كثيرة.. ومتعددة الأحداث التي وقعت منذ شرعت في إعداد هذا الكتاب..وكثيرون هم المتربصون الذين تسللوا ـ في غيبة القوى القومية والوطنية وربما يأسها ـ لاحتلال الموقع تلو الموقع.. حيث علت نداءاتهم، وانهمر رصاصهم، وانتشر إرهابهم، وأمسكوا جميعاً بالاقلام يسودون بها الصحائف: رجال الطاغوت اقتحموا بيوتهم، وقادوهم إلى الزنازين عنوة، دون سبب.. عذبوا عذاباً نكراً، وسجنوا ظلماً..وجد هؤلاء المتربصون من هو جاهز ومتحفز للطبع، ومن هو منتظر لكي ينشر، ومن يفتح الخزانة لكي يدفع..!ووسط السيل الجارف من دور النشر المدعومة، يشاء رب العالمين أن تفلت من بعضهم الكلمات عن غير قصد، وتتناثر الاعترافات على غير رغبة، لنجد بين سطور خطتها أيديهم ـ وبعدما يقرب من نصف قرن ـ أنهم كانوا يتآمرون، وأنهم أعدوا خططاً للقتل، والنسف، والتدمير، وأن جيوبهم كانت تمتلئ من خارج مصر، وأن خزائن للمال وللسلاح فتحت لهم هناك.. بعيداً عن الوطن وأنه كان لهم جهاز كامل للتخابر والتجسس وجمع المعلومات..!ولأن الله سبحانه وتعالى يكره المنافقين والكذابين، ويجعلهم في الدرك الأسفل من النار، فقد جاءت مشيئته بفضح إفكهم بألسنتهم، في سطور هنا وهناك، تتكامل لترسم لنا صورة لهؤلاء الذين يدعون أن قضيتهم هي الإسلام.. بل إنهم إمعاناً في البغى يرون أن من يعترض تآمرهم، ويضبط سلاحهم، ويفند ضلالهم.. خارج على الإسلام.. وكأنهم هم الإسلام..!!.. وما كان الإسلام الصحيح يمت لأحد منهم، أو يتوافق مع مطامعه.. وحتى لو تصادف فالخلاف مع مسلم ليس خلافاً مع الإسلام، والتصدي لجماعة أو فئة مهما كانت ليس تصدياً للدين الحنيف.. ولم يواجه أحد منهم لأنه كاتب أو مفكر، أو واعظ، أو عالم، أو داعية، أو متدين شديد التطرف في تدينه وإنما.. لأنه أرهابي ومتآمر.. ولم يكونوا وحدهم السباقين إلى الاعتراف.قبلهم تحدث مسؤولون، وزراء داخلية، ورجال سياسة، شغلوا المواقع المؤثرة والهامة خلال سنوات السبعينيات الحالكة الردة على فكر الثورة، وإنجازاتها.. قالوا بصراحة نحن شجعناهم.. ونحن نظمناهم.. ونحن جندناهم.. ونحن سلحناهم، ونحن دعمناهم بالمال لنواجه بهم: الناصريين.. وقوى اليسار.. أي أنهم صنيعة في يد مراكز القوى الرجعية التي حفزتهم على الإجرام لتحاول بهم أن تعصف بإنجاز عصر كامل غيّر المجتمع لصالح المستضعفين في الأرض. وكانوا الأداة، كما كانوا من قبل الثورة في يد السلطة المعادية للشعب ضد القوى الوطنية كلها.. وكان هؤلاء وهؤلاء يتطلعون بعيونهم إلى مسافات طويلة جداً.. تعبر المحيطات.. حيث الثأر الذي لم يخمد والخزائن التي لا تفرغ! وعندما ارتفعت الأصوات تطالب بأن الحكم لله.. أكتشف "الإمام علي بن أبي طالب" الخدعة، وقال إنها كلمة حق يراد بها باطل!وعندما رفعوا شعار "الإسلام هو الحل" ترددت أصداء كلمات "الإمام علي" الخالدة.. فهو حق يراد به أن يجثموا على صدر البلاد، فيمنعون أي صوت، ويظلمون الحياة، ويحرمون الرأي.. أفلم يقل كبيرهم إن الشورى في الإسلام ليست ملزمة للحاكم.. وأنه ليس هناك سوى حزب الله، وحزب الشيطان.لم يسع أحد منهم ليفسر لنا كيف يكون "الإسلام هو الحل" في رؤيتهم لقضايا العصر.. في الاقتصاد.. والاجتماع.. والسياسة..واكتفوا مرة أخرى.. وليست أخيرة بالشعارات العامة التي تُجمّع، ولا يختلف عليها أحد.. حتى تقودهم إلى حيث يحققون أهدافهم.أقاموا شركات "إسلامية" لتوظيف الأموال، ونهبوا مدخرات الفقراء، وسرقوا أموال اليتامى، وضحكوا على الناس، في أكبر عملية نصب شهدها القرن العشرون، عندما جمعوا الملايين باسم الإسلام، وعاثوا في الأرض بها فساداً ولم يتركوا جريمة إلا ارتكبوها، ولا موبقاً إلا وكانوا سبّاقين إليه، واستعانوا بكل أنواع الفساد من رشوة، ومخدر وجنس، وزينوا جرائمهم بفتاوى من علماء كنا نحترمهم ونعتقد انهم لا يرتشون ولا يبدّلون القول..يتطلع المسلمون إلى بيت الله الحرام يأمنون عنده من خوف،ورأينا بعض قادتهم يتطلعون إلى البيت الأبيض ولجأوا إليه تحت ستار أنهم يمارسون الدعوة في ظلاله، وينشرون تحت رعايته دين الله حنيفاً مسلماً ويجدون عنده الأمن والرعاية، وزينة الحياة الدنيا..مناطق كاملة، قرى وأحياء، استولوا عليها، واقاموا فيها النموذج الذي يريدونه الطبالون، والسباكون والبلاطجة.. كانوا الأمراء والوزراء والمحافظين.. جلدوا الناس في الشوارع، فرضوا الإتاوات، سرقوا المحلات، نهبوا الأموال، حرموا الحفلات، حرقوا النوادي.. تزوجوا بلا أوراق، وارتكبوا الرذائل ما ظهر منها وما بطن.. ضج الناس، وكفروا بممارساتهم.. حتى جاء نصر الله والفتح.. لتحرير هذه المناطق الكاملة بين زغاريد النساء، وتهليل الشيوخ، وفرح الشبان عند تنفيذ الاستراتيجية الشاملة لمكافحة التطرف والإرهاب عام 1993م!هل كان هؤلاء الذين تحرروا ووقفوا مع الشرطة في حربها ضد إرهابهم غير مسلمين، لأنهم رفضوا العنف.. ورفضوا القتل.. ورفضوا أن يتحول الإسلام إلى دماء تسيل بعيداً عن الرحمة التي أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه بها: وقال له: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.هل كان طبال إمبابة، وبلطجي الفيوم، ونشّال أسيوط هو الذي سيحكم ـ لا قدر الله ـ يوم يتحقق هدفهم، إنه جاهل مدفوع ليمهد الطريق أمام الذين يعلنون استنكارهم للقتل على استحياء، ويدلون بالأحاديث إلى الصحف، ويحتلون المواقع في النقابات وفي غيرها.. لقد عودنا الإخوان المسلمون دائماً على أن يكون لهم تنظيماتهم السرية ينكرونها، ثم يعترفون بها بعد سنوات، وهؤلاء الإرهابيون الجدد الذين يحملون السلاح الآن.. هم الجناح السري للإخوان مهما حاول قادتهم أن ينكروا وأن يقولوا لنا إنهم منشقون عليهم، خارجون عن طاعتهم بعيدون عن أهدافهم، مختلفون مع توجهاتهم.. إنه توزيع مرسوم للأدوار، فئة تكسب على السطح بالاعتدال، وفئة تكسب تحت الأرض بالسلاح..وواحدة تسلم لأختها حتى لو بدأت أنها تلعنها.. والله فعَّال لما يريد.. فقد كانوا يقولون هنا إن ممارساتهم القتل تمثيليات تلصق بهم.. بينما إخوة لهم يقتلون، وينفون ويسفكون الدماء من حولنا.. فوق وهاد اليمن، وفي مروج تونس، وفي فيحاء دمشق.. وعلى جبال الجزائر وغيرها.وكان الناس البسطاء العاديون يقلّبون وجوههم في السماء لعل الله يزيح عنهم هذا الكابوس المتوحش المتعطش للدماء.. تحت ستار دين الله الحنيف، ولم يعد الناس يصدقون ما يقال عن التمثيل والممثلين.. فقد اتضحت الصورة واكتملت في مناطق متفرقة من حولنا.رجعت إلى بعض ما كتبوه صديداً ضد ثورة يوليو، وقائدها الخالد.. أبداً لم تبادلهم الثورة حقداً بحقد، ولا ثأراً بثأر، فهي لم تتربص بهم جزاءً وفاقاً لما سولت لهم نفوسهم وما ارتكبوه بأيديهم، ولا هي انتبذتهم مكاناً قصياً إلى الأبد بعيداً عن المجتمع.. حاكمتهم.. نعم.. حُكم على عدد محدود جداً من قادة مؤامراتهم بالإعدام.. نعم.. ثم صفحت عمن سجنتهم..حاكمتهم بجرائمهم ولم تحاكمهم لأنهم فكروا.. وكفّروا المجتمع، ورموا كل من عداهم بالردة، وكونوا التنظيم السري المدعوم من الخارج، وجمعوا السلاح، وأعدوا خططاً لنسف الكبارى والمنشآت، وقتل المفكرين، وتدمير التليفزيون واغتيال المذيعات، وقبل هؤلاء قتل ثورة الشعب بإنجازاتها، والقضاء على قادتها كلهم.وفي المحاكمات دافعوا وتكلموا، واعترفوا ببعض الإجرام، ورفضوا بعضه، وحكم عليهم، ومن سجن منهم لم يمض المدة كلها وإنما صدر عفو عنهم، وخرجوا من السجون، وعادوا إلى أعمالهم في الحكومة يقبضون مرتباتهم من الدولة التي اتهموها بالكفر.. بعد كل ما ارتكبوه أعادتهم الثورة بعد أن أخرجتهم من السجون، وأغلقت المعتقلات، ولم تنفذ الأحكام كاملة ضدهم، وأرجعتهم إلى وظائفهم فحفظوا الجميل على طريقتهم وعادوا لجاهليتهم، فقد استمرأوا تلك الحياة اللاإنسانية،البعيدة عن روح الإسلام وجوهره، بينما يشيد المجتمع صروح الإسلام، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.. ففي العصر الذي قدموا فيه للمحاكمة حفظ القرآن الكريم مسموعاً، وكانت كلمات الله ترتل آناء الليل، وآناء النهار من إذاعة خاصة للقرآن الكريم، تبث على امتداد ساعات اليوم كله.. وفي هذا العصر أيضاً أعيد نشر كتب التراث في التفسير، والحديث والفقه، مسلسلة، وفي طبعات شعبية وبأسعار زهيدة لتدخل كل بيت، وتمتد إليها كل يد، وتغذي كل عقل بدين الله طاهراً حنيفاً نقياً من إرادات التآمر ورصاصات الإرهاب.. وفي ذلك العصر ـ عصر جمال عبدالناصرـ قدم للإسلام الكثير، والكثير جداً، فقد كان من أزهى عصور الإسلام الحديثة، وكان قائده بطلاً إسلامياً بكل المعايير الصحيحة.عبداللّه إمام
|
فكر
لا تـقـرا هـذا
أخبار متعلقة