أضواء
ازدادت القضايا التي تنشرها الصحف مؤخرًا عن زواج أطفال صغار؛ بعض تلك الزواجات يحصل بين طفل وطفلة، وبعضها يحصل بين رجل كبير وطفلة. إن حالة زواج الأطفال هي بلاشك قضية مخيفة كون الزوج الطفل والزوجة الطفلة سيدخلان حياة لايفهمان أبجدياتها بعد بل إنها ستكون بمثابة اللعنة التي ستحوّل حياتيهما إلى فوضى ونكد لانهاية له؛ فلا ها فهما الطفولة ولاهما عرفا النضج، وبهذا فقد ضاعا في مرحلة عالقة مابين الطفولة والمراهقة، يعيشان مفاهيم مشوّهة عن الزواج والطفولة والتربية والاستقلالية وغير ذلك من مفاهيم الحياة التي تبدو بسيطة ولكنها بالفعل الأكثر تعقيدًا على الإطلاق ومع ذلك، فإن الأدهى والأمرّ هو الحالة التي يتزوج بها رجل بالغ أو كهل بطفلة قاصرة؛ وأغلب هذه الحالات تكون فيها الفتاة ضحية لقرار وليّها وليس لها في الأمر إرادة. وهذا الزواج يؤدي في الغالب إلى كارثة مدمّرة في حياة الطفلة، وتنتج عنه مشكلات اجتماعية وسيكولوجية كثيرة لاتقتصر على الضحية بل تشمل الأسرة والمجتمع، وقد أشارت الكاتبة مها الحجيلان إلى الآثار السلبية لمثل هذه الزواجات في مقالة وافية بعنوان «أنقذوا فتاة حائل»، نشرت في صحيفة الوطن يوم الأحد 13يوليو 2008م. ومع عدم التقليل من خطر زواج طفل بطفلة إلا أن الأمر لايمكن قبوله في الحال الثانية التي تقهر فيه طفلة بريئة على الزواج من رجل في عمر والدها أو جدّها، وترسل لمواجهة حياة غير مستقرة في الأصل. ولست بحاجة إلى تعداد المآسي التي ستعصف بهذه الطفلة البريئة حينما توضع في مثل هذا الموقف. كنّا نسمع عن مثل هذه الحالات في الماضي ولم نستطع سوى التعاطف مع الضحايا والشعور بالأسف لحالهن، ولكننا اليوم في مجتمع مدني متحضّر فيه مؤسسات مدنية تحكمه أنظمة وتعاليم حتى في الأمور الشخصية. وقد سمعت أن هناك توجّهًا نحو سنّ قانون يحدد العمر القانوني لزواج الفتاة بحدود ثماني عشرة سنة كما هي الحال في أغلب دول العالم؛ ولكن مثل هذا الأمر ربما يستغرق زمنًا يحتاج فيه المشرّعون إلى وضع اعتبارات معينة لتحديد بداية العمر المناسب للزواج الذي يحتمل أن تكون فيه الفتاة قد نضجت عقليًا ونفسيًا وصارت مؤهلة جسديًا وماديًا لبناء حياة أسريّة صحيّة. ولهذا فإن أفراد المجتمع الذين تهمّهم مصلحته لايسعهم الانتظار حتى يسنّ هذا القانون ويصبح موضع التنفيذ في جميع مناطق المملكة، بل لابد من وضع بعض الخطوات المناسبة للحدّ من الخطر المحدق بالمجتمع والتقليل من الأضرار المحتملة، وذلك بتأسيس جمعية لحماية الأطفال من الزواج تكون تحت مظلة هيئة حقوق الإنسان فيما يتعلق بحماية الأطفال والمرأة من العنف. ولا يمنع من استمرار العمل في هذه الجمعية حتى مع وجود قانون صارم يحدد العمر المناسب للزواج، وذلك لأن بعض الناس قد لا يتقيّد بالنظام ويعتبر موضوع الزواج موضوعًا شخصيًا بحتًا لايحق لأحد أن يتدخّل فيه. هذه الجمعية تمثل مشاركة ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وتسعى إلى حماية من لايستطيع حماية نفسه من الأطفال والقصّر، وهي حماية واجبة على القادرين من المؤهلين والمؤهلات لمساندة حقوق الإنسان وترسيخ قيم احترام ذات الإنسان وكيانه في المجتمع. ولأنها جمعية تعتمد على جهود المتبرعين بأوقاتهم وأموالهم وجهدهم، فإنها سوف تستقطب الكفاءات المميزة ممن يؤمنون بالعمل التطوّعي من أفراد هذا المجتمع المتعلّم من أساتذة وأطباء وعلماء ومثقفين وصحفيين ومحامين ومهندسين وآباء وأمهات. ومعلوم أن الذين يشتركون بالأعمال التطوّعية لخدمة مجتمعهم هم أفراد يتميزون بحسّ إنساني عال وبفكر ناضج وهم في الغالب أصحاب رؤية إنسانية منزّهون عن الرغبات الشخصية أو الميول الماديّة. ولهذا فإن العمل بهذه الجمعية مرشح للنجاح إذا وجد المساندة من هيئة وجمعية حقوق الإنسان. يمكن لهذه الجمعية أن تعمل الكثير؛ فتقوم بمهام ميدانية ينهض بها مختصون في التواصل النفسي والاجتماعي لزيارة الآباء والأمهات وتبصيرهم بقيمة الزواج وأهمية العناية به، واطلاعهم على الأضرار التي ستقع على الفتاة اليوم أو بعد ثلاثين عامًا وتعليمهم بأثر ذلك على خلخلة مكوّنات المجتمع بأكمله حينما توجد أم ضعيفة لديها أطفال لاتُحسن تنشئتهم أو توجد أم تبحث عمن يشبع رغباتها الحسّية حينما يضعف زوجها الكهل أو يموت. ويقدمون المساعدة اللازمة للأسرة بإيصال طلباتها للجهات المختصة والتنسيق مع الأجهزة ذات العلاقة كإمارة المنطقة ووزارة الشؤون الاجتماعية والمستشفيات والجهات التعليمية..إلخ. وتستطيع الجمعية أن تتفاعل مع القضايا المثارة في الإعلام وتقدّم الرأي وتنشر الوعي بالحضور الإعلامي المكثف وبالتفاعل مع الناس على الإنترنت والاستفادة من جهود الراغبين في الانضمام إليها من كل مدينة وقرية بهدف نشر الوعي العلمي بسلبيات هذا النوع من الزواج. أتوقع أننا نستطيع اليوم أن نعمل شيئًا مفيدًا لمجتمعنا يتجاوز تعبيرنا عن الغضب والاستنكار لما يحدث رغم أهمية ذلك، وتأسيس مثل هذه الجمعية هو خطوة في طريق التنفيذ العملي للأفكار والطموحات التي يصبو إليها حكماء المجتمع ومفكروه الذين يتمنون له الخير والصلاح.[c1]*جريدة ( الرياض ) السعودية[/c]