الصحابة وبتوصية من الخليفة السابق، وهو حق تملكه الشورى وجماعة الحلِ والعَقد الذين يختارون من الامة والذين أيدوا الترشيح، (الوثائق النبوية، دائرة المعارف البريطانية). لكن هذا الاختيار جر علينا الويل والثبور وعظائم الامور، واستشهاده على ايدي المسلمين انفسهم، وتلك محنة اكبر من محنة الاستشهاد نفسه، أذ لاول مرة تتجاسر الايدي المسلمة على قتل خليفتها المنتخب بموجب شورى الدولة.، ولكن علينا ان لاننسى ان النصوص المرتبكة والمفبركة التي كل منها ينقل على هواه دون من مسئولية او رقابة هو الذي أربك التاريخ، لذا فالقول الفصل في النص يبقى في حاجة ماسة للبحث والتدقيق العميق. والسؤال الذي يطرح نفسه ايضا، اما كان بأمكان الفقهاء ان يناقشوا مثل هذه الاشكالية المعقدة، علماً انهم وضعوا النظم الشرعية الدقيقة لكل شيء قي حياة المسلمين: من زواج وطلاق وارث ووصية؟ ولكنهم وقفوا عند مسائل النظام السياسي، مع انها عرضت عليهم من اول الامر، وعندي هي الرياسة والمال والسيف، فكيف الحوار؟. ودوما قوة البناء تبدأ من اساسها، فقد كان البناء الاساسي للنظام السياسي الاسلامي الرئاسي منذ البداية يعتريه الخلل المفصلي في التنظيم. فاستمر هذا الخلل يلازمنا الى اليوم دون اصلاح. ولا نريد ان ندخل في التفاصيل المرة خوفا من الفتنة كما يقولون، وانا عندي لا بد من اختراق النص لمعرفة الحقيقة، لان باختراقه نخترق المستحيل لنبدأ بالخروج من عنق الزجاجة الى الحرية والعدالة الاجتماعية التي جاء بها الاسلام وغابت عنا، لا بل أقول غيبت للظروف السياسة آنذاك. وباستشهاد الخليفة الثالث وحصول فراغ الدولة يتجه الناس والصحابة نحوالافضل، فكان علي بن ابي طالب هو المرشح الافضل المقصود، لكن رفضه في بداية الامر يدخلنا في البحث الجاد لقول الحقيقية، والحقيقة هي الغاية والهدف. فلماذ لم يقبلها لنفسه في هذا الجو المضطرب وهو المنافس الاول لها منذ وفاة الرسول(صلى الله عليه وسلم) حتى عدها البعض هي أس الاشكاليات السياسية في عالم الاسلام منذ البداية. ما أرادها لنفسه في ذلك الجو المضطرب، لكي لا يقال عليه طامع فيها او له ضلع في أستشهاد الخليفة عثمان- وحاشاه ان يفعل ذلك- لكن التكهنات يجب ان يحسب حسابها وخاصة عند علي النبيه العاقل المتزن، لكن الصحابة ألحوا عليه وأقنعوه بأنها امانة فلابد من القبول بها فقبلها على مضض. وعندي ان عليا تصعب عليه السياسة، فعلي منظر فذ للعقيدة ومراقبا لتنفيذها وتطبيقها عند الاجهزة ورئاسة الدولة، لانه والسياسة على طرفي نقيض، فالسياسة فن الممكن وعلي لا يعرف الا المبدأية الصرفة بلا تأويل، فحدية العدالة والموقف عند محاسبة الخطا وان لا يتعايش الامع حالة دولة العدالة التي يرى فيها الناس متساوين في السراء والضراء، فلسفة أختمرت في فكره وقلبه، لذا فالرياسة في ذلك الظرف المرتبك افقده المهمة من اول يوم ولي فيها الخلافة. لذا فان انتخابه للخلافة بعد عثمان لم تعد ناجحة او نافعة في القفز به وبالخلافة الى خارج اسوار مكة ومراكز الثقل فيها، لكن محاولاته لمواجهة الانحرافات التي بدأت تظهر على السطح في امور الولاة والوقوف الحازم منها كألموقف الاموي في الشام هي التي فسرت الموقف السياسي الصارم على اعتباره خروجا على الشورى واثير حولها ما اثير حتى دخلت الدولة بمرحلة الصراعات المكشوفة فكانت صفين والجمل والنهروان وتشتت الوحدة الاسلامية الرصينة. انه مشهد من اكثر المشاهد عتامة مر بالامة الاسلامية.. ومع ان الفقهاء جالوا في كل صغيرة وكبيرة واعطوا فيها رأياً، لكن مسالة نظام الحكم فقد تركوه لما يعرف بالشورى. ورغم ان نظام الشورى ولد محصناً من الاختراق، لكنه مع الاسف ترك بيد رئيس الدولة فهو الذي يختار اهل الشورى وهو الذي يجمعهم وهو الذي يتقيد او لايتقيد برأيهم، من هنا كان التوقف في الاصلاح السياسي عندما غلبت القبيلة والعشيرة على رأي العقيدة والدين. ولوكانت الشورى حقا بيد رجالها المعتمدين لما حصل الانحراف السياسي والتفرق الذي شهدناه وظل ينخر في جسم الدولة حتى اسقطها على يد المغول، والمغول بنظري لم يسقطوا الدولة بل اجتاحوها لان الدولة كانت ساقطة ومنهارة من الاساس. لقد عاشت دولة الاسلام بنظام الخلافة بلا قانون مكتوب، حين اعتبروا القرآن هو الدستور، والرسول منذ البداية أدرك المشكلة فكتب الدستور، لكنه غيب عن الدولة. ولا نظام ولا تنظيمات ادارية وما ندرسه لطلبتنا في المناهج المدرسية ما هو الا وهم من وحي الخيال. فالرئيس هو الذي يحكم وليس لدينا اساس شرعي ملزم بنظام الحكم وحقوق رئيس الدولة وواجباته وحقوقه وحقوق الرعية وواجباتها سوى ما سطره الفقهاء لنا وهماً. وحين تقرأ للرسول ولعمر وعلي ترى هم في واد ونظرية التطبيق في وادٍ اخر، انظر ما قالوا في الدولة والامة:حين قال الرسول(صلى الله عليه وسلم) :ان الزمان قد استدار كهيئة يوم ان خلق الله السموات والارض.. وهذا الاعلان رغم أشارته المجازية الا انه بدء لمسار جديد للانسانية جمعاء مبني على قانونية التشريع الالهي فلا بد من التنفيذ. ويقول عمر(رض):كيف أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا في دينهم ودنياهم، وهذا تطبيق عملي للمساواة بين الناس دون لبس او أبهام. ويقول علي(رض) :ألا ان كل قطيعة أقطعها فلان، وكل مالٍ أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال فان الحق القديم لا يبطله شيء، ويكمل الامام علي قوله: والله لو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الاماء، لرددته... فأن في العدل سعة.. ومن ضاق عليه العدل... فالجور عليه أضيق، أنظر نهج البلاغة، الخطب). هذا التلكؤ في التنفيذ هو المصيبة الكبرى التي حالت بنا دون ضبط نظم الحكم في الاسلام وكل ما نقرأه لمفكري الاسلام فهو غائم وغامض وغير مضبوط، من هنا نستطيع ان نقول اننا لم نعرف الفكر السياسي المقنن المنظم فبقينا في فوضى النص الديني المفبرك ورجال الدين والفقهاء يتلاعبون فينا مثلما يريدون والى اليوم. في هذا الجو الغامض المضطرب نريد ان نصنع دولاً ونلحق بالحضارات الاخرى ,ان فاقد الشيىء لا يعطيه. ومالم نعود القانون القرآن والتشريعات الدستورية المدنية والسيرة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وندرسها ونخترق التراث الذي سموه مقدس لا يخترق، والقرآن والسُنة النبوية الشريفة ترفض نظريتهم، ونمحص كل نصٍ تركته لنا من احاديث واقوال مآثورة لنتبين الغث من السمين، لن نستطيع ان نبني نظرية المعرفة الاسلامية الانسانية الصحيحة، ولن نستطيع ان نحول القرآن من النظرية الى التطبيق الا بالتخلص من تلك الاراء المبنية على الحدس والتخمين ونظرية الترادف القرآنية ونحول الآية من التفسير الى التأويل بأشراك علماء التخصص لا فقهاء السلطة، وندع كل شيء كان مكشوفاً للمناقشة والحوار وبهذه الطريقة تقدمت اوربا وصنعت الحضارة لها كما نراها اليوم فأن لم نقرر القانون في نفوس الناس تقريرا ملزماً بمنهج الدراسة، لن نصل وسنبقى مكانك راوح. فهل نحن مستعدون للاصلاح الديني لنعود مثل الامم الاخرى، والله الموفق الى كل رشاد. [c1]----------------* كاتب عراقي[/c]
|
مقالات
الفكر السياسي السليم أين نحن منه الآن ؟
أخبار متعلقة