طبول المواجهة بين المناطق الرمادية والزوايا الحادة
بحسب الخطاب الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام وصحافته جرى تحميل شريكه في الحكومة الائتلافية الثالثة جانباً كبيرا من الممارسات الخاطئة التي حدثت بعد حرب صيف 1994، والتي تتعارض مع توجهات المؤتمر الشعبي العام وسياسة الحكومة الرامية إلى إزالة آثارها، وخاصة تلك التي تمثلت في نهب الأراضي والمزارع ، والتحريض على حل وتصفية الحزب الاشتراكي ، وهدم قباب المساجد وتحطيم الأضرحة والقبور ومضايقة العائلات في متنفسات وشواطئ المدينة ، ومحاولة فرض أشكال متطرفة للتدين والسلوك الاجتماعي على المواطنين ، ونشر أفكار التكفير والتفسيق في المحافظات التي كانت مسرحاً للحرب.. وكانت هذه الممارسات تعرقل الجهود الواجب بذلها لإزالة آثار تلك الحرب ، وتطبيق قرار العفو العام وتعزيز الوحدة الوطنية للمجتمع ، من خلال إشاعة مناخ التسامح والعفو والتصالح بين السلطة ومعارضيها في الداخل والخارج ، وقطع الطريق على كل ما من شأنه تمزيق وحدة المجتمع . والحال أن التباين في رؤية طرفي الائتلاف الثالث إزاء قضية إزالة آثار حرب صيف 1994 يعود إلى ظروف الحرب نفسها ، وإلى مفهوم كل من الطرفين لها.. فالمؤتمر الشعبي العام خاضها باعتبارها عملاً دستورياً ضد مشروع انفصالي غير شرعي، فيما خاضها التجمع اليمني للإصلاح باعتبارها جهاداً شرعياً ضد الكفار والمرتدين عن دين الله بحسب تصوره واعتقاده.. وحين أصدر الرئيس علي عبدالله صالح العفو العام في شهر مايو 1994 أثناء الحرب، كان واضحاً أنه استهدف أيضاً إنهاء الحرب بأقل قدرٍ من التضحيات، وإشاعة أجواء التسامح بعدها ومنع ارتكاب أية جرائم انتقامية ضد الطرف الآخر.. وقد تزامن هذا القرار التاريخي الإنساني مع جمود الموقف العسكري على جبهة مدينة عدن بعد نجاح القوات الحكومية في إعادة بسط السيادة إلى معظم المحافظات الجنوبية والشرقية، والوصول إلى ضواحي مدينة عدن، حيث كان بالإمكان أقتحام عدن خلال يوم أو يومين على الأكثر ، بيد أن حرص الرئيس علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام على أرواح المدنيين، وإصراره على ضرورة تجنيب المدينة وسكانها الأبرياء مخاطر الدمار الهائل دفعه إلى تجميد الموقف العسكري بضعة أسابيع ، والاكتفاء بمحاصرة مدينة عدن خلال الفترة من منتصف مايو حتى أوائل يوليو 1994، وتوجيه النداءات المصحوبة بقرار العفو العام لتسليم المدينة وتجنيبها مخاطر الاقتحام المدمر.في الاتجاه المعاكس وجه أحد كبار شيوخ التجمع اليمني للإصلاح تهمة خطيرة وقاسية للحزب الاشتراكي اليمني في احدى خطب الجمعة التي ألقاها في الأيام الأولى من الحرب ، زعم فيها ان الحزب الاشتراكي كان يخطط لغزو الكعبة وتحويلها الى مرقص !!؟؟ فيما قام حزب الاصلاح بعد ذلك بطباعة هذه الخطبة على أشرطة كاسيت صوتية وتوزيعها في إطار التحريض ضد الحزب الاشتراكي وتكفيره.وفي السياق نفسه أصدر شيخ آخر من شيوخ ( الاصلاح ) فتواه الشهيرة بعد أيام قليلة من صدور قرار العفو العام وهدوء الموقف العسكري على مشارف مدينة عدن ، حيث زعمت تلك الفتوى (( أن جمهور العلماء أجازوا قتل الشيوخ والرجال والنساء والأطفال المتترس بهم من قبل الكفار، وذلك حتى لا تعلو شوكة الكفر في دار الإسلام )) ، ناهيك عن الحكم الصريح في تلك الفتوى بتكفير الحزب الاشتراكي والتأكيد على ضرورة إبادة القوات المسلحة التي ( تأتمر بأوامره، وتساعده على إعلاء شوكة الكفر ) ، في إشارة واضحة إلى رفض قرار العفو العام عن أفراد القوات المسلحة الذين قاتلوا إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني ومشروعه الانفصالي ، وإبداء الرغبة الجامحة لإنهاء الجمود العسكري وإقتحام مدينة عدن وتدميرها بأي ثمن ناهيك عن ما انطوت عليه تلك الفتوى الدموية الرهيبة من تحريض صريح وسافر لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين وجرائم ضد الانسانية ، وبما يخالف أحكام القانون الدولي ومعاهدة جنيف الثانية بشأن جرائم الحرب . لا يحتاج المرء إلى أي جهد كبير لإدراك الاختلاف الواضح بين منطوق تلك الفتوى، وروح قرار العفو العام وخطة الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة وزارة الدفاع التي أكتفت بمحاصرة المدينة منذ منتصف مايو 1994، وتهيئتها للاستسلام بدون خسائر في الأرواح والبنى التحتية، ومنع أية أعمال انتقامية عند دخولها، وهو ما حدث فعلاً في نهاية الأسبوع الأول من شهر يوليو 1994م. وما من شك في أن الثقافة السياسية الناظمة لطريقة تفكير كل من المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، كان لها تأثير على طريقة تعامل كل من طرفي الحكومة الائتلافية إزاء المهمات المتعلقة بإزالة آثار حرب صيف 1994، وإيقاف كل الممارسات التي استهدفت نهب الاراضي والعقارات والممتلكات والأسلحة وغيرها بعقلية الفيد والغنيمة. فالخطاب السياسي والإعلامي للمؤتمر الشعبي العام كان يشير بوضوح إلى انتصار الشرعية الدستورية، واستعادة سيادة الدستور على كل اراضي الجمهورية اليمنية وتطبيع الأوضاع فيها بعد الحرب.. أما الخطاب السياسي والإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح وشيوخه الكبار فكان يستخدم عبارات ملتبسة مثل (فتح عدن.. فتح الجنوب.. ودخول الناس في دين الله أفواجاً .. وهزيمة الكفار والمرتدين..وكرامات المجاهدين .. الخ) ، وكما هو معروف فإن حديث الفتوحات يتبعه دائماً حديث الغنائم !!وتعود المرجعية الفكرية لهذا الخطاب، بما في ذلك الفتوى التي أصدرها أحد شيوخ ( الإصلاح ) أثناء الحرب، إلى التزاوج الذي حصل خلال مرحلة الجهاد الأفغاني بين الأفكار الجهادية السلفية لأبن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وأبن رجب الحنبلي ومحمد بن عبدالوهاب، بالاضافة الى الأفكار الجهادية المعاصرة ومفاهيمها عن التكفير والجاهلية الحديثة لسيد قطب ومحمد قطب وأبي الأعلى المودودي ، والأفكار الجهادية التكفيرية الراديكالية للجماعات الإسلامية المتطرفة ، مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر وحزب التحرير الإسلامي في المشرق العربي والجماعة الإسلامية في باكستان والجماعة الإسلامية للدعوة والقتال في الجزائر وجماعة أبي سياف في الفليبين والجماعة الإسلامية المسلحة في ليبيا وجماعة أنصار السنة في لبنان .. الخ كما نجد لفكرة التترس التي استندت إليها تلك الفتوى مرجعاً أساسياً لها في كتب بعض قادة الجماعات المتطرفة الذين أجازوا قتل رجال الجيش والشرطة، وكل من يتمترس بالمدنيين من الرجال والنساء والأطفال بهدف حماية الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية أمثال، محمد عبدالسلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة) ود. أيمن الظواهري في كتاب (الحصاد المر) وكتاب ( فرسان تحت بيارق النبي ) وشكري مصطفى في كتاب (العصبة المؤمنة) وكرم زهدي في كتاب (المرابطون) قبل أن يتراجع عن أفكاره الضالة ، وعبود الزمر في كتاب (حكم قتال الطائفة الممتنعة) والشيخ عمر عبدالرحمن في كتاب (منهاج الجماعة الإسلامية) وأبو حفص الموريتاني في كتاب (التترس والتخفي).. وتزعم جميع هذه الكتب بوجوب قتال الطائفة الممتنعة حتى ولو تخفت أو تترست بمجموعة من المسلمين الأبرياء حيث يجوز قتال الجميع، ومن يمت من المدنيين الأبرياء فسوف يبعث على نيته يوم القيامة فإن كان مسلما سيدخل الجنة ، وإن كان كافرا او مرتدا سيكون من أهل النار !!؟ في الاتجاه نفسه برزت خلافات عميقة بين طرفي الإئتلاف حول عدد من القضايا المتعلقة بمهام مكافحة الفساد واستفلالية الوظيفة العامة والأعمال الخارجة عن القانون، حيث أتهم المؤتمر شريكه في الحكومة الائتلافية الثالثة باستغلال وجوده في السلطة لطرد وتصفية وعزل الكوادر التي لاتنتمي الى حزب ( الاصلاح ) في الوزارات والمؤسسات التي أنيطت مسؤولية قيادتها بحزب ( الاصلاح ) ، حيث تضمنت أجندته الإئتلافية الخاصة سياسات حزبية شمولية استهدفت إقصاء مئات الكوادر الوطنية المجربة من مناصبها وأعمالها ، وإحلال عناصر حزبية محلها ، بالاضافة الى التلاعب بالمال العام وتمويل بعض المنظمات والنقابات التابعة لحزب الاصلاح من اعتمادات بعض الوزارات التي قادها وزراء ( إصلاحيون ) ، ونهب أموال وودائع المواطنين من خلال تأسيس شركات توظيف أموال وهمية في مجالات غير مشروعة مثل نهب الأراضي والمضاربة بها ، والادعاء بملكية مساحات استراتيجية من اراضي الدولة، والمطالبة بتعويضات تصل إلى عشرات المليارات من الريالات بادعاء تخصيص اراضي تملكها تلك الشركات الطفيلية لصالح مشاريع استثمارية كبرى ، على غرار ما حدث حين ادعت شركة (المنقذ) ملكيتها لأراضي المنطقة الحرة بعدن حيث حكم القضاء بعدم صحة ذلك الادعاء ، ومعاقبة الذين قامو ا بتزوير وثائق التمليك . وقد أشارت صحافة المؤتمر الشعبي العام إلى عدد من هذه الشركات التي يقودها مسؤولون بارزون في التجمع اليمني للإصلاح مثل (المنقذ ، السنابل، الوفاء، الرافدين، والنور).. وترافق انتشار هذه الظواهر مع تزايد أعمال العنف في بعض المحافظات وصعود ظاهرة اختطاف الأجانب ونسف أنابيب النفط وما ترتب على ذلك من تأثير سلبي على الحالة الأمنية.. بيد أن هذه التباينات في الأفكار والمفاهيم والرؤى لم تمنع طرفي الائتلاف الثالث من المضي قدماً على طريق تنفيذ بعض أهداف برنامج الحكومة الائتلافية الثالثة وفي مقدمتها تطبيع الاوضاع بعد الحرب، وإجراء بعض الإصلاحات المالية والإدارية التي نجحت في الحد من تدهور قيمة العملة الوطنية ، وضبط التضخم وتخفيض الإنفاق الحكومي ورفع الدعم عن بعض السلع الغذائية وتخفيض معدلات العجز في الموازنة، وتخفيض حجم الدين الخارجي وإنجاز بعض المشاريع الاقتصادية الحيوية. في الاتجاه نفسه يمكن القول أن هذه النجاحات لم تخف كثيراً من السلبيات التي نجمت عن الطبيعة الإنكماشية للإصلاحات المالية والإدارية مثل غلاء المعيشة والأسعار وتزايد نسبة البطالة وارتفاع معدلات الفقر بين السكان وانتشار الاختلالات الأمنية وعودة منابع الأمية، وتدهور مستوى التعليم بالقياس إلى الموازنة الفلكية المرصودة لها من خزانة الدولة بسبب وجود نظامين للتعليم أحدهما خاضع لسيطرة التجمع اليمني للإصلاح والآخر تابع للدولة.بصرف النظر عن الجوانب السلبية والإيجابية للتجربة الائتلافية الثالثة، فقد تقاطع مسار تطور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع ولادة محددات جديدة استدعت تعميق الميول الرامية لإعادة بناء السياسة وإصلاح الاقتصاد والتعليم وتنمية الموارد البشرية وإعلاء القيم الإنسانية وإدخال بنى ديمقراطية جديدة في هياكل الدولة والسلطة، وضبط الوضع الأمني وإعلاء سلطة القانون والاندماج في البيئتين الأقليمية والدولية. وبالنظر إلى الاختلافات الجوهرية بين محددات التجربة الائتلافية الثالثة ومحددات التجربتين الائتلافيتين الأولى والثانية التي كان الحزب الاشتراكي شريكاً فيها، فقد أدى تشوه المحددات الجديدة لمسار تطور الوضع السياسي والاقتصادي اللاحق إلى تراجع مفاعيل حكومة المؤتمر والإصلاح، ثم جاءت نتائج انتخابات 1997 لتسدل الستار عليها.. ولتمهد الطريق في الوقت نفسه لتطبيق معايير الديمقراطية ومحدداتها التي تقتضي حق الحزب الذي يحصل على أغلبية مطلقة ، في تشكيل الحكومة التي تؤهله لتنفيذ برنامجه الانتخابي بأقل قدر من العوائق والمصاعب، والوفاء بالتزاماته أزاء ناخبيه الذين منحوه ثقتهم. والثابت أن الحزب الذي يتقدم منافسوه في الانتخابات دون أن يحصل على الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتنفيذ برنامجه الانتخابي، يضطر إلى الائتلاف مع أقرب البرامج الانتخابية له والتنازل عن بعض أهدافه لصالح برنامج الائتلاف، الأمر الذي يولد مجموعة جديدة من التناقضات التي تؤثر على مستوى الفعالية والإنجاز، ولا تعصم الائتلاف من الوقوع في دائرة الأزمات.[c1]خبرات ودروس :[/c]ثمة مؤشرات عديدة تدل على أن المؤتمر الشعبي العام كان يتابع بدقة وجهة المتغيرات الدولية، حيث حاول منذ وقت مبكر استشراف تأثيرها اللاحق على آفاق تطور العالم المعاصر.. وبوسعنا القول أن الحراك السياسي للمؤتمر الشعبي العام في أواخر الثمانينات شكل مقاربة يمنية لرصد معطيات هذه المتغيرات، وابتكار أدوات جديدة لإعادة صياغة الواقع السياسي من خلال طرح مشروع الوحدة والديمقراطية. لكن مشروع المؤتمر الشعبي العام لم يكن مثالياً وخالياً من النواقص، فقد عانى من قصور واضح بسبب طابعه الإنتقالي السريع إلى الوحدة والديمقراطية، الذي يتمحور حول إعادة صياغة المجال السياسي للدولة والسلطة.. ولعل ذلك يفسر النقص الواضح في هذا المشروع الذي يبدو أنه ما يزال خاليــاً من أي حراك إبداعي في مجال الفــكر النظري للــسياسة نفســـها ، وأن كان قد انتج بصورة فعلية أفقاً حراً في مجال التفكير السياسي . أما الحزب الاشتراكي اليمني الذي شاركه في التجربة الائتلافية الأولى والثانية فقد فشل في إعادة صياغة خطابه السياسي والفكري باتجاه الاستجابة لتحديات التحول نحو الديمقراطية واستيعاب المتغيرات الدولية ، وذلك بسبب غلبة الجمود العقائدي والنزعات المحافظة التي تستمد مرجعيتها المعرفية من نمط التفكير المدرسي الحزبي السكولاستي ، والثقافة الشفوية ، والشعارات الشعبوية . وقد أدى تأخر الحزب عن بلورة برنامج حقيقي وجاد للإصلاح السياسي والاقتصادي في نهاية الثمانينات إلى عجزه عن التفاعل مع المتغيرات الدولية التي بدأت منذ تلك الفترة تعيد تشكيل صورة العالم وبنيته الداخلية، ما أدى إلى أن يواجه الحزب مأزقاً حقيقياً بعد قيام الوحدة والتحول نحو الديمقراطية في مايو 1990م ، حيث كان لا يمتلك أي رؤى استراتيجية واضحة وأدوات معرفية جديدة تؤهله للإسهام المتكافئ مع المؤتمر الشعبي العام الذي كان قد اعد نفسه نسبياً لمقاربة الشروط الجديدة للتغيير الديمقراطي، سواءً في المجال السياسي لكل من (الدولة، السلطة، المجتمع) أو على مستوى المجال النظري للممارسة السياسية ، أو على مستوى فهم العالم والإندماج فيه . وما ينطبق على الحزب الاشتراكي اليمني ينطق أيضاً على الأحزاب الأخرى التي بدأ معظمها أسيراً لمنطلقات فكرية قديمة ومشاريع سياسية بالية ومأزومة على الصعيد العربي، فيما كان التجمع اليمني للإصلاح أكثر هذه الأحزاب جموداً في الاستجابة لمتغيرات الثمانينات والتسعينات . ما من شك في أن خروج ( الإصلاح ) من السلطة بعد عام 1997 وضعه في منعطف حاد يؤهله لمقاربة مشروع إعادة خطابه السياسي والفكري من خلال عملية سياسية وتنظيمية داخلية وعسيرة، في ضوء الخبرة المكتسبة عن تجربته التاريخية ، و تأثيرمحددات المتغيرات العالمية على عملية إعادة صياغة المعرفة، بما في ذلك إعادة صياغة العناصر الأساسية في مرجعية مشروعه السياسي التاريخي الذي يتمحور حول (بناء الدولة الاسلامية وإعادة نظام الخلافة على مناهج النبوة ) ويتماهى ــ في الوقت نفسه ــ مع الدعوات الرامية الى إعادة نظام الإمامة ، الأمر الذي ينطوي على تهديد مباشر لأسس النظام الجمهوري والديمقراطية التعددية. لا نبالغ حين نقول إن التيار الإخواني في ( الإصلاح ) إستقبل الوحدة والديمقراطية في مطلع التسعينات، وهو مشبع بأفكار الدعوة إلى إعادة إنتاج دولة الخلافة الإسلامية ، ومسكون بالمزاوجة بين مرجعيته المعرفية السلفية التقليدية ، ومنظومة غير متجانسة من الأفكار السلفية المعاصرة التي ترفض ما تسميها ( جاهلية القرن العشرين ) ، وتعادي الحضارة الغربية وتدعو إلى الاستحلال الحضاري . بالإضافة إلى أفكار الجهاد التكفيري السلفي التي ولدت وانتشرت في مناخ الجهاد الافغاني الذي كان للتيار الأخواني في اليمن دور ناشطً وباع طويل فيه. وكانت المحصلة النهائية لهذا التزاوج ظهور تركيبة مشوّهة من الأفكار السلفية الشمولية ، التي تدعو الى الإقامة الدائمة في الماضي ، حبث يرى أصحابها أنهم ــ وحدهم ــ يملكون الحقيقة التي لا يصل نورها إلى غيرهم، وأنهم وحدهم الفرقة الناجية من الضلال والنار، وأن مغايريهم في مذهبهم هم علمانيون أو ليبراليون متغربون أو ملاحدة شيوعيون أوعملاء ماسونيون أو مرتدون أو كافرون أو جاهليون أو مرتابون أو روافض ، وما ينطوي على تفكير أحادي كهذا من نزعة لإلغاء وتصفية الآخر.. وهي القضية التي تتوقف عليها قدرة أي حزب أو تيار فكري على الاستجابة لتحولات الديمقراطية وتحدياتها . وبالنظر الى أن تكتل ( اللقاء المشترك ) يجمع أحزابا لم تتخلص بعد من رواسب منطلقاتها الفكرية القديمة ومشاريعها السياسية البالية وطرائق التفكير والعمل القديمة و المأزومة ، فمن حقنا أن نتساءل عن مدى قدرة وأهلية أحزاب ( اللقاء المشترك ) على تنفيذ مشروع جديد يجسد ما ترفعه من شعارات ، وما تسوقه للناس من وعود في سياق توجهاتها المتطرفة التي تدفع بالحراك السياسي الجاري في البلاد نحو مناطق رمادية وزوايا حادة ، وهو ما سنتناوله في الحلقة الأخيرة من هذا المقال في الاسبوع القادم بإذن الله .[c1]* نقلا عن / صحيفة (26سبتمبر)[/c]