لشهر رمضان منزلة رفيعة بين الشهور فهو الشهر الوحيد الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، وهو الشهر الذي اختصه الله بفريضة الصيام، وأنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان. المسلمون أجود ما يكونون في رمضان، يعان فيه المحتاج، ويطعم فيه الفقير، ويكرم المسكين، وتوصل فيه الأرحام ، وذلك كله تصديق لقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) عن هذا الشهر العظيم ، إنه شهر تفتح فيه أبواب الخير ، وتوصد فيه أبواب النار.ومع ذلك كله فإن الحديث في رمضان لا ينبغي أن يكون كله عن رمضان، لأن حياة المسلمين لا تتوقف في رمضان ولأن الصوم لا ينتزع المسلم من تيار الحياة، ولأن العلم النافع - في رمضان وغير رمضان - هو الذي يعالج الهموم الحقيقية للناس، لا الذي يتجاهلها ويكتفي بتوجيه النصائح وسوق موعظات لاتجاوز طرف اللسان، ثم لاتجد طريقاً بعد ذلك إلى آذان السامعين، والله تعالى يقول: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس). لذلك نتنمى أن يكسر المسلمون طوق هذا الذي تعودناه من أسلوب الاحتفال برمضان، وأن يجعلوا بعض احتفالهم به أن يقفوا مع الإسلام كله وقفة تعلم واعتبار لكل إحكامه وشعائره وشرائعه بواقع الناس ذلك أن كل حديث عن الإسلام - في رمضان أو غير رمضان - ينقطع عن واقع الناس وهمومهم .. ظلم لهؤلاء الناس وتفريط في حقهم يبرأ منه الإسلام الذي كان نبيه (صلى عليه وسلم ) يستعيذ في دعائه من علم لا ينفع .. والذي مازال كتابه الكريم يبرأ من الكلمة التي لا تفتح بابا للخير ولا تكون مدخلا لما ينفع الناس. والذين يملاؤن الدنيا شكاية وضجيجاً من المذاهب والنظريات التي تفتن الناس عن الإسلام ويستولي بعضها على عقول الشباب وقلوبهم ، عليهم أن يذكروا أن أجزاء من المسؤولية عن ذلك كله تقع علينا نحن حين نترك الإسلام مقطوع الصلة بواقع الناس إما بحصره في إطار تاريخي محدود ودعوة الناس إلى أن ينفضوا أيديهم من حاضرهم الذي يعرفونه بكل ما فيه من خير وشر او مشاكل وآمال ليعودوا إلى ماض كانت ترفرف عليه أعلام الإسلام ، وإما بعرضه في صورة مجموعة من النصوص التي تحمل على أجنحتها صورة الحياة المثالية الكاملة ومطالبة الناس بعد ذلك أن يقفزوا قفزاً خارجين من مشاكل واقعهم وما فيه إلى حيث هذا الكمال المطلق الذي تمثله أوامر الدين ونواهية. إن الفصل بين الإسلام والحياة يبدأ عادة في عقول وقلوب الداعين إليه، قبل أن يقع في حياة الناس وأنظمة المجتمعات وهو يبدأ حين نعزل النصوص الدينية عن مصالح الناس ، وحين تنحصر مهمة الدعاة والعلماء في عرض النصوص بلا زيادة ولانقصان دون محاولة لوصلها بواقع الناس.أفلا يجعل المسلمون من رمضان موسما لتجديد الاتصال الواعي بأصول هذا الدين وقيمه ومعالم حضارته وللتأمل الموضوعي في ما آل إليه أمر المسلمين .. والبحث الجاد عن أطراف الخيوط التي تعينهم أفراداً وأمما على الخروج من التخلف ، والانطلاق على طريق الإحياء والانبعاث ولو فعلوا لفهموا حقيقة قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): .. ( لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان ).
أخبار متعلقة